“احترنا يا قرعة من وين بدنا نبوسك” مثلٌ يختزل عملية الدوران حول النفس لمُشَيطني المقاومة الإسلامية في لبنان، وعلى رأسهم المجاهدون في أوتيلات الدول العربية، منتحلو صفة فلسطيني.
بعد الرد الأولي لحزب الله على اغتيال السيد محسن، صمت بن غفير وسموتريتش ولم يصمت المُبعَدون قسرًا عن الكيان، لا بل جاهروا بالدفاع عنه من خلال تسويق ما لم يسوّقه العدوّ نفسه، “قن الدجاج”. وخلع القابع على الشواطئ ثوب السباحة ليرتدي بزة “المحلل السياسي والإستراتيجي والاقتصادي” ليقول لنا “نريد المزيد من لبنان، والرد لم يكن مناسبًا”.
أما آخر إصدارات دكاترة “القص واللصق” فكانت بعد خطاب السيد حسن نصر الله، وسيمفونية “الرد الموجع لا يستدعي خطاب شرح”.
وعلَت أصوات المنتفعين من حصول شرخ بين المقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، وبدأ القاعد يُفتي للمجاهد!
من هنا لا بد من إنعاش ذاكرة السمكة التي احتلّت ذاكرة البعض، في مقارنة بسيطة بين عمليات اغتيال سابقة وحالية، حيث سقط لحزب الله قادة شهداء بما يوازي شهداءه بعد طوفان الأقصى ولم يؤدِّ الأمر إلى فتح الجبهة الجنوبية على تصعيد يتخطّى سقف “قواعد الاشتباك”.
فعندما اغتيل السيد عباس الموسوي ردت المقاومة بعمليتين في الأرجنتين وتم إطلاق صواريخ نحو الجليل، والرد على عملية اغتيال الشهيد علي حسين صالح كان بضرب المقاومة للمواقع “الإسرائيلية” في مزارع شبعا وسقوط قتيل و5 جرحى، كما أن الرد على عملية اغتيال الشهيد غالب محمد عوالي فكان بقتل إسرائيليين.
أيضًا كان هناك العديد من المحاولات للرد على اغتيال القائد الحاج عماد مغنية وصادفت هذه المحاولات عقبات عدة، منها “إفشال” جاسوس داخل الحزب كان يعمل لصالح “إسرائيل” وتولى مسؤولية التنسيق في وحدة العمليات الخارجية للحزب، وتم توقيفه في كانون الأول 2014، فعمليًا الرد الذي يُذكر كان بعملية استشهادية واحدة في بلغاريا.
عدا عن انه ايضًا لم يتم الرد على اغتيال القائد الجهادي الكبير السيد مصطفى بدر الدين، ولم يتم الرد على اغتيال القائد حسّان اللقيس، وعندما اغتيل جهاد عماد مغنية ورفاقه في القنيطرة تم استهداف دورية للعدو “الإسرائيلي” في مزارع شبعا ومقتل وضابط إسرائيلي. واستهدفت المقاومة دورية للعدو “الإسرائيلي” في مزارع شبعا ردًا على اغتيال الشهيد سمير القنطار. وبعد اغتيال الشهيد الشيخ صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت وجريمة اغتيال القائد وسام الطويل قامت المقاومة الإسلامية في لبنان باستهداف مقر قيادة المنطقة الشمالية التابع لجيش العدوّ في مدينة صفد المحتلة (قاعدة دادو) بعدد من المسيرات الهجومية الانقضاضية.
كما ردت المقاومة على عملية اغتيال القيادي طالب سامي عبد الله “أبو طالب” باستهداف مصنع ”بلاسان” للصناعات العسكرية المتخصصة في تدريع وحماية الآليات والمركبات لصالح جيش العدوّ في مستوطنة سعسع وشنت هجومًا مشتركًا بالصواريخ والمسيّرات حيث استهدفت بصواريخ الكاتيوشا والفلق 6 مرابض في الزاعورة، ثكنة كيلع، ثكنة يوآف، قاعدة كاتسافيا، قاعدة نفح وكتيبة السهل في بيت هلل، وبالتزامن شنّ مجاهدو القوّة الجوية بعدة أسراب من المسيّرات الانقضاضية هجومًا جويًا على مقر قيادة المنطقة الشمالية، وقاعدة ميشار (مقر الاستخبارات الرئيسيّة للمنطقة الشمالية المسؤولة عن الاغتيالات) وثكنة كاتسافيا (مقر قيادة اللواء المدرع النظامي السابع التابع لفرقة الجولان 210)، وأصابت أهدافها بدقة.
وبعد اغتيال القيادي محمد نعمة ناصر “أبو نعمة”، المسؤول عن وحدة “عزيز” في الجنوب أطلق حزب الله نحو 200 صاروخ وشن هجومًا جويًا بالطائرات الانقضاضية على مواقع في الجليل الأعلى والأدنى والغربي والجولان وعكا، ومنها مقر قيادة الفرقة 91 المستحدث في ثكنة “إييلايت”، ومركز استخبارات المنطقة الشمالية في قاعدة “ميشار”، وقاعدة “إيلاينا” للفرقة 143 على بُعد 35 كيلومترًا من حدود لبنان الجنوبية.
أخيرًا، بعد اغتيال القيادي السيد فؤاد علي شكر “السيد محسن” الذين تزايدون في ثأره عن أهل بيته، استهدفت المقاومة الإسلامية قاعدة ميرون، مربض نافيه زيف، قاعدة جعتون، مرابض الزاعورة، قاعدة السهل، ثكنة كيلع، ثكنة يوآف، قاعدة نفح، قاعدة يردن، قاعدة عين زيتيم، وثكنة راموت نفتالي، بـ 340 صاروخ كاتيوشا، وشنّت هجومًا جويًا في عمق الكيان بعدد كبير من المسيرات الهجومية استهدفت قاعدتي عين شيمر (قاعدة للدفاع الجوي الصاروخي المتعدد الطبقات) وغليلوت (قاعدة الاستخبارات العسكرية “أمان”).
هذا الاسترجاع لشريط اغتيالات أبرز قادة حزب الله لتعلم أيها المُنَظّر أن دم قادة المقاومة واحد. ولقطع الطريق امام المزايدين على أمين عام حزب الله، لا بد من التذكير أن كلّ خطابات السيد نصر الله بعد طوفان الأقصى كانت قولًا واحدًا: “اذا فُرضت الحرب على لبنان سوف نقاتل بلا ضوابط”.
“اذا فُرضت” هذا يعني أن الهدف من الردّ كان للعودة لقواعد الاشتباك واستعادة الردع ولعدم الانجرار إلى حرب كبرى وليس لتحرير فلسطين بضربة قاضية، والردّ حقق هدفه بدليل أن الإسرائيلي سارع للإعلان أنه لا يريد التصعيد.
فيا ايها المُنظِّر على المقاومة من داخل غرف الأوتيلات ومن تحت المكيفات غير آبهٍ بأهالي أكثر من ٦٠٠ شهيد ارتقوا فداءً لغزّة وأهلها، كن على يقين أن قيادة المقاومة الحكيمة لديها كلّ الصبر والحكمة كي تكون الإسفنجة التي تمتص كلّ هذا الانحدار بالخطاب كي لا تسمح للعدو المتربص أن يصطاد في الماء العكر فقط، ولكن لا تجعل “تلك التعليمة” أداةً لتعكير المياه ليرتاح الصياد! فالأجدى بك توجيه خطابك المنحدر للدول المطبّعة لأن فصائل المقاومة بكلّ جبهات الإسناد ليست هي من تحكم بلادها! هل تعلم كم جبهة داخلية في اليمن ضدّ أنصار الله ورغم ذلك فتحوا جبهة إسناد لغزّة لم يفتحوها لأنفسهم؟! كم جبهة داخلية في العراق ضدّ الحشد الشعبي؟ هل تعلم أن في لبنان عشرات الجبهات الداخلية مفتوحة ضدّ حزب الله ويتحمل ما يتحمله في الداخل هو وبيئته ليمضي في إسناده لغزّة؟ ألا يخجل من لا يجرؤ أن يطالب بتخفيض تسعيرة عبور الغزّاوي المعبر أن يطلب المزيد ممن قدّم ٦٠٠ شهيد ودمرت قراه وبعض مراكزه؟ ألا يخجل من لا يجرؤ على إيقاف شاحنة خضار متجهة نحو الكيان أن يطلب من حزب الله الانتحار في مواجهة مفتوحة مباشرة مع أميركا وبريطانيا والناتو وفوقهم الدول العربية؟
قال السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير “كنا نناقش كلنا في المحور هل نرد سوية أو منفردين، فكان الرأي الأرجح الرد منفردين”، ما يعني أن الرد المنفرد المتدرج هو في صالح غزّة وأنه سيراقب تداعيات رده على مسار المفاوضات فإن لم يكن في صالح وقف إطلاق النار فسيكون الرد التالي من اليمن أو إيران أعلى رتبة وأقوى بدرجة، وهكذا حتّى يتم الضغط المتدرج لتحقيق الهدف الأساس وهو وقف الحرب وليس لإتمام نجاح “التعليمة”.
لذلك، من يجد نفسه الأحرص على فلسطين ويرى أن رد المقاومة اللبنانية كان دون المستوى فليترك جنة قطر وتركيا والمالديف ويضحِّ ببرودة المكيفات والشواطئ وليلتحق بغزّة عبر الانفاق ويحمل سلاحه ويرد ردًا “فوق المستوى” وإلا فليبقِ “سيغارهُ” في فمه، فرائحته الكريهة تبقى ألطف من رائحة حقارة المنظّر في الحرب، حيث لا إمكانية لإرضاء الجميع، فمن لحق بنا استشهد ومن لم يلحق بنا لم يبلغ الفتح.