الجثث مُلقاة في الشوارع، ويمنعون دخول الإسعاف والطّعام”، هكذا وصف أحد سكان شمال قطاع غزة، ممّن رفضوا ترك مدنهم، صورة من صور الحصار الإسرائيلي هناك، والذي يغلق كل مداخل ومخارج المدن، عدا المتّجهة للجنوب.
وطالبت إسرائيل، مع بداية عملياتها البرية في غزة أواخر تشرين الاول الماضي، سكان المحافظات الشمالية، بترك منازلهم والنزوح جنوبا، إلا أن أكثر من 800 ألف نسمة رفضوا، وأصرّوا على البقاء هناك، خاصة أن الوضع جنوبا ليس الأفضل.
وأغلب السكان يعيشون في معسكرات نزوح ومدارس تشرف عليها وكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين “الأونرا”، إلا أنّ القوات الإسرائيلية تحاصر الأحياء المؤدّية لهم؛ ما يؤثّر على إمدادات السلع الأساسية.
وينقل جعفر رفيق، القاطن في إحدى مدارس النزوح بمنطقة بيت لاهيا، صورة عن الوضع هناك بقوله لموقع “سكاي نيوز عربية”: “الموت يزحف بالبطيء لكل من رفض النزوح جنوبا، فالقوات الإسرائيلية تُحاصر مدارس الإيواء، خاصَّة مدرسة خليفة بن زايد، في بيت لاهيا، وعمليات القنص العشوائي للسكان تجري بينما لا تستطيع سيارات الإسعاف الوصول إليهم”.
وعن حجم المُساعدات الذي يصل لمنطقته، يُضيف رفيق: “منذ يومين، لم تدخل المياه إلينا في المنطقة، والطعام استنفد أيضا، ولم تصلنا مساعدات من تلك التي دخلت وقت الهدنة، رغم أنه بيننا أصحاب أمراض مزمنة يحتاجون إلى الأدوية ومنهم مَن يموت، أمّا الدبابات الإسرائيلية فهي في كل مكان”.
ويدعو المواطن الفلسطيني لتسليط الضوء على أوضاع السكان في المحافظات الشمالية، والذين “تحاول إسرائيل إخفاء وجودهم، لتفعل فيهم ما تشاء”.
القلق مِن الأوبئة
بالمثل، يسرد همام منير، أحد السكان هناك، نفس شكاوى رفيق بشأن نقص الإمدادات، وانتشار الدبابات الإسرائيلية وعمليات القنص، مضيفا: “نعيش دون صرف صحي، و هناك جثث متحلّلة في الشوارع، وهذا قد يتسبّب في انتشار الأوبئة، أما الاتصالات فغير مستقرّة، ولا نستطيع التواصل مع أحد إلا في أضيق الحدود”.
والتحرك خارج المنطقة ممنوع، إلا إذا كان الساكن يريد النزوح جنوبا رغم أن الحال هناك ليس أفضل من الشمال، حسب ما يقول منير، الذي يُضيف: “نجن مدنيون، ليست لنا علاقة بالصّراع، نريد فقط الماء والطعام ليعيش أطفالنا، وهم على يقينٍ أننا غير مسلحين”.
وفي بيان لمركز الإحصاء الفلسطيني، بشأن وضع السكان في شمال غزة، جاء أنه كان يقيم هناك 1.2 مليون فلسطيني، نزح منهم 400 ألف إلى محافظات وسط وجنوب القطاع، وتبقّى 807 آلاف، يمثّلون 152 ألف أسرة.
والفلسطينيون في الشمال يتمركزون في مناطق أم النصر، بيت لاهيا، بيت حانون، جباليا ومخيّمها، مخيّم الشاطئ، مدينة غزة، مدينة الزهراء، المغراقة، وجحر الديك.
مستقبل غامض للحرب
تسبَّب رفض الولايات المتحدة صدور قرار من مجلس الأمن الدولي، الجمعة، بوقف إطلاق النار بين الإسرائيليين وحركة حماس، في زيادة الغموض بشأن مستقبل الحرب ومدّتها.
وأدان الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، السبت، في بيان، استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضدّ مشروع قرار طرحته الإمارات في مجلس الأمن يدعو إلى وقف إطلاق نار، مُحمّلا إيّاها مسؤولية “ما يسيل من دماء”.
وأكد عباس أن هذا القرار “سيُعطي ضوءا أخضر إضافيا لدولة الاحتلال الإسرائيلي لمواصلة عدوانها على شعبنا في قطاع غزة، وسيشكّل عارا يلاحق الولايات المتحدة الأميركية سنوات طوال”.
وصوّتت 13 من الدول الـ15 الأعضاء في مجلس الأمن، الجمعة، لصالح مشروع القرار الذي حظي بدعم عشرات الدول غير المنضوية في مجلس الأمن، ومنظمات دولية وإنسانية، إلا أن واشنطن عطّلته باستخدامها “الفيتو”، وامتنعت بريطانيا عن التصويت.
وبرّرت واشنطن موقفها من نائب السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة، روبرت وود، أمام المجلس، بأن وقف إطلاق النار “لن يؤدي إلا لزرع بذور الحرب المقبلة”، في إشارة إلى رغبة بلاده في تدمير القدرات المسلحة لحركة حماس.
إلا أن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قال الجمعة، قبيل التصويت، إن هجمات “حماس” على إسرائيل في 7 تشرين الاول “لا يمكن أن تبرّر القتل الوحشي للشعب الفلسطيني”، خاصة أن الاعتداءات على غزة طالت المنشآت الصحية والتعليمية والدينية.
كما قال إنه “من مكان آمن في غزة، والظروف في الملاجئ غير صحيّة، ونصف سكان الشمال وثلث النازحين في الجنوب بغزة يعانون مجاعة حقيقية”، وفي نفس الوقت، دعا لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والأجانب الـ130 الذين ما زالوا محتجزين لدى “حماس”.