مقالات

من الضاحية إلى المنصّات: جيل جديد يروي قصص الحرب

يطلق «مركز سونار الإعلامي» مهرجان «أما بعد يا سيد» للأفلام القصيرة، فيما تعلن «رسالات» عن مشروع مسرحي يرمي إلى تحويل قصص الحرب إلى عروض شابّة. مبادرتان تنبعان من بيروت، تعيدان إحياء الذاكرة وتمنحان الشباب مساحة للتعبير والإبداع، وتؤكدان على قدرة الفن على تحويل التجربة القاسية إلى معنى جديد

لا يترك أصحاب السردية الإعلامية المعادية للمقاومة فرصةً من دون استغلالها في الإشارة إلى «هزيمة ساحقة» تمخّض عنها العدوان الإسرائيلي الأخير بحقّ هذه المقاومة وبيئتها.

ولا تنفكّ هذه البيئة تقدّم يومياً في مناطق حضورها الأساسي من الجنوب إلى البقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، الأدلة والبراهين على جدارتها بالحياة واستكمالها رحلة التعافي، بعد محطة هي الأصعب من بين محطات البذل والتضحية دفاعاً عن أرضها وكرامتها وحرية وطنها.

من الضاحية الجنوبية، أو «ديرة السيد حسن» كما يحبّ أهلها تسميتها، ينطلق مشروعان فنيان على قدر من الأهمية: الأول مهرجان للأفلام القصيرة ينظّمه «مركز سونار الإعلامي» تحت عنوان «أما بعد يا سيد».

أما الثاني، فهو مشروع تشرف عليه «الجمعية اللبنانية للفنون – رسالات» لنقل حكايات الحرب وتجاربها إلى خشبة المسرح.

«أما بعد يا سيد»… هكذا وُلِدَت الفكرة

في حديثٍ معنا، يشرح مدير «مركز سونار الإعلامي» حسين مرتضى أن مجموعة من محبّي «سيد شهداء الأمة» من اختصاصات متنوعة، قرّروا إحياء الذكرى الأولى لاستشهاده ولاستشهاد السيد هاشم صفي الدين على طريقتهم، فاجتمعوا وناقشوا فكرة إقامة ندوة أو لقاء معين، قبل الانتهاء إلى ضرورة الاحتفاء بالمناسبة الاستثنائية بطريقة غير تقليدية لا ينتهي أثرها بمجرد مرور المناسبة، وتضمن مشاركة شريحة أكبر من المحبّين، فكان القرار أخيراً بإقامة مهرجان للأفلام القصيرة.

ويشدّد مرتضى في حديثه معنا على أولوية توسيع دائرة المشاركين، عبر إفساح المجال أمام الهواة وعدم حصر المنافسة بالمحترفين وأصحاب الخبرة، فضلاً عن استقبال الأفلام الدرامية وتلك الوثائقية القصيرة (من ثلاث إلى خمس دقائق) أو أي محتوى رقمي قصير (من دقيقة إلى ثلاث دقائق) صالح للعرض عبر وسائط التواصل الاجتماعي من دون أن يكون منتمياً بشكل واضح إلى أحد هذين النوعين، بما يشمل القصص والمقابلات والمونتاجات والسرديات و«الفويس أوفر»، مع الالتزام بتفاصيل تقنية معينة من ناحية الجودة والصيغة والأبعاد، وبخلوّ العمل المشارك من أي مواد محمية بحقوق نشر (صور، موسيقى، فيديوهات…).

إطار عام وثمانية عناوين فرعية

وإذا كانت الأفلام المتقدّمة إلى المسابقة ملزمة بعدم الخروج عن إطار المناسبة وصاحبها وعنوانها، إلا أنّ ثمّة هامشاً واسعاً من العناوين الفرعية التي يمكن أن يعالج الفيلم أحدها، وعددها ثمانية عناوين تتوزّع على النحو الآتي: «كيف تلقيت نبأ الاستشهاد؟»، و«عام على الرحيل: مدى حضوره بيننا»، و«كيف تجلت شخصيته الهادية والجاذبة؟»، و«الواقعية في نهج السيّدين»، و«الرؤية الاستراتيجية في صناعة الوطن القوي»، و«العلاقة المتبادلة بين الناس والسيّدين»، و«مواجهة النظام الاستكباري العالمي في نهج السيّدين»، و«خفايا الشخصية وعلاقته بالأسرة والأصدقاء والمجاهدين».

فتح باب التقديم لمشروع
«قصص الحرب على
المسرح ــ دورة الشهيد أحمد بزّي»

وبينما تصل القيمة الإجمالية للجوائز التي يقدّمها المهرجان إلى ما يعادل عشرين ألف دولار أميركي، عبارة عن 32 سبيكة ذهبية موزّعة على أصحاب المراتب الأولى في الفئات المختلفة، يعد مرتضى بمنح جميع الأفلام المشاركة – بمعزل عن ترتيبها – فرصة العرض على موقع المركز وحساباته عبر وسائط التواصل الاجتماعي.

بين الاستشهاد والتشييع

أما عن توقيت المشروع، فيشير مرتضى إلى رمزية إطلاقه بالتزامن مع الذكرى الأولى لاستشهاد السيّدين، وتحديد موعد انتهاء مهلة استقبال المشاركات بالتزامن مع الذكرى الأولى لتشييعهما، للتأكيد على ربط اسميهما بالمشروع من ألفه إلى يائه، وفي الوقت ذاته الإفساح في المجال أمام لجان التحكيم للقيام بدورها بشكل مهني ومحترف وضمن مهلة كافية، إذ تنتهي مهلة استقبال المشاركات عند منتصف شهر كانون الثاني (يناير) 2026.

ويلفت مرتضى إلى إيلاء القيمين على المشروع عناية خاصّة بطلاب الجامعات من اختصاصات الإخراج والإعلام والتوثيق، إذ تلا الإطلاق الرسمي للمشروع في «مركز سونار» زيارات أجرتها لجنة المهرجان التي تضمّ إلى مرتضى كلاً من المخرج زين السباعي والكاتب رضا الرزّ إلى غير جامعة لبنانية عقدت فيها لقاءات مع الطلاب لتعريفهم بالمشروع.

سرّ التسمية: رمزية تاريخية ومباشرة

وبالحديث عن الاسم، يشير مرتضى إلى أنّ عبارة «أما بعد»، وبالإضافة إلى رمزيتها المتمثلة في اعتمادها كعبارة افتتاحية للرسائل عند العرب عبر التاريخ، فإنها تحمل رمزيةً إضافية عبر ورودها في رسالة السيد إلى المجاهدين ورسالتهم إليه. بالإضافة إلى ذلك كله، هي تشي بالاستمرار والمواصَلة وتستخدَم للانتقال إلى صلب الموضوع وهو الأهمّ، ما يعني أنه «مهما يكن من أمر وبعد كل ما تقدّم»، فإن ثمّة كثيراً مما يمكن أن يُقال ويُفعل بعد، ودائماً على نهج السيد وخطه وضمن رؤيته وأهدافه.

السباعي: حفظ إرث السيّدين للأجيال القادمة

عضو لجنة المهرجان المخرج زين السباعي، ركّز بدوره في حديثه معنا على رمزية الاسم ودلالة العبارة على الأهمية الشديدة لما سيأتي بعدها، ملخّصاً المهرجان بخطاب موجّه إلى السيد نصر الله مفاده: أما بعد استشهادك يا سيد، فسنواصل الكتابة والعمل والإنتاج والإبداع في مختلف الساحات، وسنبقى على النهج الذي أرسيته والخطّ الذي رسمته لنا.

ويلفت السباعي إلى غزارة الحكايات التي تحتفظ بها الذاكرة الشفهية لأهل المقاومة حول السيد موسى الصدر والشيخ راغب حرب والسيد عباس الموسوي وسواهم من شخصيات عظيمة غابت عن المشهد باكراً وخلّفت إرثاً عظيماً، مذكّراً بأن كثيراً من هذه الحكايات نقع عليها بالمصادفة، ويفاجئنا الجديد منها كل يوم، ما يرتّب علينا مسؤولية مضاعفة بحفظ إرث السيّدين الشهيدين بدءاً من الآن، كي لا يندثر منه شيء ويفوت الأجيال القادمة الاستفادة منه، ليتسنّى لها التعرف إلى رجالات العصر الذي عشنا فيه والنعيم الذي حظي به جيلنا بمعاصرتهم وفداحة خسارتنا برحيلهم، لعلها تقدّر الشخصيات العظيمة التي ستأتي مستقبلاً حقّ قدرها وتلتفّ حولها مبكراً كما ينبغي.

تجربة إعلامية واعدة

«مركز سونار الإعلامي» الذي يتولى تنظيم الفعالية، يديره مرتضى منذ تأسيسه، ويهتمّ بالإعلام الرقمي معتمداً على الرؤية البصرية و«الغرافيكس»، ويضمّ أيضاً بحسب مرتضى، منصّة «بودكاست» ملحقة به تحمل اسم «ميديا بلاس»، وينظّم بشكل دوري ما يُعرَف بالصالون السياسي، وهو لقاء نصف شهري يستضيف شخصية سياسية مختلفة كل مرة، أو يناقش كتاباً معيناً، بحضور إعلاميين وكتّاب ومحللين وسياسيين ومهتمّين.

يسلط المركز الضوء في تغطياته على الخفايا التي قد لا يرد ذكرها في بقية وسائل الإعلام، ويحاول مواكبة عصر الإعلام الرقمي الجديد من ناحية سرعة الخبر واعتماد وسائط الميديا وخصوصاً الفيديوهات القصيرة المشغولة بعناية، فضلاً عن إعداده وثائقيات طويلة أحياناً، كان آخرها بعنوان «ألغاز صراع الغاز» وحصد حصّةً كبيرةً من المتابعة والاهتمام.

ولا يهمل المركز مسألة إقامة دورات تدريبية للمراسلين والمحرّرين من بين الشباب الراغبين بالعمل في هذا المجال، لاكتشاف الطاقات الجديدة والاستفادة من مهارات أصحابها ومنحهم الخبرة الكافية لمواصلة هذا الطريق.

«رسالات»: قصص الحرب على المسرح

على خطّ موازٍ، أعلنت «الجمعية اللبنانية للفنون – رسالات» عن فتح باب التقديم لمشروع «قصص الحرب على المسرح ــ دورة الشهيد أحمد بزّي»، ضمن مهلة تمتدّ حتى اليوم الأخير من العام الحالي، واصفةً المشروع بأنه مساحة لدعم الشباب في تحويل تجربة حقيقية من الحرب إلى عمل مسرحي قصير، بدعم مهني في الكتابة، التدريب والإخراج.

وتؤكد المخرجة ريان خير الدين في حديثها معنا أنّ المشروع مبادرة تحاول الجمعية عبرها تخصيص مساحة صغيرة للفن في إحدى أصعب المراحل التي يمر بها البلد، وتهدف إلى منح المسرح من جديد دوره في الاستماع إلى قصص الناس ومساعدتهم في مواجهة آلامهم والتغلب عليها، والإفادة من حكاياتهم في تعزيز إيمان المجتمع بنفسه وقوته.

وتشدّد على أنّ المشروع موجّه للشباب عموماً ولكل من يمتلك شغفاً بالمسرح بمعزل عما يمتلكه من خبرة، مشيرةً إلى أن الهدف هو اختيار أربعة أو خمسة مشاركين ومشاركات لمساعدتهم في تطوير فكرتهم وتحويلها إلى عمل مسرحي قصير تُراوح مدّته بين عشرين وثلاثين دقيقة، من الكتابة إلى الإخراج والتمثيل والسينوغرافيا، على أن تكون الفكرة مبنيّة على تجربة حقيقية من قصص الحرب في لبنان، ولو لم تكن قد حصلت مع المشارك نفسه.

وتلفت خير الدين إلى استمرار التدريب والتوجيه على امتداد فترة المشروع، ومحاولة خلق أجواء عمل جدية تماماً، ضمن مساحة آمنة قائمة على التعاون وصالحة لتحويل مجرد فكرة إلى عمل مسرحي متكامل أمام الجمهور.
وتعوّل ريان على ديمومة المشروع وصلاحيته ليكون أساساً لحركة مسرحية صغيرة مقاوِمة وحقيقية تشبه مجتمعها و«الشهيد الرائد» الكاتب أحمد بزّي وحبّه الكبير للمسرح.

مهدي زلزلي-الاخبار

المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع "صدى الضاحية" بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و"الموقع" غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى