مقالات

بعيداً عن الولايات المتحدة!

كان لافتاً تصريح مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الذي قال فيه: “أدعو إلى تنويع الجهود الدبلوماسية بعيداً عن الولايات المتحدة التي حاولت من دون جدوى التوصل إلى هدنة في غزة”.

وقال: “نأسف لعدم وجود أي قوة قادرة على وقف نتنياهو”. والحقيقة هي أن لا شيء يجري في منطقتنا أو في الأمم المتحدة بعيداً عن الولايات المتحدة؛ فالدمار الهائل وحرب الإبادة الثانية في بيروت، بعد تلك في فلسطين، يتمّان بتمويل وتسليح ودعم من الإدارة الصهيونية في الولايات المتحدة، بما في ذلك استخدام بوارجها لقصف الضاحية الجنوبية، بالإضافة إلى إرسال أسلحة بمئات المليارات من الدولارات الأمريكية لتغذية هذه الحرب الهمجية وضمان استمرار أوراها.

من هنا، فإنّ كل ما يقال في الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم لا يمكن أن يوقف إرهاباً صهيونياً أو ينصر مظلوماً عربياً ما دام سيف الفيتو الصهيوني ما زال مشرعاً في أيدي الدول الغربية المتصهينة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، لخدمة الكيان الصهيوني والتغطية على كلّ جرائمه المغلفة بعبارات أثبت الواقع انفصالها الشديد عنه، مثل عبارة “الدفاع عن النفس”.

إن حقيقة ما يجري كامنة بعيداً جداً عن معظم ما يقال، سواء من الأطراف التي تحاول تبرير الجريمة الصهيونية وهي تساندها في العمق، أو من الأطراف التي تحاول مقاومة الإبادة على الأرض مع المحافظة على معنويات الداعمين والمؤمنين بخوض هذه المعركة المصيرية ضدّ عدوّ وجودي شرس، وعالم وحيد القطب يعبّر فيه الغرب عن همجيته الاستعمارية المعهودة منذ قرون.

الحقيقة هي أن حرب الإبادة التي تستمرّ منذ عام على الشعب الفلسطيني في غزة، وحرب الإبادة الثانية على لبنان في الضاحية، تندرجان ضمن مخطط صهيوني قديم هو أساس المشروع الصهيوني في هذه المنطقة، ولم تكن كل المجازر التي ارتكبها الاحتلال في فلسطين، منذ ما قبل عام 1948 حتى اليوم؟ سوى مقدّمة لهذا المشروع.

وفي كلّ إبادة وقتل وتهجير ومجزرة يعيد الكيان الصهيوني دراسة أهدافه وأدواته ويؤقلم خطوات تنفيذ مشروعه الاستعماري بحسب الممكن والمتاح في هذه المرحلة، ويُرجئ ما يتعذّر عليه تحقيقه إلى مرحلة أخرى أكثر مواءمة وأقلّ تكلفة.

وفي مراجعة سريعة لهذا المشروع منذ عام 1948 نرى أن الكيان الصهيوني استخدم كلّ الأدوات الإجرامية، بالإضافة إلى استكمالها بتغطية إعلامية واسعة، واستخدام المال اليهودي لشراء ذمم السياسيين في البرلمانات والحكومات ووسائل الإعلام في الولايات المتحدة وأوروبا، وبَذْلِ جهود دبلوماسية غربية ومضلّلة حققت له مكاسب كبيرة في اتفاقات تمّ إبرامها عقب حرب تشرين في كامب ديفيد، وفي أوسلو واتفاقية عربة، كلها هدفت إلى إخراج أطراف عربية من الصراع العربي الإسرائيلي تسهّل عليه استهداف أطراف عربية أخرى بطرائق وأزمنة وأساليب متعددة، لأنّ أكثر ما يخشاه هذا العدوّ هو تكاتف هذه القوى العربية ضدّه وتلاحم الموقنين بضرورة اقتلاعه من هذه المنطقة.

وتجذّر لديه هذا الخوف بعد عدوانه عام 2006 على لبنان وانتصار المقاومة في لبنان على كلّ أسلحته وأدواته بفضل الدعم المباشر وغير المباشر والذي حظيت به المقاومة من الأطراف المساندة لها في المنطقة.

منذ ذلك التاريخ انشغلت مراكز الأبحاث الإسرائيلية بدراسة خطورة تكاتف قوى إقليمية ضدّها، ونصّت دراسات متعددة نشرتها مراكز أبحاث أمنية إسرائيلية على أنّ أخطر ما تواجهه “إسرائيل” هو حرب تشترك فيها عدّة أطراف في المنطقة لأنّ ذلك سيشكل خطراً وجودياً حقيقياً على الكيان الإرهابي الصهيوني.

المصدر: الميادين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى