فيما يُمنع على إعلاميّي إسرائيل الحديث عن تفاصيل المواجهات العسكرية في لبنان، وعدم الإشارة إلى الأهداف التي يقصفها حزب الله في مختلف مناطق الكيان، تنخرط الصحافة الإسرائيلية في نقاش لا يعكس حقيقة الانقسام حول «اليوم التالي» إسرائيلياً، وسط حالة من القلق على مستقبل السلطة التي تمر بظروف غير مسبوقة، لجهة ممارسة بنيامين نتنياهو وحلفائه في الأحزاب الدينية سيطرة كاملة تتجاوز القوانين التقليدية في الكيان.
لذلك، يلجأ الإعلاميون إلى تحليلات تحاول الإشارة إلى واقع الحال. واللافت أن معظم المعلّقين «الوازنين» في صحافة العدو، يتحدثون عن اللاخيار في لبنان، ويحاولون الحصول على تعليقات من المؤسسة العسكرية لتعزيز وجهتهم الداعية إلى وقف الحرب، خصوصاً أن الجميع في إسرائيل وخارجها، يعرفون أن جبهة لبنان لا تشبه جبهة غزة في العقل الجمعي الإسرائيلي.
ففي مقال نشره يوآف زيتون في موقع «واينت»، أشار إلى أن «قادة الجيش فوجئوا بالإعلان الصادر في وسائل إعلام أميركية عن أن الحكومة قد تنتظر شهرين آخرين حتى يدخل دونالد ترامب البيت الأبيض لمنحه «هدية» وقف القتال في الشمال».
واعتبر أن هذه الإشارة «تعني قضاء شهرين في الوحل اللبناني الشتوي، البعيد والمتطلب، والأكثر فتكاً، وهو ما لم يكن في التخطيط وربما ليس في قدرات الجيش الإسرائيلي بعد 14 شهراً من القتال في كل الساحات».
وسأل زيتون عمّا «إذا كان رئيس الأركان هرتسي هاليفي قادراً على أن يكشف للجمهور حقيقة أن الساعة العسكرية التي تعدّ ضحايا وجرحى لم تعد تتزامن مع الساعة السياسية البطيئة أو مع الساعة السياسية التي تتمنّى حرباً أبدية».
وفي ما يتعلق بمساعي التوصل إلى وقف لإطلاق النار، ذكرت «القناة 12» أن إسرائيل «أبلغت الولايات المتحدة أنها لن تتنازل عن حرية العمل العسكري في لبنان» وأن «رئيس الوزراء ووزير الجيش توافقا على تكثيف الضغط العسكري على لبنان».
ونقلت عن «مصدر مطّلع» أن «إسرائيل تستعد لخوض حرب أوسع من الناحية الاستراتيجية»، إذ «رغم الحديث عن قرب وقف إطلاق النار، تدلّ المؤشرات على أن الأطراف تستعد فعلياً لفشل المحاولة، ويستعد الجيش الإسرائيلي لتوسيع المناورة البرية والمغامرة بالتوغل نحو العمق اللبناني براً، مع الاستعداد لإدخال سوريا في دائرة الحرب وتوسيع دائرة الأهداف داخلها، وصولاً إلى هجمات برية تستهدف الحدود السورية – اللبنانية».
كذلك، نقلت قناة «i24NEWS» عن مسؤول إسرائيلي مطّلع أن ترامب «بدأ بالفعل إرسال رسائل إلى إيران حول الهدوء وتسوية بين إسرائيل ولبنان بصورة تؤثر أيضاً على التسوية في الجنوب». وتزامن ذلك مع ما نقلته مصادر إعلامية إسرائيلية عن «تفاؤل» الموفد الأميركي عاموس هوكشتين بإمكانية وقف الحرب، وعن أنه ينتظر ردّ الجانب اللبناني.
قادة الجيش يريدون تجنب الغوص في «الوحل اللبناني» ريثما يتسلم ترامب منصبه
واعتبر المحلل العسكري في «هآرتس» عاموس هارئيل أن «وقف الحرب في لبنان يحرّر قوى احتياط يحتاج إليها نتنياهو في الحرب على غزة من دون صفقة، ويخفّف قليلاً أعباء الجيش الذي يشكو نقصاً في المجندين، فيما يتذمّر جنود الاحتياط من طول مدة خدمتهم العسكرية».
وعن إمكانية أن تكون إسرائيل راغبة بالتهدئة في لبنان مقابل التصعيد في غزة، تنقل صحافة العدو عن داعمي هذه النظرية أن «في لبنان دولة يمكن ممارسة الضغط عليها والتوصل إلى اتفاق معها، كما أن القضاء على حزب الله ليس من أهداف الحرب بعكس الحرب على غزة».
غير أن في الإعلام الإسرائيلي من يلفت إلى «أن الدوافع الحقيقية خلف ذلك ترتبط بالحسابات السياسية الفئوية للحكومة ورئيسها»، في إشارة إلى أن الأخير «يرفض الصفقة مع حماس خوفاً من لجنة تحقيق رسمية تهدّده وزمرته بالسقوط من سدة الحكم والتاريخ».
وكتبت «يديعوت أحرونوت» أنّ «الأغلبية الساحقة من كبار جنرالات الجيش تسعى لإنهاء الحرب على لبنان، لدفع العجلة باتجاه وقف العدوان على قطاع غزّة وإطلاق سراح الرهائن المُحتجزين».
ونقلت عن مصادر أمنيّةٍ أنّ «لدى حزب الله ما يكفي من الصواريخ لإرسال ملايين المستوطنين الإسرائيليين إلى الملاجئ كلّ يومٍ، وهذا يشكّل إنجازاً يُنهك الإرادة الإسرائيليّة، وسيؤدّي إلى تخفيف مطالب دولة الاحتلال في المفاوضات بين الطرفيْن».
كذلك ذكرت «وول ستريت جورنال» الأميركيّة أنّ «مسؤولين أمنيين إسرائيليين يخشون حرب استنزاف في حال توسّعت العمليات العسكرية في لبنان»، ونقلت عنهم «أنّ توغل إسرائيل في لبنان، للضغط على حزب الله بشأن التسوية أمر محفوفٌ بالمخاطر».
كذلك نقلت عن رئيس الاستخبارات العسكرية السابق اللواء عاموس يدلين قوله: «إننا نخسر فرصاً لاستغلال إنجازاتنا ضد حزب الله»، محذّراً من أنه «إذا طال انتظارنا، فقد يبني حزب الله قدراته ويرفض وقف إطلاق النار».
ووافق على ذلك أيضاً القائد السابق لشعبة العمليات الجنرال إسرائيل زيف الذي قال للقناة الـ12 إنّ «حزب الله يتعافى. لذلك، شروط الاتفاق السياسيّ من ناحية إسرائيل تنخفض، وما كانت تستطيع إنجازه أمس لن تستطيع إنجازه اليوم أوْ غداً». وأقر بأنه «ما لم يُعط حزب الله تنازلاً وإنجازاً معيّناً، فلن يهتم بالتسوية، ولن يبقى هناك من يمكن التحدّث معه».
مستوطنو حيفا: تحوّلنا فعلاً إلى كريات شمونة أبدى مسؤولون إسرائيليون في حيفا تخوفهم من صواريخ ومُسيّرات حزب الله. ونقلت وسائل إعلام عبرية عن هؤلاء قولهم: «إنّ حزب الله ينفّذ تهديده بأنّ ما يسري على كريات شمونة سيسري على حيفا، وفعلاً يُمطر المدينة بالصواريخ ويرسل سكانها إلى الملاجئ».
وذكر موقع «واللا» أن «وتيرة قصف حزب الله لحيفا آخذة بالتصاعد، وسكانها يخشون من أنّ الأسوأ لا يزال أمامهم،».
ونُقل عن رئيس بلدية حيفا، يونا ياهاف أن «الناس محبطون، كلّ شيءٍ فارغ وحركة المرور قليلة والتجارة ليست في النطاق الذي نعرفه والأشخاص يخشون الخروج، كما أنّ الفنادق الصغيرة في المدينة على مشارف الانهيار».
وتطرّق ياهاف الى موضوع الهجرة من المدينة قائلاً: «مسألة الهجرة السلبية من مدينة حيفا بدأت تُطرح. فالحرب لا توصل إلى الخير، ولا أعلم إلى أين ستقودنا».
وفي مقال نشرته «جيروزالم بوست»، كتبت فاردت شتيرينباخ وهي من سكان حيفا: «نحن عالقون، الهجمات الصاروخية هنا ليست شديدة بما يكفي لتبرير الإخلاء.
ولكن على عكس مدن مثل هرتسليا، حيث يملأ العاملون في مجال التكنولوجيا المطاعم، فإن شوارعنا فارغة بشكل مخيف والخروج محفوف بالمخاطر. هذا روتين حرب». وأضافت: «هنا الإخلاء يتم بشكل طوعي، وبالنسبة إلى سكان الشمال، فمن الواضح أنه لا معنى للعودة إلى المنزل من دون أمن.
ولكن وسط الشمال ليس لدينا أي مؤشر إلى متى سينتهي الحريق، ما يسمح لنا بالعودة إلى الروتين. قبل أسبوعين فقط، احتجّ الآباء على عودة الأطفال إلى المدرسة بدوام كامل، حيث ينتهي بهم الأمر غالباً في الملاجئ عدة مرات في الأسبوع أو في الممرات المزدحمة إذا لم تكن هناك مساحة كافية لاستيعاب الجميع».