مقالات

الكومودور يقفل أبوابه وبيروت تفقد صفحة جديدة من ذاكرتها

شكّل خبر إقفال فندق “لو كومودور” في قلب منطقة الحمرا صدمة ثقافية ووجدانية لكثير من اللبنانيين، وخصوصًا أولئك الذين يرون في هذا الفندق أكثر من مجرد مبنى أو مؤسسة فندقية.

فـ”الكومودور” كان شاهدًا حيًا على تاريخبيروت الحديث، وعلى تحولات المدينة السياسية والاجتماعية، من زمن الازدهار إلى سنوات الحرب، وصولًا إلى أزمات الانهيار، ولا يمكن بالتالي اعتباره حدثًا عابرًا في روزنامة الأخبار السياحية.

هذا الفندق الذي سيقفل رسمياً في 10 كانون الثاني 2026 بعد أكثر من 80 عاماً على افتتاحه، لطالما ارتبط اسمه بالصحافة العالمية خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وكان مقر إقامة عشرات المراسلين الأجانب الذين نقلوا صورة بيروت إلى العالم.

بين جدرانه كُتبت تقارير مفصلية، وعُقدت لقاءات صنعت جزءًا من الذاكرة السياسية والإعلامية للمدينة.

ومع إعلان إقفاله، يُطوى فصل من هذه الذاكرة من دون بديل واضح، ولا خطة معلنة للحفاظ على رمزيته التاريخية.

قصة “الكومودور” ليست استثناءً. فلبنان، الغني بتاريخه وتنوعه المعماري، يشهد منذ سنوات نزيفًا صامتًا لمعالمه التاريخية.

من فندق صوفر الكبير، الذي كان مقصد النخب السياسية والفنية في القرن الماضي، إلى فنادق وسط بيروت القديمة، مرورًا بمبانٍ تراثية في الجميزة ومار مخايل والحمرا، تتكرر الصورة نفسها: إهمال، إقفال، أو تحويل المعلم إلى مشروع تجاري بلا هوية.

في كثير من الحالات، لا يُهدم المبنى، لكن تُفرغ روحه.

تُغلق الأبواب، تُطفأ الأضواء، ويُترك المكان رهينة الزمن، بانتظار مستثمر أو قرار إداري قد يأتي… أو لا يأتي أبدًا.

صحيح أن الانهيار الاقتصادي والمالي لعب دورًا أساسيًا في إقفال مؤسسات عريقة، لكن الأزمة أعمق من الأرقام.

فغياب سياسة وطنية واضحة لحماية التراث العمراني، وضعف القوانين الرادعة، وتضارب المصالح بين الاستثمار السريع والحفاظ على الذاكرة، كلها عوامل ساهمت في تحويل التراث إلى عبء بدل أن يكون رافعة ثقافية وسياحيةفي دول كثيرة، تُحوَّل الفنادق والمباني التاريخية إلى متاحف، أو مساحات ثقافية، أو فنادق تراثية تحافظ على هويتها وتدرّ أرباحًا في آنٍ معًا.

أما في لبنان، فغالبًا ما يُترك القرار للظروف، لا للرؤية.من إقفال “لو كومودور” يطرح سؤال أكبر: ماذا يتبقى من بيروت إذا فقدت معالمها؟ المدن لا تُقاس فقط بشوارعها الجديدة وأبراجها الزجاجية، بل بقدرتها على صون ذاكرتها. وكل معلم يُغلق من دون خطة إنقاذ، هو خسارة لجزء من هوية العاصمة ووجدانها.

فندق يُقفل، ومبنى يُهمل، وبيت تراثي ينتظر مصيرًا مجهولًا، يقف لبنان أمام اختبار حقيقي: إما حماية ذاكرته العمرانية، أو التسليم بتآكلها بصمت.

فـ”الكومودور” لم يكن مجرد فندق… بل صفحة من تاريخ بيروت أُقفلت، والسؤال اليوم: كم صفحة أخرى ستُطوى قبل أن يتخذ المعنيون الخطوات اللازمة؟

المصدر: لبنان ٢٤ (زينة كرم )

المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع "صدى الضاحية" بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و"الموقع" غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى