مقالات

أبعاد استراتيجية:هل ما زالت “اسرائيل” آمنة؟

سعت اسرائيل في السنوات العشر الماضية أن تبني وتعزز فكرة “اسرائيل آمنة”، وهي فكرة تقوم على عدة ثوابت، أبرزها:

أولا؛ أي إنسان يستطيع العيش في إسرائيل بشكل دائم. ثانيا؛ جذب المستثمرين لبيئة تعد آمنة دون الخشية من انهيار استثماراتهم.

ثالثا؛ إن أي سائح يجب أن يتمتع بالأمن.

وكل ذلك كانت يجري بصورة طبيعية، حتى لو كانت “إسرائيل” تعيش حالة حرب دائمة، وقد اعتمدت في ذلك على قوتها في الردع ومنظوماتها الصاروخية والدفاعية ” القبة الحديدية “على سبيل المثال.

ولكن المعادلة تغيرت بعد “طوفان الأقصى”، حيث تم نسف هذه الفكرة تماما، وأصبحت “اسرائيل” في واقع تتلقى الضربات بشكل يومي من مختلف الجبهات، وهذا أضعف قوة الردع لديها، بعد أن كانت تشكل لها درع حماية، وبالفعل تم نسف قوة الردع من قبل جبهات عدة سواء من المقاومة في غزة أو حزب الله في لبنان أو انصار الله في اليمن.

وما يميز هذه الضربات، أنها لم تنفذ لفترة مؤقتة، وإنما هي مستمرة مع ارتفاع تدريجي في مستويات القوة ونوعية الضربات.

واستمرار ضرب اسرائيل بشكل متواصل، نسف فكرة ان “اسرائيل آمنة” من النواحي العسكرية ولجهة الردع.

وهذا ما أخاف المستثمرين ودفعهم نحو سحب استثماراتهم كما قضى على جانب كبير من السياحة وخصوصا في الشمال، كما كان من شأنه أن يوجد حالة هجرة مضطردة للمستوطنين وجزء كبير منهم قرر السفر بلا عودة.

وكما في النواحي العسكرية؛ فإن الجانب الاقتصادي الذي يعد بمثابة المرآة للوضع الداخلي سواء أكان مستقرا أم مضطربا فهو يؤثر بشكل كبير على كيان الدولة، وكما جرت العادة فإن الاقتصاد والأرقام لاتكذب ولو حاولت الانظمة اللجوء الى المواربة والتعمية.

فاسرائيل تمر الآن بواقع يسجل فيه النمو الاقتصادي لديها أدنى معدلاته منذ عام 2009، كما انخفض تصنيفها الائتماني، وتوقفت أهم الموانئ لديها عن العمل، وارتفعت عوائد السندات الحكومية بالعملة المحلية بسبب مخاوف المستثمرين الدوليين من شراء الدين الاسرائيلي.

أمور دفعت الحكومة هناك الى التفكير في خفض الانفاق، فعمدت الى استهداف أجور كبار المسؤولين والوزراء، كما ارتفع حجم العجز المالي في اغسطس 2024 قرابة 3.4 مليار دولار، واستنزفت حرب اسرائيل على غزة ميزانية الدولة بحوالي 26 مليار دولار تم صرفها على الانفاق الحربي فقط.

وقد حذر العديد من المسؤولين الاقتصاديين داخل الحكومة من أن الأوضاع قد تتفاقم وتزداد سوءا، فعلى سبيل المثال؛ في نهاية اغسطس من هذا العام قام كبير المستشاريين الاقتصاديين للحكومة ومحافظ “بنك اسرائيل” ” امير يارون” بإرسال عدة رسائل الى الحكومة الاسرائيلية تفيد بأن الوضع الاقتصادي يتراجع وبات من الضروري العمل بجدية من أجل السيطرة عليه وإبقائه ضمن معدلات معينة.

ولرأب الصدع في الجانب الاقتصادي ولتفادي المزيد من الانهيار؛ بدأت الدولة في العمل على خفض الإنفاق وزيادة الضرائب، وبالطبع هكذا سياسة سوف يتحملها أولا وأخيرا المواطن الذي بات بالفعل يعاني من ارتفاع الأسعار واختفاء بعض السلع الأساسية.

وبما أن الحرب مستمرة..فالأوضاع تتجه نحو مزيد من الانهيار؛ لتصبح معه الدولة بعد فترة عاجزة عن رتق العجز في ميزانها التجاري، خصوصا أن كل المؤشرات تشي بعدم رغبة اسرائيلية في الاحجام عن خوض حرب الاستنزاف القائمة حاليا.

ويبقى القول، بما أن للاقتصاد دائما كلمته الحاسمة، فلن تستطيع أي دولة أن تستمر في حرب وهي تعاني داخليا ودوليا واقتصاديا. ومما لا شك فيه أن الأمن الاقتصادي هو من أساسيات الدول، لذلك وبناء على ما تقدم يمكن القول إن مشروع اسرائيل آمنة وقوية عسكريا واقتصاديا قد انتهى.

ريم عبيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى