في توقيتٍ غير مفهوم، أعلنت قوى الأمن الداخلي أنها ستُطلق حملة أمنية اليوم في محافظتي بيروت وجبل لبنان لضبط الدراجات النارية المُخالفة، مبرّرة ذلك بنيتها «حماية المواطنين، وضمان الأمن والاستقرار رغم الظروف والمصاعب التي تمر بها البلاد».
ولعل أكثر ما «يفاجئ» في القرار أن قيادة القوى الأمنية ووزير الداخلية بسّام المولوي على علمٍ بأنّ البلد يمرّ بظروفٍ حسّاسة تفترض بذل جهد لضبط الأمن، وهو ما لم يكن واضحاً بالنسبة إلى الرأي العام الذي يسأل منذ حوالي شهر ونصف شهر عن سبب «اختفاء» الوزارة عن المشهد المُرتبط بملف النزوح مع كل الفوضى التي رافقته.
فالمولوي، لسبب ما، قرّر ألّا يطبّق الجزء المتعلّق بوزارة الداخلية من خطة الطوارئ الحكومية التي تنص على أن تتولى الداخلية حفظ أمن مراكز النزوح، من خلال فرز عناصر أمنيين لحراستها حرصاً على سلامة النازحين والمجتمع المضيف، ومنعاً لأي استفزازات وإشكالاتٍ من أفرادٍ أو جهات موتورة، تُعرّض المناطق لهزاتٍ أمنية في الظرف الحسّاس.
وهو لم يجد مشكلةً في النأي بالنفس الذي مارسته وزارته والأجهزة الأمنية التابعة لإمرته، رامياً المهمة على الشرطة البلدية التي بادرت في بعض البلدات لضبط الأمن، علماً أن مصادر أمنية تقدّر عدد العناصر الأمنيين الذين غادروا مناطق الجنوب (ما عدا مرجعيون وجزين وصور وحاصبيا) وبعلبك والضاحية الجنوبية، بحوالي 1500 عسكري، أعيد تشكيلهم على مراكز أخرى، ويستطيعون المساهمة في حماية مراكز الإيواء.
كذلك، لم يجد وزير الداخلية حاجة إلى خطة لتنظيم السير على الأقل في العاصمة التي تكتظّ بالنازحين وتختنق بالسيارات حتى تحوّلت شوارعها إلى «باركينغ» للآلاف منها.
ولعل الصعوبات التي واجهتها سيارات الإطفاء للوصول إلى موقع الحريق الضخم الذي اندلع في منطقة الحمرا أمس دليل على أهمية خطة كهذه، فضلاً عن الصعوبات التي تواجهها سيارات الإسعاف للوصول إلى المستشفيات.
وفيما كان البحث جارياً عن الوزارة «المُختفية» بقرار، ظهر وزير الداخلية يبشّر اللبنانيين أنّه وجد أن الطريقة الفضلى لحمايتهم تتمثّل في إطلاق خطة أمنية، هدفها حجز الدراجات النارية المُخالفة! أي تلك التي تخلّف أفرادها عن إتمام عملية تسجيلها، ودفع رسوم الميكانيك الخاصة بها، أو غير حاصلين على دفتر سوق دراجة نارية أو غير مرتدين للخوذة.
وكأنّ في تلك المخالفات القانونية تهديداً للأمن القومي للوطن، يجب ضبطه، أكثر من وضع أمن النازحين أنفسهم فوق كل اعتبار، أو التعامل مع العمل الأمني الوقائي تحسباً لأي فتنة.
لم يجد وزير الداخلية حاجة إلى خطة لتنظيم السير على الأقل في العاصمة التي تكتظّ بالنازحين وتختنق بالسيارات
الاستياء المُعبّر عنه خلال الساعات الـ 24 الماضية، منذ الإعلان عن الحملة الأمنية، ليس دعوةً إلى مزيدٍ من الفوضى في مناطق النزوح، إنما هو نوعٍ من غضّ النظر والمراعاة تفرضهما الظروف القاهرة التي لا يصح معها القياس بالـ«مسطرة».
وخارج هذا الفهم للمرحلة ستُشكّل الحملة الأمنية سكيناً إضافياً على رقاب الناس. وهي بالضرورة كذلك، في خضمّ المعاناة التي يختبرها النازحون، ففيما هؤلاء قلقون على مصيرهم، وعلى إيجاد مأوى ويدورون على مراكز الإغاثة لتأمين طعام يومهم أو دواء لا قدرة على شرائه أو قطعة ثياب… يشغل بال الدولة إن كان الواحد منهم يحوز على رخصة سوق أو مستند بأنّه مدّ الخزينة برسوم تسجيل الدراجة ورسوم الميكانيك.
من هو الفريق المقرّب من المولوي الذي نصحه بخطوةٍ كهذه في هذا الظرف؟ وهل المطلوب اصطدام النازحين مع الأجهزة الأمنية، للحصول على صورة تُثبت أن هذه البيئة النازحة هي ضد الدولة وتتصادم معها، كما تُتهم على الدوام؟ ما الداعي للاحتكاك مع مجموعة مقهورين، جلّهم قد يكون خسر سيارته في غارة إسرائيلية واستبدلها كيفما اتّفق بدراجة غير مسجّلة، وربما لا قدرة مالية لديه حالياً لتسجيلها؟
أليس الاستثناء هو ما يطبع الظروف القاهرة الخارجة على الأوضاع الطبيعية، أم أنّ الاستثناء يسري فقط على أصحاب المولدات الكهربائية مثلاً، التي تعجز الدولة بأمها وأبيها عن إلزامهم باتخاذ إجراءات حماية حرصاً على الممتلكات العامة والخاصة والأرواح، تفادياً لحادثةٍ كالتي شهدتها منطقة الحمرا أمس، علماً أنّها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة؟