أخبار لبنان

سهل البقاع يلفظ أنفاسه.. المزارعون يحاربون واقعهم المزري

ليس صدفة أن تذكر إنتاجات سهل البقاع بكتابات يعود عهدها إلى آلاف السنوات.. وليس من الصدفة أيضا أن يتكلم الرحالة عن خصوبة هذه الأرض المعطاءة، الذي وصل إنتاجها في العهود السابقة إلى وسط روما، لحدّ باتت أجبان، وألبان وخضار وفاكهة هذه الأرض مقصد الأجانب الذين انبهروا من فرادة هذا الإنتاج.. وعلى الرغم من الحروب، والإستعمارات، والإنتدابات، بقي هذا السهل خصبًا، معطاءً، وظلت محارث الفلاحين يُسمع صداها في هذه الأرض، إلا أنّ اليوم، الأمور انقلبت، والأرض باتت تفتقد أيام الحصاد الزراعي الغني، الذي كان يُشبع أسواق لبنان، وما يفيض منه، كان يتقاطر بشحنة تلو الأخرى إلى البلاد العربية، وبالأخص الخليجية.

الحقيقة اليوم هي أن انتاجية هذا السهل انهارت، فالفلاحون استسلموا أمام الواقع المرير المتمثل بتهميش من جهة، وغزو سوري من جهة ثانية، أغرق السوق ببضاعة مهرّبة أطاحت بالإنتاج الزراعي الذي عانى المزارعون طوال أشهر وتكبدوا الملايين من الليرات خلال مرحلة زرعه وصولاً إلى مواسم الحصاد.

التكدس بدأ

“لبنان24” قام بجولة مع أحد المزارعين في سهل البقاع، ورصد مختلف الاراضي “الخالية”.. هذه الصورة لم يعتد عليها المزارعون منذ عشرات السنوات، حسب “أبو ربيع”، مزارع بقاعيّ عاش في هذا السهل وزرع فيه منذ 65 عامًا.. ينظر “أبو ربيع” إلى إنتاجه المتكدس، يقول بأنّ هذه الأرض كانت تُزرع بكاملها إما بالبطاطا أو بالقمح، لكن اليوم، هذه العملية، لم تعد تكفي ثمن المبيدات الحشرية، إذ إن السوق يجحف بحق هؤلاء من جهة، والحدود “السائبة” تطلق رصاصة الرحمة على انتاجهم.

يتحدث “أبو ربيع” عن عملية التهريب الحاصلة على الحدود، العشرات من الشاحنات تدخل إلى لبنان بطرق ملتوية، الواحدة تلو الأخرى، محملة بالخضار والفواكه.. تصل إلى الأسواق بأسعار جدًا منخفضة، وهذا ما سيؤدي بطبيعة الحال إلى الإستغناء عن المواسم الزراعية اللبنانية، وبالتالي، فإنّها ستتكدس في المستودعات، وتتعفن لترمى كما كل عام.

الأمر نفسه يعاني منه أصحاب البيوت البلاستيكية، التهريب خرب بيوت المزارعين، وراكم خسائرهم، ما جعل البعض يستغني بشكل كامل عن هذه المشاريع، باعتبارها “مدفن للأموال” لا أكثر. وهذا ما أكّده مختار بلدة شيخ محمد العكارية محمد سايد الغريب، الذي أشار إلى أن مواسم مزارعي عكار سوّيت بالارض مع إدخال شاحنات من الخضار والفاكهة من سوريا والأردن إلى لبنان.

وفي اتصال مع “لبنان24” أكّد الغريب على أن الوضع لم يعد يحتمل، إذ إنّ المزارع يتحمل تكاليف كبيرة جدًا من تجهيز البيوت البلاستيكية، وصولاً إلى عملية الزرع وتأمين البذور والأسمدة، واليد العاملة.. ومع بدء شباط، موسم القطاف، بدأت الخضار الأجنبية تدخل إلى لبنان، علمًا أن أسعارها هي نصف أسعار الإنتاج اللبناني، وهذا ما يدفع بالمزارع إلى الاستغناء عن حصاد إنتاجه، الذي سيباع بأقل بكثير من سعر التكلفة.

ويلفت الغريب إلى ان استمرار الوضع على ما هو عليه اليوم سيؤدي إلى عدم قدرة المزارع على تسديد ديونه بالدرجة الأولى إلى الشركات الزراعية التي تموّل المزارعين مع كل موسم زراعيّ.

بالتالي، كيف هي الأسعار على أرض الواقع؟

في السّوق اللبناني، غالبًا ما تجد في بعض المحال نوعين من كل صنف: اللبناني والمستورد، وهنا تكمن المصيبة، إذ إن سعر المستورد المعروض يكون أقل بكثير من الإنتاج الوطني، وهذا ما سيدفع بالمستهلك إلى التوجه فورًا للسعر الأرخص، فمثلاً، يبلغ سعر كيلو البندورة المستورد 25 ألف ليرة لبنانية، بوقت تبلغ تكلفة إنتاج كيلو البندورة الوطني 45 ألف ليرة لبنانية، ويباع بحدود 60 أو 65 ألفًا. وعلى هذا المنوال، يؤكّد مزارعون لـ”لبنان24 أنه في وقت يبيع المزارع اللبناني شحنة واحدة فقط من منتوجاته، تدخل عشرات الشاحنات التي تحمل الصنف نفسه في غضون أسبوعٍ واحدٍ، وهذا ما سيساهم بتكدس الإنتاج المحلي أكثر فأكثر.

من جانبه لفت رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع ابراهيم الترشيشي خلال اتصال مع “لبنان24” إلى ان التهريب على الحدود بات موضة، وكل ما تم اتخاذه من إجراءات لم يؤد إلى أي نتيجة، علمًا أن الروزنامة الزراعية بين لبنان وسوريا مشرّعة، أي أن التبادل بكل أنواع المنتجات الزراعية هو مسموح، وبالتالي ليس هناك أي حاجة للتهريب.

وعن أزمة زراعة القمح حدث ولا حرج، مسرحية أخرى من مسرحيات التهميش التي فتكت بالمزارع، إذ إن القمح الأجنبي غزا الاسواق من كل حدب وصوب، وآخره كان القمح المضروب الذي تم إدخاله وانتشر في السوق، ما أجبر المزارع على عدم حصاد موسمه، وبقي القمح اللبناني تحت الشتاء، علمًا أن لا مستودعات جاهزة لاستيعاب 20 ألف طن من القمح المزروع حسب معلومات “لبنان24”.

ويؤكّد ترشيشي بهذا السياق أن القمح المتروك في السهول اللبنانية لن يجد له أي سوق داخلية، وبالتالي فإن المزارع مخيّر بين إما أن يحصده ويرميه للحيوانات، وإما أن يتركه على حاله، لتتفاقم خسائره مرة جديدة.

لبنان ٢٤

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى