رأى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ علي الخطيب، في حديث اعلامي، أن الأمة الإسلامية تمر بمرحلة تاريخية، لا سيما في هذه الأوقات التي يتعرض فيها الفلسطينيون لعدوان همجي وحشي، فطوفان الأقصى وحّد الأمة على نصرة قضيتها الأولى، لتتحوّل فلسطين إلى قضية إنسانية عالمية يحتضنها كل الأحرار في العالم، بينما تؤدي المقاومة على امتداد المحور اليوم دورًا بطوليا ومصيريًا.
وبالموازاة، انطلقت الوحدة الإسلامية كمفهوم ومشروع عمل، ليشكّل البناء التحتي والأصل الذي تتأسّس عليه سياسات نهوض الأمة، وإذا تحقّقت الوحدة، فسيكون لها أثر إيجابي في مواجهة التحديات الكبيرة التي تواجهها أمتنا في الوقت المعاصر”.
واعتبر أن “وحدة الأمة هي مبدأ ديني ومصلحي، إذ إن مصلحتها تقتضي أن تتضامن في ما بينها، وخصوصًا في هذه المرحلة التاريخية الصعبة، وسط الحرب التي يُراد بها كسر إرادتها، لذلك من الضروري أن يكون هناك موقف واحد للأمة، لمواجهة الأخطار التي تتعرض لها، لأن المعركة التي تخوضها المقاومة عنوانها فلسطين، ولكنها في الواقع ليست معركة فلسطينية فقط، إنما معركة الأمة ككل.
المعركة التي تخوضها المقاومة في فلسطين بالتآزر مع جبهات الإسناد لقوى المقاومة سواء في لبنان أو غيرها، ليست حربًا فلسطينية إسرائيلية، كما يريد الغرب ويزعم، إنما هي حرب الأمة ضد أعداء الإنسانية وضد المبادئ، وهي حرب وجودية للأمة لا مجال فيها لمن يدّعون السلام”.
وإذ لفت إلى أنّ “الأمة اليوم في امتحان كبير، والموقف العملي مما يحصل في غزة هو ما يحدّد نجاحها أو سقوطها”، شدد بالمقابل على أن “هذه الأمة لن تموت، وستسجّل انتصارها، وسيكون للحرب نتائجها المهمة والمباشرة والكبيرة، بما ستنجزه من إحياء للأمة كلها وبعثها من جديد، لإعادة صياغة العلاقات الإسلامية الإسلامية، والإسلامية العربية، وستأخذ هذه الأمة دورها في صناعة المستقبل في العالم، وليس في المنطقة فحسب، وستكون إحدى الجهات المؤسّسة والمشاركة في إيجاد نظام عالمي جديد”.
وشدد الخطيب على “اننا حين نتكلم عن الأمة لا نتكلم عن طوائف، فالمنطقة كانت محل نزول بعثة الأنبياء والرسل والوحي، لذلك كان فيها هذا التنوع بدءًا من اليهودية، مرورًا بالمسيحية، وصولًا إلى الإسلام، والمسيحيون كانوا طوال فترة العصور الإسلامية موجودين كوزراء ومستشارين، ويتدخلون في رسم سياسات الدولة، وكان لهم الأثر والوجود في مراكز الحضارة الإسلامية، في بغداد، والقاهرة، والقدس.
المسيحيون ليسوا خارج الأمة، بل هم جزء منها، وان العلاقات المسيحية الإسلامية ممتازة، والمسيحيون يشاركون في صناعة الحياة العامة، وعلى مستوى القرار السياسي كانوا جزءًا أساسيًا”، وقال: “بالتالي، ليس هناك أي حرب إسلامية مسيحية، ولا وجود لمقولة أن هناك أقلية مسيحية، ولا خوف على المسيحيين، فالمسيحيون في لبنان هم من عرقنا وجنسنا ومن بيئتنا ومن شعوبنا، وقد وضع الغرب في أذهانهم أن هناك أكثرية مسلمة وأقلية مسيحية، وحاولوا من هذا الباب تخويف الأقلية من الأكثرية، وبالتالي سعى المسيحيون في لبنان إلى أن يكون لهم بصمة خاصة في هذا الشرق”.
ورأى أن “الغرب أراد برفع شعار “حماية الأقليات” تجزئة المنطقة إلى مذاهب وطوائف، من باب “فَرِّق تَسُدْ”، فتتنازع الطوائف في ما بينها، ويستخدم الغرب الشعوب في الحصول على مآربه، وتحقيق طموحاته باستعمار المنطقة، نظرًا لأهميتها، ولأنها تسيطر على الممرات التجارية العالمية، من مضيق باب المندب، مرورًا بمضيق جبل طارق، وصولًا لقناة السويس، وللخليج، ولما تحتويه من ثروات يعتمد عليها العالم في الصناعة والتجارة، ولما تختزنه من طاقات، ونظرًا للموقع الإستراتيجي الذي تحتله على خريطة العالم، مما يجعل أي تحوّل فيها مُهدِّدًا لمصالح الغرب الحيوي، وبالتالي توحُد الأمة سيشكل خطرًا كبيرًا على المصالح الغربية، وكل ما قام بها الغربيون كان لمنع ذلك، حيث كان من الطبيعي أن يبحث العدو عن نقاط الضعف ليتسرب منها”.
واعتبر أن “قيادة بلادنا إلى المذهبية والطائفية ليس أمرًا عفويًا، فما يجري اليوم مخطط له، فالخوف الناشئ اليوم من الطائفية مفتعل، ويُراد به تخويف المذاهب من بعضها، وصولًا إلى تجزئة المنطقة، فالمشروع ما زال موجودًا، لترسيخ وتبرير الوجود الصهيوني في فلسطين، فعند انقسام الأمة سيكون العدو الأقوى بين الضعفاء.
والغرب أراد من خلال تجزئة المنطقة إلى دوليات متنافرة متقاتلة، تعميق الجراح بين أبناء الأمة الواحدة، ليكون الصهيوني بالتالي هو الحكم،. المعركة الأساسية هي مع الغرب، وليست مع حفنة من اليهود جاؤوا بهم من شتات العالم إلى فلسطين ليصنعوا منها قاعدة. هذا المشروع لم ينجح، والذي يجري في غزة وفلسطين أكبر دليل على ذلك، مما يؤكد وحدة الأمة.
وأشاد الخطيب بدور “المقاومة التي وقفت في وجه المشروع الغربي الصهيوني بتقسيم المنطقة”، لافتًا إلى أن “المقاومة اليوم تتحدى العالم، فهي لا تتحدى عددًا من اليهود الذين يسكنون فلسطين، بل تتحدى النظام العالمي الذي يقف على رأسه الغرب، وهو يعرف أن المقاومة ستقضي على مصالحه، لذلك سيكون لهذه الأمة دورًا في التحولات الدولية”.
وقال: “إن الوضع أخذ منحى جديدًا، فاقتدار المقاومة أصبح أقوى، وما يجري في فلسطين يُعبّر عن هذا الواقع الجديد الذي تصنعه المقاومة، فالأمة اليوم في حالة من التقدم بعدما عاشت أعوامًا من التراجع، والمقاومة تفرض أمرًا جديدًا، ولديها الإرادة للتضحية، ولتحمل النتائج كافة.
الغرب كله يمد العدو بكل أسباب الحياة والقوة، ويقدم له بشكل فاضح وعلني أسلحة الدمار، ولكنه هُزم أمام إرداة المقاومة، والأمة الإسلامية التي تقف اليوم وراء هذه المقاومة، فمعركتنا مع العدوّ ليست من اليوم، بل هي استمرارية لتاريخ طويل من الصراع، وفقًا لنائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، فالغرب اليوم كله يحمي “إسرائيل” العاجزة عن القضاء على فصيل مقاوم في غزة، يملك أسلحة فردية ومعدات متواضعة، والخاسرة أمام شعب أعزل صمد أمامها 10 أشهر، على الرغم من المجازر الوحشية، في مشهد أسطوري مذهل”.
وختم الخطيب مؤكدا أن “المقاومة مستمرة لأن أهدافها بعيدة ومتعلقة بأهداف الناس الحقيقية، لمواجهة الظلم، وهي حركة متجدّدة طالما الحياة موجودة”.