لا تزال طرقات لبنان تشكل مسرحاً لأبرز واكثر فصول الوفاة انتشاراً. فمن حوادث الاصطدام بين السيارات، الى حوادث الدهس، يستمر العداد بتسجيل الوفية تلو الأخرى. فلا يكاد يمر يوم من دون تسجيل خسارة بشرية واحدة على الأقل، ولن يكون آخر مشاهدها وفاة خمسة اشخاص اثر حادث مروع امس على أوتوستراد طرابلس في محلة القلمون، بينهم ثلاثة أطفال.
اللافت في الامر ان الدولة والناس يتشاركون في تحمل المسؤولية على السواء. اذ ليس خافياً على احد تردي حال الطرقات الدولية في لبنان والذي يمكن عزوه لسببين يتمثل الأول في عدم تعبيد هذه الطرقات بشكل جيد منذ انشائها، ويعود الثاني الى افتقار وزارة الاشغال للاموال الكافية لصيانة هذه الطرقات وانارتها كما يجب.
من جهة أخرى، يبرز عامل الإهمال البشري كمسبب رئيسي لحوادث السير المميتة. فإضافة الى السرعة الجنونية التي يقود بها معظم السائقين، فإن لغياب صيانة السيارات دورا أساسيا في الحوادث. خاصة وان صلاحية المركبة تعدّ احد العناصر الرئيسية لضمان السلامة المرورية. والتي يتحمل مسؤوليتها المباشرة السائق عبر إجراء الفحوصات الدورية وتفقد التجهيزات الفنية مثل الإضاءة والفرامل والمقود، وكذلك التقيد بـالحـمـولات المسمـوح بهـا وزنـاً وحجـماً، هذا في الاحوال الطبيعية. اما في بلد يعاني الامرّين مثل لبنان جرّاء الازمة الاقتصادية الخانقة، فقد باتت معظم السيارات غير صالحة للسير بفعل كثرة الاعطال والتي يهمل اصحابها تصليحها بسبب كلفتها المالية العالية.
وفي السياق، يشير الخبير في السلامة المرورية كامل ابراهيم الى ان “الحوادث المرورية على الطرقات الدولية تكون نتائجها كارثية، خاصة عندما يجتمع عامل السرعة مع اهمال صيانة المركبة، معطوفين على غياب الانارة. فعند خلوّ الطرقات من الجور (طريق القلمون – طرابلس نموذجاً)، يستسهل الناس السرعة”. توازياً، يلفت ابراهيم الى “ضرورة تعديل قانون السير لا سيما الشق المتعلق بغرامات مخالفات السرعة او اهمال تصليح المركبة، مع التشدد في التطبيق لعلّ ذلك يشكل رادعاً للمتهورين في القيادة”.
اذاً، في بلد يتخبط بالازمات، ويعيش مسؤولوه في حالة غيبوبة عن احوال الشعب، وفي غياب اي تطبيق لمعايير السلامة المرورية على اختلافها، وايا كانت الاسباب من اهمال وتقصير رسميين الى عدم المسؤولية في القيادة، والى ان يتفعل عمل المجلس الاعلى لسلامة الطرقات، يبقى الرهان على وعي الناس الى اية فئة اجتماعية انتموا ليتعظوا مما يجري، ويتولوا قيادة المركبات بمسؤولية منعاً لزهق المزيد من الارواح.