مقالات

عندما يملّ جعجع من الانتظار!!.. 

ملّ سمير جعجع الإنتظار.. فالعدو الإسرائيلي لم ينتصر على محور المقاومة كما همس البعض في أذنه مع بداية طوفان الأقصى، ما يعني أن طموحاته الرئاسية ستبقى سراباً يحسبه الظمآن ماء، وتوقعاته حول الضربة القاسية على لبنان وعلى مقاومته لإضعافها والتي كان يبشر بها في كل إتصال يجريه أو لقاء يعقده لم تُصب، والفتنة التي كان يعوّل عليها في لبنان سواء بين الشيعة والدروز أو السنة والشيعة تجلت وحدة وطنية بأبهى صورها، ورهانه على ضعف الحكومة ورئيسها أمام الضغوط الغربية أو أمام إغراءات الموفدين الدوليين باء بالفشل، إضافة الى شعوره بالعجز الكامل عن التأثير في مجريات الأمور، ما يدفعه للجوء الى بعض التصريحات والبيانات المسمومة.

لم يتبدل موقف جعجع منذ بداية طوفان الأقصى وما قبله، فهو يتبنى الرواية الاسرائيلية بشكل كامل، ويدفع بإتجاه أن تطبق الدولة اللبنانية القرار 1701 بكل مندرجاته ووفقا لرؤية العدو الصهيوني، لحماية حدوده وإبعاد خطر المقاومة عنه، وصولا الى التضحية بالجيش وإرساله الى الجنوب لمواجهة الاعتداءات بالأسلحة التقليدية، في وقت يمنع فيه حلفاء جعجع من أميركا وغيرها تسليح الجيش أو إعطائه التجهيزات العسكرية التي يستطيع من خلالها مجاراة العدو في حال أقدم على خرق السيادة اللبنانية كما يفعل يوميا منذ إقرار الـ1701، حيث تجاوز عدد هذه الخروقات 36 ألف مرة.

يصر جعجع على التعاطي مع إسرائيل كحمل وديع، فيتحدث عنها بلغة ناعمة وبعض الأحيان بعاطفة، إرضاء لأصحاب الأجندات التي يتطوع مع حزبه لتنفيذها على حساب السيادة الوطنية، في حين لا يتوانى عن تخوين المقاومة وأبنائها أبناء المناطق الجنوبية المحتلة والمستهدفة إسرائيليا والذين يبذلون دماءهم وأرواحهم دفاعا عنها وعن لبنان بشكل عام.

بعد زيارة هوكشتاين الاستعراضية، وفشل مؤتمر الدوحة في التوصل الى حلول توقف حرب الابادة على غزة، وفي غمرة التهديدات الاسرائيلية للبنان والاعتداءات المتواصلة على قرى وبلدات الجنوب، يبدو أن تعليمات وصلت الى بعض من يدعون المعارضة، فكانت مداخلة للنائب سامي الجميل على شبكة “بي بي سي” حول “حق إسرائيل في الدفاع عن حدودها من خطر حزب الله” إستفز المذيعة بشكل كبير وإتهمته بالاصطفاف خلف العدو الاسرائيلي.

ثم تفتقت عبقرية جعجع بإتهام الحكومة بأنها ترتكب “خيانة عظمى” لجهة ما يحدث في الجنوب، وأنها صدى لحزب الله، معترفا أنها في المخاطر حكومة “كاملة الأوصاف” ما يؤكد تعاطي جعجع مع الحكومة ومع الأزمات اللبنانية على “القطعة” وفقا لأنانياته وأهوائه وإرتباطاته وأجنداته، حيث وصفها مرات عدة بأنها غير دستورية وغير ميثاقية ولا يحق لها أن تجتمع بالرغم من وجود المخاطر نفسها.

في حين أن الحكومة تقوم بواجباتها الدبلوماسية والوطنية كاملة من أجل حماية لبنان والضغط على إسرائيل من أجل وقف إعتداءاتها وتطبيق القرار 1701 الذي يبدو أن جعجع لا يريد إزعاجها بتطبيقه، أو بوقف خروقاتها التي يريد للجيش اللبناني أن يكون شاهد زور عليها أو أن ييقوم بتعداد هذه الخروقات، وكلما بلغ عددها المئة تقدم الحكومة شكوى الى مجلس الأمن بما يرضي جعجع ويرضي إسرائيل.

لا شك في أن الخيانة العظمى هي في تحويل الجيش اللبناني الى حرس حدود تحت رحمة الاسرائيلي الذي يستطيع إستهدافه من دون أن يكون مجهزا للرد عليه، والخيانة العظمى هي في الطعن بالمقاومة في زمن الحرب وتبني المشروع الاسرائيلي الهادف الى دمار البلاد، والخيانة العظمى هي في النفخ في أبواق الفتن التي تخدم المشروع الصهيوني على حافة الحرب، والخيانة العظمى هي في إستهداف الحكومة التي تشكل خط الدفاع الأول عن لبنان سياسيا ودبلوماسيا ومحاولة إضعافها أو التقليل من دورها، والخيانة العظمى أيضا هي في تبني الرواية الاسرائيلية على حساب المصلحة الوطنية اللبنانية.

أما بالنسبة للرئيس نجيب ميقاتي الذي يدعي جعجع صداقته، فهو رجل دولة، مسلمٌ، سنيٌ، لبنانيٌ، طرابلسيٌ، عربيٌ وعروبيٌ، لا يتهاون في قضية فلسطين، ولا يساوم على السيادة اللبنانية، ولا يضيّع بوصلة التصدي لإسرائيل وبذل الجهود لمنعها من الاعتداء على لبنان بكل مناطقه ومدنه وبلداته، ولا شك في أن رجلا من هذا الطراز المقاوم لا تشرّفه صداقة من يتحدث بلغة العملاء..

غسان ريفي (سفير الشمال)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى