مقالات
اعتراف الكيان الصهيوني بأرض الصومال.. تهديد جديد لأمن المنطقة
تقع أرض الصومال في الجزء الشمالي الغربي من الصومال وتغطي مساحة تُقدر بـ 175 ألف كيلومتر مربع. أعلنت استقلالها بشكل أحادي عن الصومال في عام 1991، إلا أنها لم تتمكن من الحصول على اعتراف رسمي من المجتمع الدولي.
في 26 ديسمبر 2025، أعلنت “إسرائيل” اعترافها الرسمي بأرض الصومال كدولة مستقلة، ما أثار ردود فعل غاضبة على نطاق واسع داخل الصومال وفي دول المنطقة.
لم يكن الإعلان الإسرائيلي بالاعتراف بأرض الصومال مجرد اعتراف بروتوكولي بدولة ناشئة، بل شكل أخطر تحرك استراتيجي في القارة الأفريقية منذ تأسيس دولة الكيان عام 1948.
سعي نتنياهو للإعلان عن الاعتراف بجمهورية أرض الصومال قبل لقائه بالرئيس ترامب بيومين، يعكس رغبته في طرح أرض الصومال كخيار ممكن لإعادة توطين سكان قطاع غزة هناك، وذلك مقابل منحها اعترافاً دولياً باستقلالها.
هذا الاعتراف سيتيح لـ”إسرائيل” إنشاء قواعد عسكرية ومراكز تنصت قريبة للغاية من اليمن (المناطق التابعة للحوثيين) وإيران، والقاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي، إضافة إلى ذلك، يُمكّنها من السيطرة على أحد أهم شرايين الاقتصاد المصري (قناة السويس).
يُعتبر هذا الاعتراف تطوراً مثيراً للجدل، نظراً لما يحمله من تداعيات تهدد استقرار منطقة القرن الأفريقي.
الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال قد ينتج عنه تصعيد إقليمي، حيث من المحتمل أن يتسبب في توتر العلاقات بين الصومال و”إسرائيل”، وهو ما سينعكس سلباً على استقرار المنطقة. وقد يدفع نحو تقوية التعاون بين إثيوبيا و”إسرائيل”، ما قد يسهم في تغيير موازين القوى الإقليمية.
الحكومة الصومالية اعتبرت القرار الإسرائيلي انتهاكاً لسيادتها ورفضته بشكل قاطع. كما أدان وزير الخارجية المصري القرار وشدد على موقف مصر الثابت في دعم وحدة الأراضي الصومالية.
مصر تعتبر أن الوضع يشكل تهديدًا للأمن القومي المائي والحدودي. أما تركيا، التي تمتلك قاعدة عسكرية في الصومال ولها نفوذ كبير هناك، فإنها تنظر إلى التدخل الإسرائيلي كمنافسة على نفوذها. في حين تخشى جيبوتي من انتشار الفوضى على حدودها.
مجلس التعاون الخليجي عبّر عن رفضه للاعتراف الإسرائيلي، مشيراً إلى أنه يعد انتهاكًا لمبادئ القانون الدولي. البيانات الصادرة عن السعودية، والأردن، والجامعة العربية، والاتحاد الأفريقي تتفق جميعها على رفض فكرة تقسيم الصومال. ومع ذلك، يبقى التحرك المصري-التركي هو الأكثر إثارة للقلق، حيث قد يتطور إلى دعم عسكري مباشر للحكومة الصومالية الشرعية في مقديشو لاستعادة الإقليم بالقوة، وذلك لتفادي قيام “إسرائيل” بإنشاء قواعد عسكرية في المنطقة.
هل ستكون أرض الصومال مكاناً لتوطين سكان غزة…
أفادت القناة الـ14 الإسرائيلية بأن الاعتراف تم مقابل استقبال إقليم أرض الصومال لسكان غزة. ويشمل الإعلان إقامة علاقات دبلوماسية شاملة، بما في ذلك فتح السفارات وتبادل السفراء. كما يرتكز الاتفاق على تعاون استراتيجي بين “إسرائيل” وأرض الصومال في مجالات متنوعة.
وبحسب تقرير القناة، تخطط “إسرائيل” لتوسيع نطاق التعاون المدني مع أرض الصومال ليشمل مجالات الزراعة والتكنولوجيا. ويتضمن هذا التعاون نقل المعرفة، وتطوير مشاريع مشتركة، وتعزيز مجال الرعاية الصحية، وتوسيع حجم التبادل التجاري بين الجانبين.
وكانت وكالة أسوشيتد برس قد أفادت في مارس/آذار الماضي بأن الولايات المتحدة و”إسرائيل” عرضتا على مسؤولين في ثلاث دول أفريقية مقترحاً لتوطين فلسطينيين من قطاع غزة على أراضي تلك الدول.
ووفقاً لما ذكرته الوكالة، أشارت المصادر إلى أن الاتصالات شملت مسؤولين من السودان والصومال، إضافة إلى منطقة أرض الصومال ذات الحكم الذاتي.
وأوضحت الوكالة أن مسؤولين سودانيين أكدوا رفضهم للمقترح الأميركي، بينما نفى مسؤولون من الصومال وأرض الصومال علمهم بأي تواصل بهذا الشأن.
يواجه نتنياهو تحديات متزايدة بسبب الوضع في غزة، فقضية الأسرى لم تحل بعد، إضافة إلى تعثر الأوضاع في لبنان وارتفاع حالات الهجرة الجماعية للإسرائيليين، وفقاً لتقارير حديثة.
لذلك، يبدو أنه بحاجة إلى تحقيق “نصر دبلوماسي” شكلي لعرضه على جمهوره وعلى الإدارة الأميركية الجديدة.
على الرغم من سعي نتنياهو إلى الترويج لفكرة أن انفصال أرض الصومال يأتي كجزء من اتفاق السلام الإبراهيمي الذي يسعى ترامب لتسويقه، إلا أن ترامب في حواره مع صحيفة نيويورك بوست أعلن أنه لن يعترف بأرض الصومال، وأضاف ساخراً: هل يعرف أحد ما هي أرض الصومال؟ فهل سينجح نتنياهو في إقناع ترامب بتغيير موقفه.
موقف ترامب نابع من رغبته في عدم حدوث المزيد من الصراعات والحروب الأهلية في القارة الأفريقية، وبالتالي فإن موقفه هذا قد يكون وحده القادر على إفشال مخططات نتنياهو.
الأهمية الاستراتيجية لإقليم أرض الصومال:
تتمثل أهميته الاستراتيجية في موقعه الجغرافي المميز الذي يمنحه دوراً محورياً على عدة مستويات:
القرب من مضيق باب المندب: يتميّز الإقليم بوجوده على الساحل الجنوبي لخليج عدن، ما يُكسبه قدرة كبيرة على مراقبة حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر والمحيط الهندي، وهو ما يعزز أهميته بالنسبة إلى التجارة الدولية والاتصالات البحرية.
ميناء بربرة: يُعد ميناء بربرة واحدًا من أبرز الموانئ في المنطقة، ويجري العمل على تطويره ليصبح مركزاً رئيسياً للشحن والتجارة العالمية، ما يسهم في دعم البنية التجارية والاقتصادية للإقليم وتأثيره الإقليمي والدولي.
الأهمية العسكرية: الموقع الجغرافي للإقليم يفتح المجال أمام إمكانية مراقبة الممرات البحرية الحيوية، ما يجعله مكاناً مؤهلاً لاستضافة قواعد عسكرية ذات أهمية استراتيجية في المنطقة.
الأهمية الاقتصادية: أرض الصومال تعتبر الإقليم الأسرع نمواً في الصومال، ولإقليم أرض الصومال شريط ساحلي بطول 740 كيلومتراً على خليج عدن.
كما تمتلك أرض الصومال ثروة طبيعية كبيرة تشمل النفط والغاز والمعادن، ما يضعها ضمن الوجهات الاقتصادية الواعدة.
التجارة العالمية: يُعد الموقع الجغرافي لأرض الصومال نقطة عبور حيوية للتجارة الدولية، خصوصاً بين القارات الثلاث (آسيا وأفريقيا وأوروبا).
التأثير الإقليمي: تلعب أرض الصومال دوراً بارزاً في المنطقة، حيث تسهم بشكل كبير في تعزيز التعاون الإقليمي ودعم الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي.
بالمجمل، تكتسب أرض الصومال أهمية استراتيجية استثنائية بفضل موقعها المتميز، وموانئها الحيوية، ومواردها الطبيعية، وثقلها الإقليمي.
وتبقى قضية معقدة ومتعددة الأوجه، وتتطلب حلاً سلمياً يراعي مصالح جميع الأطراف.
الأهمية الاستراتيجية لمضيق باب المندب:
يعد مضيق باب المندب من أبرز الممرات المائية في العالم، حيث يقع بين اليمن وجيبوتي، ويشكل نقطة وصل استراتيجية بين البحر الأحمر والمحيط الهندي. ويكتسب المضيق أهميته الكبيرة من عدة جوانب، منها:
– التجارة العالمية: يمر عبره نحو 12% من حركة التجارة العالمية، بما في ذلك الشحنات المهمة مثل النفط والغاز الطبيعي.
– النفط: يعبر يومياً خلاله ما يقارب 4.8 ملايين برميل من النفط، ما يجعله أحد أبرز الممرات الأساسية لنقل الطاقة عالمياً.
– التأثير الاقتصادي: يُعد المضيق عنصراً حيوياً للاقتصاد العالمي، وأي اضطراب في حركة الملاحة عبره يمكن أن يؤدي إلى تقلبات في أسعار النفط وسلع أخرى.
– الأهمية الاستراتيجية: بموقعه الحيوي، يشكل المضيق نقطة محورية للتحكم في حركة النقل البحري بالمنطقة، ما يجعله محط اهتمام القوى الدولية.
– صراعات النفوذ: تتزايد المنافسة الدولية حول السيطرة على المضيق، الأمر الذي قد يسبب توترات إقليمية ودولية.
– ارتباطه بقناة السويس: أي تعطيل للملاحة في مضيق باب المندب سيؤثر مباشرة على حركة التجارة عبر قناة السويس، التي تعد ممراً مهماً آخر للتجارة العالمية.
باختصار، يُعد مضيق باب المندب شرياناً اقتصادياً واستراتيجياً بالغ الأهمية، حيث إن أي تأثير سلبي عليه قد يتسبب في أزمات اقتصادية وسياسية على الساحة الدولية.
ختاماً:
يعاني الصومال من انتشار تنظيم داعش، ويرتبط ذلك بموقعه الجغرافي الاستراتيجي في منطقة ذات حساسية دولية. هذا الموقع يدفع العديد من الدول إلى محاولة إقامة قواعد عسكرية على أراضيه، ومن بينها تركيا.
في الوقت نفسه، يبرز تقاطع المصالح الإسرائيلية مع كل من اليونان وقبرص في مواجهة السياسات التركية بشكل أكثر وضوحاً، ما يمهد لصراع إقليمي جديد. إضافة إلى ذلك، فإن اعتراف “إسرائيل” بدولة الصومال يعكس تحولات في خريطة التحالفات والاستراتيجيات الإقليمية.
هذا التوجه قد يشير إلى أن الصراع الإسرائيلي-التركي يسير في مسار مختلف، وربما ينذر بتراجع النفوذ التركي القائم على سياسات تواجه انتقادات بوصفها متعجرفة أو غير محسوبة.
تعد هذه التطورات دليلاً على إخفاق الدبلوماسية التركية في استيعاب التحولات الجيوسياسية في القارة الأفريقية وضبط سياساتها بما يتواءم مع مستجدات الواقع الدولي. وكل المعطيات تشير إلى أن العام المقبل سوف يكون أكثر سخونة على القارة السمراء، كما أن خرائط الدم يبدو أنها باتت أكثر ارتساماً ووضوحاً في منطقتنا العربية.
الإعلان الإسرائيلي عن الاعتراف بأرض الصومال ذكّر الدول العربية بأهمية الصومال وغيرها من الدول العربية الأفريقية، وأظهر حجم التكالب الدولي عليها والسعي إلى إقامة قواعد عسكرية فيها، فماذا نحن فاعلون؟
الميادين
المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع "صدى الضاحية" بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و"الموقع" غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.



