مقالات
مستقبل المقاومة في غزة: بين ضغوط نزع السلاح وتكتيكات البقاء

تفرض الاتفاقات المرحلية لوقف إطلاق النار في غزة واقعاً جديداً على المقاومة الفلسطينية، التي تجد نفسها بين ضغوط دولية وإقليمية متزايدة لنزع السلاح، وحاجة ميدانية لتثبيت حضورها وإعادة تنظيم قدراتها بعد كل جولة مواجهة.
ورغم أن هذه الاتفاقات تُقدَّم كحلول إنسانية، فإنها عملياً تنقل الصراع إلى طاولة التفاوض، حيث تُطرح ملفات ترتبط بمستقبل السلاح، والإعمار، وإدارة القطاع مع الإدراك أن كل تهدئة جزئية تحمل في طياتها ترتيبات أمنية قد تؤثر على مستقبل المقاومة.
الدول الراعية للاتفاقات وفي مقدمتها الولايات المتحدة، الوسيط الأقوى، تطرح علناً ربط الإعمار بقيود أمنية، وتطالب بآليات رقابة دولية على المعابر، وبتفكيك البنى العسكرية للفصائل. هذا الخطاب يعكس توجهاً دولياً لتحجيم دور المقاومة، مقابل ضمانات سياسية وأمنية لمستقبل القطاع غير ملزمة لـ”إسرائيل”.
تتعامل المقاومة مع هذه الضغوط بسياسة “إدارة الوقت”:
ما بين الحفاظ على السلاح كعنصر توازن وقبول بعض الترتيبات الإنسانية لتخفيف الضغط عن أهل غزة، التي أثقلت الحرب عليهم تفاصيل الحياة اليومية، التي تكاد أن تكون معدومة، وهذا يشكل عبئاً كبيراً على صنّاع القرار، ورغم هذا التفكير، إلا أن الكل يدرك بأن “إسرائيل” لن تكتفي بنزع السلاح حتى لو قبلت به المقاومة وستذهب إلى مطالب جديدة قد يكون من بينها الإبعاد وقضايا تعجيزية لها.
من المهم الإشارة إلى أن معظم سلاح المقاومة في غزة هو سلاح بدائي يُصنع في غزة، وأن جزءاً كبيراً منه استُخدم خلال عامين من الحرب، وآخر ألحقت “إسرائيل” به ضرراً من خلال عمليات القصف المكثفة على القطاع.
وبالتالي، إعادة تطوير وإنتاج هذا السلاح لن تكون معضلة كبرى حال تغيرت المعطيات الأمنية التي أنتجتها الحرب، وحالة التضخيم الممنهج الذي تسوّقه “إسرائيل” حول هذا السلاح تهدف إلى التنصل من استحققات المرحلة الثانية التي قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنها ستبدأ قريباً.
باعتقادي، الكل يدرك أن “إسرائيل” تريد صناعة أزمة حول كل قضية من قضايا وقف إطلاق النار لأسباب تخص نتنياهو وحكومة اليمين المتطرفة، لذلك نرى مرونة عالية من قيادة المقاومة لتضيع الفرص على نتنياهو لإعادة الحرب في قضايا عدة، منها قضية الجثامين والأسرى التي سارعت المقاومة إلى إنجازها في وقت قياسي، رغم أنها الورقة الأقوى التي تمتلكها، ولكن سرعة إنجاز هذا الملف كانت مهمة لعدم إعطاء “إسرائيل” المبرّر لإعادة الحرب ولإدراك المقاومة أن تغيّر المشهد الإقليمي — من اتفاقات التطبيع إلى الضغوط الأميركية على حلفاء المقاومة — يفرض واقعاً جديداً يحد من الدعم السياسي واللوجستي، لكنه لا يلغي استمرار أطراف إقليمية فاعلة في تبني المقاومة كجزء من موازين القوى في المنطقة، وفي مقدمة هؤلاء الداعمين، الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي ما زالت تتبنى دعم قوى المقاومة في فلسطين والمنطقة، ولم يظهر النظام هناك أي مؤشرات تشير إلى عكس ذلك، رغم إدراك الجميع بأن شكل وطريقة هذا الدعم قد يتغيران نتيجة الظروف التي فرضتها حروب العامين الماضيين.
ورغم صعوبة الظروف، يدعم جزء كبير من الفلسطينيين استمرار المقاومة ويرفضون الطريقة التي يحاول الإسرائيلي والأميركي فرضها، لأنهم يدركون أن انتهاء المقاومة ليس حلاً ما دام الاحتلال موجوداً، لكنهم يتطلعون إلى إيجاد معادلة توازن بين بقائها والتخفيف من ثمن المواجهة على المدنيين ومعاجلة القضايا الإنسانية التي فرضتها الحرب.
السيناريوهات الثلاثة لهذا الملف
1. نزع السلاح تدريجياً: وهو مطلب دولي – إسرائيلي، لكنه شبه مستحيل من دون تسوية سياسية كبرى سترفضه المقاومة مهما كان الثمن.
2. سلاح تحت إطار سياسي موحّد: دمج السلاح ضمن منظومة أمنية فلسطينية مشتركة، وهو سيناريو مشروط بتوافقات غير متوفرة، ومع ذلك يصعب تحقيق هذا المطلب، ففي ظروف أقل تعقيداً في لبنان لم ينجح هذا الخيار حتى الآن.
3. استمرار السلاح مع تغير التكتيك والحفاظ على العقول التي تشرف على إنتاجه وهو الأقرب إلى الواقع، حيث تبقى المقاومة قادرة على التكيّف وتطوير أدواتها مع مراعاة متغيرات ما أنتجته الحرب.
تعيش المقاومة مرحلة دقيقة، ختاماً، بين اتفاقات لا توقف الصراع، وضغوط لا تكسر إرادتها، وواقع ميداني يفرض عليها تطوير أدوات البقاء، وفي غياب حل سياسي شامل، يبدو أن السلاح سيبقى جزءاً أساسياً من المشهد، مهما تعددت محاولات تقييده أو تحييده.
حسين البطش-الميادين
المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع "صدى الضاحية" بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و"الموقع" غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.



