للمرة الأولى، أمس، نفّذت طائرات عربية إنزالاً جوياً ناجحاً للمساعدات في مناطق شمال وادي غزة.
ففي الساعة العاشرة صباحاً، ظهرت أولى الطائرات في سماء مخيم جباليا شمال القطاع، وشرعت في إلقاء شحنات من المساعدات فوق وسط المخيم، غير أن الرياح لم تأتِ بما يشتهيه آلاف النازحين الذين رفعوا رؤوسهم إلى السماء، مترقّبين سقوط المواد الإغاثية بين أوساطهم، فإذا بالدفعة الأولى منها التي لم يتجاوز عددها الـ 24 إسقاطاً، تنزاح من الوسط إلى الأطراف الغربية لمحافظة الشمال، وتسقط على شاطئ البحر وفي محيط مسجد الخالدي.
وفي غضون الرحلة للحصول على ما أمكن من المساعدات من قلب جباليا إلى أطراف الشمال، اندفع عشرات الآلاف من الأهالي سيراً على الأقدام، قاطعين مسافة تجاوزت الثلاثة كيلومترات.
وحين وصلت الجموع، التي رافقتها «الأخبار» في تلك الرحلة، كانت الشحنات قد فرغت تماماً، حيث كان ينتظرها الآلاف من سكان المنطقة التي سقطت فيها، قبل أن تهبط على الأرض أساساً.
أما من ظفر بكيس طحين، أو كيلوغرام واحد من التمر، أو زجاجة ماء، فقد وصل إلى أطراف المخيم وقد أدميت يداه وقدماه، لفرط ما تدافع الناس وتزاحموا للحصول ولو على القليل مما يقيهم الجوع والعطش.والشحنات التي سقطت في المنطقة الغربية لشمال القطاع، كانت عبارة عن صناديق خشبية تصل مقاساتها إلى ثلاثة أمتار طولاً وعرضاً، وتحتوي كل واحدة منها على ثلاثين طرداً غذائياً.
وفي داخل الطرود التي استطاعت «الأخبار» أن تعاينها عن قرب، وجد كيس واحد من الأرز زنة خمسة كيلوغرامات، وعلبة حليب أطفال، وزجاجة زيت طهي، وعدد من مغلفات المعكرونة، وفوط نسائية.
ووفقاً لشهادات الأهالي، فقد تضمّنت طرود أخرى أكياساً من الطحين زنة عشرة كيلوغرامات.
على أن كل ما سقط صباح أمس، لم يتجاوز حمولة نصف شاحنة واحدة، فيما تشير المعلومات المطبوعة على تلك المنتجات، إلى أن مصدرها هو جهات خيرية مقرّبة من الجيش المصري، وهيئات أهلية أخرى.
وخلال ساعات النهار، أعادت طائرات الـ«سي 130» إنزال شحنات أخرى في مناطق مأهولة بالسكان، في حيّي تل الزعتر والسكة شرق مخيم جباليا.
العشرات ممن التقتهم «الأخبار» عبّروا عن غضبهم من الطريقة المهينة التي تعاملهم بها الدول التي تسقط المساعدات
وعلى رغم الحفاوة التي استقبل بها السكان مشهد الطائرات التي لم تلق عليهم، للمرة الأولى منذ قرابة 150 يوماً، القنابل والصواريخ، فإن العشرات الذين التقت بهم «الأخبار»، عبّروا عن غضبهم من الطريقة المهينة التي تعاملهم بها الدول التي تسقط تلك المساعدات.
إذ قال إبراهيم الملاحي، وهو واحد من الذين قطعوا مسافة طويلة في محاولة تحصيل شيء مما ألقي من الجو، إن «هذه الطريقة غير مجدية. ركضت مسافة خمسة كيلومترات، وما قدرت أحصل على شيء. الناس قتلت بعضها من أجل الحصول على كيس تمر أو كيلوغرام أرز»، مضيفاً: «يا عرب، اللى بدو يساعد، فليُدخل شاحنات المساعدات ويسلّمها إلى جهات دولية أو محلية تتولى توزيعها على الناس. إحنا عمرنا ما كنّا جوعانين ولا شحّادين، حتى تهينوا كرامتنا بهذه الطريقة».
أما علاء عايش، وهو موظف حكومي، فقد رأى، في حديث إلى «الأخبار» أن «إنزال المساعدات بهذه الطريقة غير المجدية يخفّف الضغط على الاحتلال، ويعفيه من مسؤوليته في إنهاء الحصار على أهالي شمال قطاع غزة الذين يحاصرهم منذ أكثر من 100 يوم».
ويضيف: «عيب. إحنا الشعب الكريم العزيز، نُذلّ ونُهان بهذه الطريقة. الناس رح تاكل بعضها. ما يحدث هو نتاج لحالة فوضى وتفسّخ اجتماعي لها آثار مخيفة جداً».
في ساعات المساء، ظلّت الطائرات تُسقط شحنات جديدة من المساعدات، بينما تحيط بها الطائرات الإسرائيلية المسيّرة.
لكن الآلاف كانوا قد فقدوا الأمل في الظفر بأي شيء، فيما كثرة السعي بلا طائل ظهرت آثارها على شكل هزال وغثيان ضربا الآلاف من الذين عادوا من رحلات المطاردة بلا شيء.. سوى الخيبة.