بينما يستعدّ العدوّ الإسرائيلي لجولات جديدة في حرب يُريدها طويلة مع لبنان، تتحضّر الساحة المحلية لمرحلة أخرى من النزاع الداخلي.
وهي مرحلة تجدها القوى المناوئة فرصة للانتقام من المقاومة، مستندة الى حسابات ضيّقة ترى أن اغتيال السيّد حسن نصر الله نجم عنه إخلال في موازين القوى المحلية، وعليه ينتظر هؤلاء مكاسب سياسية ستتحقق بفعل الضغط الأميركي والدولي، في ما خص الانتخابات الرئاسية.وتأتي ثقة هؤلاء، بحسب مصادر سياسية بارزة، من الكلام الذي يقوله الأميركيون لأدواتهم في لبنان من أن الولايات المتحدة ستعمل جاهدة من أجل فرض رئيس في القريب العاجل.
وكشفت المصادر نفسها عن أن «الجانب الأميركي انتقل الى سقف عالٍ جداً، ويتحدث معنا بلغة حاسمة فارضاً اسم قائد الجيش جوزف عون ولا نقاش في غيره»، لافتة إلى أنه «منذ اغتيال السيّد نصر الله، يتصرف الأميركيون والأوروبيون والعرب بمنطق الفرض وكأن فريق المقاومة انتهى، وأن عون أصبح رئيساً»، إلى حدّ أن «قائد الجيش نفسه والمحيطين به بدأوا احتفالاتهم»!
لكن ورغمَ الحركة التي حصلت في الأيام السابقة، بدءاً باللقاء الثلاثي في عين التينة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي والنائب السابق وليد جنبلاط، وما تلاها من لقاءات ثنائية ومبادرات للبحث عن تسوية أو فرض انتخابات لمصلحة فريق على آخر، لفتت المصادر إلى أن «الملف الرئاسي لا يُمكن إنجازه حالياً»، علماً أن عون «بات يملك أكثرية مؤيدة».
وكشفت المصادر أن «جنبلاط لم يعد يمانع انتخاب عون وأبلغ بري بذلك، وأن عدداً كبيراً من النواب السنّة عبّروا عن قبولهم بهذا الطرح، كذلك المستقلين.
أما «القوات اللبنانية»، فلن تقف في وجه الضغط السعودي الأميركي وستسير في نهاية المطاف بهذا الطرح». وفيما يعارض رئيس التيار الوطني الحر، النائب جبران باسيل، وصول عون إلى الرئاسة، حتى اللحظة، قالت أوساط سياسية إن بري «لم يوافق، على عكس ما يحاول مقرّبون من عون الترويج له»، مشيرة إلى أننا «في حرب والجميع ينتظر الميدان».
وفيما كتب المبعوث الأميركي عاموس هوكشتين على منصة «إكس» أن «إدارة بلاده لم تعطِ الضوء الأخضر لعملية عسكرية في لبنان، وأنها تعمل على خط بيروت وتل أبيب لاستعادة الهدوء»، نفت مصادر مطلعة ذلك، مؤكدة أن «لا أحد يتحدث معنا عن حل ديبلوماسي، بل إن الأميركيين منحوا العدو الإسرائيلي كل الوقت لاستكمال عدوانه، بالتزامن مع الضغوط التي يقومون بها لأجل فرض واقع أمني وعسكري جديد في الجنوب وواقع سياسي وفقَ موازين مختلفة».
وقالت المصادر إن «هذا الضغط يزداد كل يوم لأن هناك تخوّفاً من الواقع الميداني في الجنوب، والذي أثبت أن منظومة القيادة والسيطرة للمقاومة لم تتأثر باغتيال القادة، وهذا الواقع يجعل الأميركيين متوجّسين من إمكانية أن يعود الميدان ليقلب الموازين لمصلحة فريق الممانعة ويجهض مشروعهم».
بحث مستمر حول عودة وزراء التيار الوطني إلى المشاركة في اجتماعات مجلس الوزراء
وفي السياق، قامت جهات أمنية أوروبية بالترويج أن العملية الإسرائيلية لن تستغرق أكثر من ثلاثة أسابيع على أبعد تقدير، وأنه يجب على لبنان أن يستغل هذه الفرصة لأجل أن يكون جاهزاً لملاقاة الجهود الهادفة الى وقف إطلاق النار على أساس ترتيبات أمنية جديدة.
وهو كلام لم تستقبله جهات رسمية وسياسية نافذة، وأبلغت المسؤولين الأمنيين الغربيين بأنهم إما يروّجون للخدعة، أو أنهم لم يتعرّفوا إلى نيات إسرائيل بعد، وأن الواقع الميداني سيظلّ رهن المواجهات بين المقاومة وقوات الاحتلال. وهو ما دفع بأحد الديبلوماسيين الغربيين الى السؤال عما إذا كان في لبنان الرسمي اليوم أحد قادراً على النطق باسم من يقاتل على الأرض.
وجاء السؤال رداً على تصريحات أطلقها مسؤولون في حزب الله أطلّوا خلال اليومين الماضيين على الشاشات وأكدوا أن لا بحث بأي ترتيبات للوضع جنوباً، أو البحث السياسي في واقع السلطات قبل توقف العدوان.
إلى ذلك تواصلت المساعي لأجل ترتيب يسمح لوزراء التيار الوطني الحر بالعودة الى المشاركة في جلسات مجلس الوزراء. وفهم أن الرسائل جارية بين ميقاتي من جهة، والنائب جبران باسيل الذي يحرص على التشاور مع الرئيس بري.
وهو يطلب أن يصار الى إعادة البحث في آليّة العمل، بحيث يكون التشاور قائماً بشكل منطقي قبل تحديد جدول أعمال الجلسات، وأن يصار الى فتح الباب أمام البحث في كل النقاط العالقة، بما فيها تعيين موظفين أصيلين مكان الوكلاء الحاليين أو الممدّد لهم في مواقعهم المدنية أو العسكرية والأمنية.
وتلفت المصادر الى أن القطريين يتحمسون كما المصريين لأجل توسيع قاعدة التشاور حول مستقبل الوضع السياسي في لبنان، وهم يحثّون القوى السياسية على إيجاد إطار واسع.
ومن بين الأفكار توسيع اللقاء الثلاثي الذي جمع بري وميقاتي وجنبلاط ليشمل آخرين مثل باسيل وبعض القيادات المستقلة عن التحالفات الكبيرة القائمة.
ويقول مصدر مشارك في هذه الاتصالات إن إطاراً واسعاً من هذا النوع سوف يضيّق هامش المناورة التي تقوم بها الولايات المتحدة الأميركية من أجل تمرير مكاسب سياسية على وقع الحرب، من دون أن تهتم لتماسك الوضع الداخلي الآن أو في أي فترة لاحقة.
ونقل عن ديبلوماسي عربي قوله إن على الأميركيين تذكّر ما حصل في عام 1983، حيث حصل الانقلاب السياسي الكبير في لبنان على التركيبة التي فرضت بعد الاجتياح، وكيف انتهى الأمر الى تجدد الحرب الأهلية في لبنان كلّه.
وحذّر المصدر من أن الولايات المتحدة لم تعد متمسكة كثيراً بما يعرف بـ»الاستقرار في لبنان» لأنها كانت سابقاً تخشى أن تسمح الفوضى بأن يمسك حزب الله بكل مفاصل البلاد، وهي ترى أن الحزب الآن «في موقع ضعيف جداً، ولا يمكنه فرض ما يريد».