تقدّم مكتب المدعي العام الإسرائيلي، الجمعة (13 كانون الأول)، باستئنافين ضدّ قرار «المحكمة الجنائية الدولية» إصدار مذكرات اعتقال بحقّ رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن السابق يوآف غالانت، يستندان إلى حجج قانونية ضعيفة. لكن الضغط السياسي الأوروبي والأميركي على قضاة المحكمة قد يؤثّر في قرارهم، ويدفعهم تالياً إلى تجميد مذكرات الاعتقال أو إلغائها، وخصوصاً إذا كان ذلك يشكّل جزءاً من تسوية سياسية دولية. وكانت الدائرة التمهيدية في «المحكمة الجنائية الدولية» المؤلفة من ثلاثة قضاة قد أصدرت، في الـ 22 من تشرين الثاني الماضي، تلك المذكرات، متّهمة نتنياهو وغالانت بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة المحاصَر. واستند قرار المحكمة إلى طلب كان قد أودعه المدعي العام البريطاني، كريم خان، في أيار 2024، متضمّناً قرائن ودلائل تشير إلى مسؤولية نتنياهو وغالانت الجنائية.
الاستئناف الأول: إخطار بتغيير التحقيق؟
تناول الاستئناف الأول حجّة العدو الإسرائيلي بأن خان لم يقدّم إخطاراً جديداً بالتحقيقات التي أجراها بعد هجوم «كتائب القسام» في السابع من أكتوبر 2023؛ بل اعتمد على إخطار كان قد صدر، في عام 2021، في شأن تحقيق بدأته المحكمة في ذلك الوقت. وأشار المدعي العام الإسرائيلي، في استئنافه في شأن قضية الإخطار، إلى أن الدائرة التمهيدية الأولى لـ»الجنائية»، والتي وافقت على طلب خان إصدار مذكرات اعتقال، أشارت إلى أن التحقيق «يمكن أن يتغيّر إلى درجة» تتطلّب إخطاراً جديداً. والجدير ذكره أن الإخطار يشكّل عنصراً مهمّاً في «نظام روما الأساسي» الذي تعمل «الجنائية الدولية» بموجبه، لأنه مصمّم لمنح الدولة الخاضعة للتحقيق القدرة على إجراء تحقيقاتها. ولا يمكن المحكمة أن تنظر في قضية ما دامت السلطات القضائية المحلية تتابعها.
أصرّ المدعي العام الإسرائيلي على أن إسرائيل قامت بتمرير «كميات هائلة» من المساعدات الإنسانية عبر المعابر على طول حدود غزة
ويزعم المدعي العام الإسرائيلي أن خان انتهك مبدأ أساسيّاً مصمَّماً لتقييد اختصاص المحكمة الدولية في الحالات التي تتمتّع فيها الدولة الخاضعة للتحقيق بنظام قانوني وقضائي مستقلّ، وبقرارها بالموافقة على مذكرات الاعتقال. كما يزعم بأن التحقيق، في عام 2021، يختلف «بشكل كبير» عن التحقيق الحالي، وبالتالي كان ينبغي، بحسب العدو، أن يُصدر خان إخطاراً جديداً قبل أن يطلب إصدار أوامر الاعتقال بحقّ نتنياهو وغالانت. لكن هذه الحجة ساقطة في الأساس، لأن المدّعي العام السابق في «المحكمة الجنائية الدولية»، فاتو بنسودا، كانت قد أعلن، إثر انطلاق التحقيق في فلسطين، في الثالث من آذار 2021، أنه «سيغطّي الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة، منذ 13 حزيران 2014». وبما أن جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية والإبادة الجماعية تقع ضمن اختصاص «الجنائية»، وبما أن مذكرات الاعتقال صدرت بعد توفّر قرائن تدل على التمادي الإسرائيلي في ارتكاب هذه الجرائم في فلسطين منذ 2021 (وقبله)، فلا حاجة إلى أن يقدّم المدعي العام إخطاراً بالموضوع. ذلك أن التحقيق متواصل ولم يُختم أو يحَل على دائرة المحاكمة منذ آذار 2021، ولم يطرأ أيّ تغيير يتطلّب إخطاراً جديداً.
الاستئناف الثاني: العودة إلى أوسلو
تناول الاستئناف الثاني زعْم المدعي العام الإسرائيلي أن «الجنائية الدولية» تفتقر إلى الاختصاص القضائي للنظر في جرائم يرتكبها إسرائيليون. وادعى أن المحكمة تجاهلت قرارها السابق الصادر في عام 2021، عندما اعترفت بدولة فلسطين، وأعلنت أنها ستحكم في مسائل الاختصاص القضائي إذا قدّم المدعي العام طلبات بإصدار مذكرات اعتقال ضدّ إسرائيليين. لكن يبدو أن المدعي العام الإسرائيلي يتجاهل أن قرار الدائرة التمهيدية قبول طلب خان بإصدار مذكرات اعتقال ضدّ نتنياهو وغالانت، تضمنّ فقرة تحدّد بوضوح اختصاصها وصلاحيتها القانونية.
وكان الإسرائيليون قد زعموا، في طعونهم الأولية ضد طلب خان إصدار أوامر اعتقال، أن شروط «اتفاقيات أوسلو» تحرم أيّ كيان فلسطيني من الولاية القضائية القانونية على الإسرائيليين. وادّعى العدو أن الفلسطينيين ليس لديهم حقّ نقل القضية إلى «الجنائية الدولية» في المقام الأول. لكن قضاة المحكمة لم يكن أمامهم خيار سوى رفض الطعن الإسرائيلي في اختصاصها، لأن «اتفاقيات أوسلو» أو أيّ اتفاقيات مماثلة، لا يمكن أن تحول دون ممارستها اختصاصها.
وردّ المدعي العام الإسرائيلي على ذلك، مدّعياً بأن قرار عام 2021، والذي قضى بقبول دولة فلسطين في المحكمة، «لم يتناول صراحة» الحجج المحيطة بأحكام «اتفاقيات أوسلو»، واشتكى من أن قرار «الجنائية» رفْض الطعن الإسرائيلي في اختصاصها، يعني أن إسرائيل «حُرمت ظلماً من حقّها». وأضاف أن المحكمة «أصدرت أوامر اعتقال ظلماً ضدّ رئيس وزراء إسرائيل ووزير الدفاع السابق».
إنكار المجاعة
رفضت إسرائيل بشدّة الاتهامات الموجّهة ضدّ نتنياهو وغالانت بأنهما يستخدمان التجويع وحرمان الفلسطينيين من الحاجات الأساسية للبقاء على قيد الحياة. وأصرّ المدعي العام الإسرائيلي على أن إسرائيل قامت بتمرير «كميات هائلة» من المساعدات الإنسانية عبر المعابر على طول حدود غزة، وأن «مشاكل توزيع هذه المساعدات» على السكان المدنيين الفلسطينيين، هي نتيجة عجز منظمات الإغاثة و»نهب المساعدات من قِبَل حماس وغيرها من المنظمات الإرهابية»؛ علماً أن جيش العدو استهدف عمال الإغاثة، فيما قامت الاستخبارات الإسرائيلية بحماية بعض العصابات التي تقوم بنهب المساعدات.
كما رفض المدعي العام الإسرائيلي اتهام الجيش الإسرائيلي باستهداف المدنيين، وأصرّ على أن الخسائر المدنية جرّاء العملية ناجمة، إلى حد كبير، عن «تكتيك حماس المتمثّل في دمج مقاتليها ومنشآتها داخل البنية التحتية المدنية» في غزة؛ علماً أن مساحة القطاع المحاصر لا تزيد على 360 كيلومتراً مربّعاً يحشر فيها أكثر من مليونين و200 ألف إنسان.