اخبار اقليمية

ماذا حدث مع مرح؟

في غرفة العناية الفائقة بمستشفى جامعة بيزا الإيطالية، الشابة الغزية مرح أبو زهري 20 عامًا لفظت أنفاسها الأخيرة، بعد أقل من 48 ساعة على وصولها إلى إيطاليا في رحلة كانت تبحث فيها عن الحياة.

رحلة العلاج إلى إيطاليا كانت حلمًا يشبه المعجزة في قطاع غزة الذي يتعرض لحرب إبادة إسرائيلية غير مسبوقة، حيث يرتفع عدد الوفيات يوميًا بسبب الجوع ونقص الدواء في ظل الحرب وليس بسبب المرض فقط.

وفي لحظة نادرة حصلت مرح على فرصة نجاة عبر سفرها مع والدتها في طائرة عسكرية إيطالية، ووصلت إلى روما يوم الخميس 14 أغسطس/آب، بعد شهور من المعاناة وسوء التغذية، وأعراض هزال أنهكت جسدها الشاب، بفعل حرب التجويع التي ينتهجها نتنياهو.

لكن إيطاليا، رغم طبها المتقدم، لم تستطع أن تقدم لها طوق النجاة، فقد أعلن المستشفى وفاتها يوم السبت 16 أغسطس/آب، أي بعد أقل من 48 ساعة من وصولها.

وقال الأطباء إنها كانت في حالة صحية صعبة جدًا، نتيجة سوء تغذية حاد بفعل (المجاعة في غزة). وفي صور لحظة وصولها إلى مطار شيامبينو في روما، كانت محمولة على سرير نقال، يحيط بها أطباء ومسعفون. وجه شاحب، جسد هش، وعينان مرهقتان ولا تفكر سوى بالنجاة والشفاء.             الجوع..

الجريمة التي يُراد إخفاؤها وفاة مرح، إلى جانب عشرات الحالات الأخرى، تفتح الباب على ما تحاول قوات الاحتلال الإسرائيلي طمسه، من جريمة التجويع الممنهج التي تمارس ضد المدنيين في غزة، ففي كل مرة يُكشف فيها عن وفاة طفل أو شاب جراء الهزال وسوء التغذية، يسارع الاحتلال إلى إنكار العلاقة بين الموت والجوع، ويزعم أن أسباب الوفاة تعود إلى “أمراض جينية” أو “تشوهات خلقية” في محاولة لتجريد الضحايا من الحقيقة، ولمسح آثار الحصار من المشهد الإنساني.

وفي حالة مرح، سارع الاحتلال الإسرائيلي إلى نفي أن تكون الشابة الفلسطينية مرح أبو زهري (20 عاما) قد فارقت الحياة بسبب الجوع وسوء التغذية، وزعم أنها كانت مصابة بسرطان الدم، الأمر الذي نفاه أطباء ايطاليون والذين بدورهم أكدوا أنهم لم يجدوا أي دليل أولي على ذلك.

وتكمن خلف السرديات الإسرائيلية المختلقة محاولة واضحة لـتجريد الضحايا من الحقيقة، وتحويل جريمة التجويع إلى مجرد إصابة بالمرض، والهدف هو إخفاء الأداة الحقيقية للقتل: الحصار، ومنع الغذاء والدواء والمياه عن المدنيين، وخصوصًا الأطفال.

ضحايا المجاعة وفي آخر بيان صادر عن وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة اليوم الخميس، سجلت مستشفيات القطاع، خلال الساعات الـ24 الماضية، 2 حالة وفاة نتيجة المجاعة وسوء التغذية، ليرتفع العدد الإجمالي إلى 271 حالة وفاة، من ضمنهم 112 طفلًا.

وفي بيان صحفي رسمي صادر عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة (رقم 932) بتاريخ 20 أغسطس/آب 2025، فقد بين أن ضحايا المجاعة وسوء التغذية توزيع ما بين 19 امرأة و75 من كبار السن و35 شخصًا فوق سن 18 عامًا.

وأشار البيان إلى أن أكثر من 1.2 مليون طفل يعانون من انعدام أمن غذائي حاد، و40,000 رضيع تقل أعمارهم عن عام واحد معرضون لخطر الموت بسبب الجوع.

كذلك، فإن 250,000 طفل دون سن الخامسة يعانون من نقص غذائي حاد يُهدد حياتهم بشكل مباشر.

يؤكد البيان الحكومي أن هذه الأرقام “تعكس حجم الجريمة الممنهجة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين”، معتبراً أن سياسة التجويع ترقى إلى جريمة إبادة جماعية بموجب القانون الدولي الإنساني.

كما دعا المجتمع الدولي إلى التدخل الفوري لإنهاء الحصار وفتح المعابر وتأمين تدفق الغذاء والدواء بلا قيود.

 مستويات كارثية

وأشارت تقارير دولية صادرة عن منظمات أممية، أبرزها اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية وبرنامج الأغذية العالمي، إلى أن قطاع غزة يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الغذائية في العالم، مع بلوغ مؤشرات المجاعة مستويات كارثية.

ووفق التقارير، فإن مئات آلاف الأطفال يواجهون خطر الموت نتيجة سوء التغذية الحاد ونقص الرعاية الصحية.

وأكدت المنظمات أن أكثر من 2.1 مليون فلسطيني في غزة يعانون من انعدام حاد في الأمن الغذائي، فيما دخل نحو 470 ألفًا مرحلة “المجاعة الكارثية”، وسط قيود مشددة على دخول الغذاء والدواء جراء الحصار الإسرائيلي.

لا فرصة للحياة

لم تجد مرح فرصة للحياة في وطنها، ولم يمنحها الاحتلال وقتًا كافيًا للنجاة في الغربة، فقد توفيت وهي تحاول الوصول، بينما ما زال المئات ينتظرون دورهم في غرف الانتظار، بأجساد نحيلة، وأرواح تزداد وهنًا كل يوم.

رحلت مرح، وبقيت الحقيقة: الجوع قتلها، لا المرض كما تزعم “إسرائيل” المجرمة، رحلت مرح لكنها تركت خلفها شهادة قاسية تقول إن الحروب لا تقتل بالقنابل فقط، بل بالجوع، بالإهمال، وبالتأخير القاتل.

المصدر: وكالة شهاب

المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع "صدى الضاحية" بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و"الموقع" غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى