أخبار لبنان

حين يفرض المنتصر إرادته: المقاومة اللبنانية ترسم ملامح الصراع الجديد

في الحروب، تُكتب معادلات القوة بالنار والدم، لكن الانتصار الحقيقي يتحقق حين تُفرض الإرادة على الخصم.

منذ الثامن من أكتوبر، اندلعت الحرب بين لبنان والعدو الإسرائيلي، جبهة أُعلنت نصرة لغزة التي تواجه عدواناً متواصلاً.

ومع اتساع العدوان في الثالث والعشرين من سبتمبر، كان هدف العدو واضحاً: القضاء على المقاومة وتغيير موازين الصراع التي لطالما شكّلت تهديداً له.

لكن الواقع على الأرض أثبت عكس ذلك تماماً.

المقاومة اللبنانية، التي طالما كانت شوكة في خاصرة المشروع الإسرائيلي، واجهت بداية صعبة، تلقت خلالها ضربات قاسية، كان أبرزها اغتيال قائدها الشهيد الأطهر سماحة السيد حسن نصرالله،أبرز رموز المقاومة والنضال في العقود الأخيرة.

ورغم ذلك، نجحت المقاومة في لملمة صفوفها بسرعة، وأظهرت مرونة ميدانية وقدرة تكتيكية مكّنتها من إفشال خطط العدو وتحويل مسار المواجهة.

ما حدث في لبنان اليوم يعيد إلى الأذهان دروساً تاريخية مشابهة، مثل الحرب العالمية الثانية، حين واجه الاتحاد السوفيتي غزو ألمانيا النازية. في البداية، بدا أن السوفييت في موقف ضعف، لكن بفضل صمودهم، خاصة في معركة ستالينغراد، استطاعوا قلب الموازين وفرض شروطهم على الألمان في نهاية المطاف.
المقاومة اللبنانية اليوم تسير على ذات النهج، متحولة من الدفاع إلى الهجوم، فارضة معادلات جديدة على الأرض وفي السياسة.

إسرائيي، التي دخلت الحرب بوعود السيطرة والإلغاء، وجدت نفسها أمام قوة صاروخية غير مسبوقة.

مدن الكيان، بما فيها تل أبيب، تحولت إلى ساحات مستباحة لصواريخ المقاومة التي أصابت أهدافاً حيوية وشلت الحياة اليومية.

هذا التحول كشف عجز العدو عن تحقيق أي من أهدافه الاستراتيجية، وأجبره على اللجوء إلى خيار التفاوض، ليس من موقع قوة، بل كطريق هروب من مأزق عسكري وسياسي متفاقم.

في المفاوضات غير المباشرة التي يقودها الموفد الأميركي آموس هوكشتين، ظهر بوضوح انقلاب موازين القوة.

إسرائيل، التي وضعت شروطاً متعجرفة في البداية، أصبحت الطرف الذي يسقطها واحدة تلو الأخرى.

في المقابل، فرض الجانب اللبناني، بقيادة الرئيس نبيه بري بتكليف من حزب الله، تعديلات جوهرية على المسودة الأميركية بما يخدم سيادة لبنان ومصالحه، ليغادر هوكشتين إلى تل أبيب حاملاً شروط لبنان، وليس العكس.

هذه الصورة تعيد إلى الأذهان مشاهد مشابهة في التاريخ الحديث، مثل الحرب الجزائرية، حيث قاومت جبهة التحرير الوطني الاحتلال الفرنسي لسنوات طويلة، رغم الفارق الكبير في الإمكانات العسكرية.

في النهاية، وبعد أن عجزت فرنسا عن فرض سيطرتها، اضطرت للتفاوض مع الجزائريين على شروطهم، ما أدى إلى الاستقلال الكامل للجزائر عام 1962.

اليوم، تثبت المقاومة اللبنانية أن المعركة ليست فقط في الميدان العسكري، بل في القدرة على فرض الإرادة السياسية.

إسرائيل، التي لطالما ادّعت التفوق
العسكري، أصبحت عاجزة عن الاستمرار في عدوانها دون دفع أثمان باهظة، في الداخل والخارج.
في المقابل، تُظهر المقاومة أنها ليست مجرد قوة عسكرية، بل مشروع استراتيجي قادر على إدارة الصراع وكتابة معادلاته من موقع القوة.

المنتصر لا يفاوض المهزوم كند، بل يفرض شروطه عليه.

إسرائيل، التي بدأت الحرب وهي تحلم بفرض إرادتها، تجد نفسها اليوم في موقع المدافع الذي ينتظر الرد على شروطه المعدّلة.

المقاومة اللبنانية، بصمودها وإصرارها، أعادت رسم قواعد الاشتباك وأثبتت أن الشعوب المقاومة، مهما كانت التحديات، قادرة دائماً على صناعة مستقبلها وفرض إرادتها.

الديار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى