مقالات

الكيان يزداد بعداً عن «النصر»

عبر إجراء «جردة» للقراءات الغربية حول العدوان الإسرائيلي على غزة، بعد نحو 11 شهراً على بدايته، يُلحظ أنّ عدداً من «الخلاصات» في أوساط المراقبين لم تتبدل، وعلى رأسها عدم وجود أي طريق واضح «للنصر» الذي يرنو إليه رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، والأسباب الكامنة خلف «مناوراته» لمنع إبرام أي اتفاق فعلي لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، فيما يحيط الغموض، الشكل الذي قد تتخذه تلك الحرب مستقبلاً.

ورغم عدم «اشتعال» حرب إقليمية بشكل مباشر بعد، فإنّ صناع السياسة الغربيين يبحثون، من خلف الكواليس، آليات لتقويض الدعم الإيراني لجماعات المقاومة في المنطقة، بما يشمل فرض قيود على لبنان حتى، لا سيما أنّ القدرات التي راكمتها تلك الجماعات، والتي ظهر أول معالمها في عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر، لا تزال تحدث صدمات في أوساط هؤلاء.

وفي السياق، أوردت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية تقريراً، هذا الأسبوع، جاء فيه أنّه رغم «تدمير الكثير من البنية التحتية العسكرية لـ(حماس)، وإيقاع عشرات الآلاف من القتلى»، فإنه ما من نهاية تلوح في الأفق، ما يرجع جزئياً إلى أن إسرائيل وضعت «سقفاً عالياً» للنصر، أي القضاء على قيادة «حماس»، وإنقاذ ما يقرب من 100 أسير لديها. وفي مقابل ذلك، «تسعى (حماس) إلى الصمود في الحرب فحسب»، «وهو هدف متواضع يسمح لها بتجاوز مستوى الدمار الذي كان ليتسبب على الأرجح في استسلام أي جماعات أخرى».

وتتحدث الصحيفة، مرة جديدة، عن شبكة الأنفاق الواسعة التي تجعل من الصعب على إسرائيل الفوز، بالإضافة إلى تكتيكات الأخيرة العسكرية، والتي «تصعب» مهمتها، وتحديداً في ما يتعلق بانسحاب جيشها بسرعة من معظم المناطق التي غزاها، ما سمح – في بعض الحالات – لـ«حماس» بإعادة تجميع صفوفها هناك، ومنع انتهاء الحرب بالطريقة التي تنتهي بها معظم الحروب، حيث يستولي أحد الجانبين على أراضي الطرف الآخر.

كما يتطرق التقرير إلى الوضع في الضفة الغربية، حيث واصل جيش الاحتلال، لليوم الخامس على التوالي، عمليته العسكرية الدامية في الشمال، حيث لا ينكر المحللون في الغرب الأسباب الكامنة خلف صعود المقاومة هناك.

ويشير التقرير نفسه إلى أنّ «الجماعات المسلحة في الضفة أصبحت أكثر نشاطاً في السنوات الأخيرة»، نظراً إلى أنّ «الاحتلال الإسرائيلي أصبح أكثر رسوخاً»، بشكل يشمل «القضاء على حلم بناء الدولة الفلسطينية، وزيادة استياء الفلسطينيين من الإسرائيليين».

كما «استشهدت الجماعات الفلسطينية»، طبقاً للصحيفة، بالعنف المتزايد من جانب المستوطنين المتطرفين ضد المدنيين الفلسطينيين، إلى جانب الشعور المتزايد بإفلات هؤلاء المتطرفين من العقاب وتوسيع مستوطناتهم، لتبرير «تطرفها».

تزامناً مع ذلك، يرى كثيرون أنّ الدوافع «الشخصية» لنتنياهو لا تزال تشكل عائقاً أساسياً أمام انتهاء الحرب، حاثّين الأخير على «القبول» بالصفقة المطروحة أمامه في الوقت الراهن.

ويتساءل أصحاب هذا الرأي، في تقرير نشرته مجلة «فورين أفيرز»، عمّا «ينتظره نتنياهو في المرحلة الراهنة»، مؤكدين أنّه «بصفتنا محللين إستراتيجيين، نركز عادةً على العوامل الهيكلية، مع توخي الحذر من المبالغة في الدور الذي يلعبه الأفراد.

لكن في هذه المرحلة، إذا استمر نتنياهو في رفض اتفاق قبِله الجميع باستثناء زعيم (حماس)، يحيى السنوار، فإن الاستنتاج الوحيد سيكون أن العقبة الوحيدة التي لا يمكن التغلب عليها أمام وقف إطلاق النار الذي يعيد الرهائن الإسرائيليين إلى الوطن، هو خوف نتنياهو من العواقب على الصعيد الشخصي».

وطبقاً لهؤلاء، يخشى نتنياهو من أن تؤدي نهاية الحرب في غزة إلى انهيار التحالف الذي يدعمه في «الكنيست» الإسرائيلي، والدفع نحو انتخابات جديدة يخاف من خسارتها.

كما أنّه يعلم أنّ الحساب قادم بعد الحرب، إذ ستكون لجنة من الأفراد المستقلين «واقعية بلا رحمة في إلقاء اللوم عليه، على خلفية الفشل في منع هجمات (حماس) في السابع من أكتوبر، وهو أكبر فشل للأمن القومي في تاريخ إسرائيل».

وإذ اعترف الرؤساء الحاليون لأجهزة «الأمن القومي» الإسرائيلية، علناً، بمسؤوليتهم، وتوقعوا أحكاماً قاسية، فإنّ نتنياهو – الشخص الذي سمح لـ(حماس) بالنمو إلى «هذا الحد»، التزم بالصمت إزاء أي دور له في ذلك، بحسب المجلة.

القراءات الغربية أكثر تشاؤماً إسرائيل تزداد بعداً عن «النصر»

أما الولايات المتّحدة، فيرى مراقبون أنها الطرف «الأكثر تعطشاً» للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، لا سيما مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني القادم.

وعبّر تقرير في مجلة «فورين بوليسي» عن وجهة النظر هذه، لافتاً إلى أنّ «الضرورات السياسية» التي يرتكز عليها كل من نتنياهو و«حماس» والسلطة الديموقراطية في واشنطن «متباينة» إلى حدّ كبير؛ فبينما تريد واشنطن إنهاء عمليات القتل في غزة لتهدئة مخاوف الناخبين في الداخل، من المرجح أن نتنياهو ينتظر فوز المرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، في الانتخابات، ما سيمنحه حرية أكبر في «كيفية تعامله مع الصراع».

ومن جهتها، تسعى «حماس» إلى التأكد من أن أي صفقة «ستضمن عدم القضاء عليها واستمرارها في حكم القطاع».

وينقل التقرير عن مدير «برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمجموعة الأزمات الدولية»، غوست هيلترمان، قوله إنّ إدارة جو بايدن «تريد بشدة وقف إطلاق النار، بالنظر إلى الحساسيات السياسية المتزايدة قبل الانتخابات الأميركية»، مستشهداً باستطلاع أجرته شركة «غالوب» أخيراً، في حزيران، أظهر أنّ العدد الأكبر من الأميركيين «لا يوافقون على العمل العسكري الإسرائيلي في غزة»، رغم «زيادة الدعم العام للعملية العسكرية الإسرائيلية بشكل طفيف منذ آذار»، فيما لا تزال غالبية الديموقراطيين والمستقلين غير مؤيدة له.

وبالتالي، يريد الديمقراطيون الظهور بمظهر من يبذل جهداً لإنقاذ حياة الإسرائيليين والفلسطينيين، لا سيما أنّه سيكون لذلك تأثير على فرز الأصوات في الولايات الخمس المتأرجحة، حيث تتواجد مجتمعات كبيرة من العرب – الأميركيين.

وبحسب تقرير منفصل أوردته «نيويورك تايمز»، فإنّ واشنطن دأبت، في المدة الأخيرة، على البعث برسائل إلى إسرائيل، لا فقط إلى إيران، وإنّه خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الأسبوع الماضي، إلى تل أبيب، قبيل رد «حزب الله»، أوضح المسؤول الأميركي نقطة «مختلفة» للمسؤولين الإسرائيليين، وهي أنّ واشنطن «ستدعم ضربة إسرائيلية استباقية ضد معدات حزب الله أو القوات التي تستعد لشن أي هجوم وشيك»، وفقاً لمسؤول أميركي كبير، إلا أنّه أكّد، في الوقت عينه، أنّه «لا ينبغي لإسرائيل استغلال الفرصة لشن هجوم أوسع».

ورغم أنّ مسؤولي إدارة بايدن يرون أنهم أدّوا «دوراً مهماً في تجنب الأسوأ»، غير أنّ عوامل خطر أخرى لا تزال موجودة، وسط «غليان» الأوضاع، لا سيما أنّهم «لم يؤمّنوا»، في نهاية المطاف، التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وهو ما قد يقوض «نجاحهم في احتواء حرب أوسع في الوقت الحالي».

وخلف الكواليس، يتم بحث كيفية الحد من الدعم الإيراني لجماعات المقاومة في المنطقة، لا سيما عبر «قطع التمويل عنها». وفي هذا الإطار، جاء في تقرير أوردته صحيفة «بوليتيكو» أنّ المعركة حول «التمويل الإرهابي الإيراني» مشتعلة في الخفاء، ومن المقرر أن تصل المناقشات «إلى ذروتها» في الأسابيع المقبلة، عندما تقرر «سلطات غسيل الأموال العالمية» ما إذا كانت «ستفرض إجراءات قاسية على لبنان أم لا»، على حدّ تعبيرها.

ويدور الجدال، بحسب «بوليتيكو»، في قاعات «مجموعة العمل المالي» (FATF) ومقرها باريس، والتي تعدّ هيئة مراقبة غسيل الأموال العالمية، حول إمكانية وضع لبنان، في الأسابيع المقبلة، على «قائمتها الرمادية»، وتحديد الإصلاحات التي يتعين على البلاد تنفيذها من أجل تجنب «القائمة السوداء»، ما قد يؤثر بشكل «مخيف» على قدرة الدولة على اجتذاب التمويل الدولي.

ومن جهته، نشر «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» تقريراً جاء فيه أنّه سيكون من الصعب جداً «هندسة» حملة عقوبات غربية جديدة على إيران، بعدما أصبحت الأخيرة، جنباً إلى جنب خصوم آخرين لواشنطن، «أكثر وعياً» إزاء التعرض لهذه العقوبات وتأثيرها عليها.

ويعتبر أصحاب هذا الرأي أنّ الإيرانيين سيتمكنون من حماية أنفسهم وأصولهم بشكل أكثر فعالية هذه المرة، وهو ما أظهره نهج «الضغوط القصوى» الذي اتبعته إدارة ترامب؛ فرغم أنّ تلك الضغوط تركت «آثاراً اقتصادية كبيرة على إيران»، إلا أنّها «لم تسفر عن اتفاق نووي جديد بحلول الوقت الذي غادر فيه ترامب منصبه».

ومع أنّ إدارة بايدن لم تخفف من أي من العقوبات المشار إليها من الناحية الفنية، وأنّ الاقتصاد الإيراني «لا يزال في حالة سيئة»، إلا أنّ «الأداء الأميركي الضعيف بشكل عام لم يؤدِ إلى انهيار إيران»، أو يدفعها إلى القبول بشروط واشنطن حول أي صفقة.

المصدر: جريدة الاخبار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى