يسافر قائد الجيش الى المؤتمر الفرنسي – القطري في باريس مطمئناً الى مَن يحلّ محله خلال تغيبه، هو رئيس الاركان غير المطمئن الى الشكوك المحوطة به: في القانون تعيينه لا يزال معلقاً. في الواقع الرائج كل ما هو غير قانوني نافذ الى ما شاء الله
الى الخميس الفائت 22 شباط، لم يكن قد صدر في الجريدة الرسمية المرسومان اللذان أوردهما محضر جلسة مجلس الوزراء في 8 شباط مُعيّناً رئيساً للاركان بعد منحه اقدمية وترقيته هو اللواء حسان عودة. المعلوم ان المرسومين لن يصدرا، وسيُكتفى بما اتخذه مجلس الوزراء يومذاك بقصر التعيين على قرار ليس الا.مع ان الرئيس الجديد للاركان تنكّب النجمة الاضافية في رتبته بعد ربع ساعة فقط من صدور قرار مجلس الوزراء، وتولى قائد الجيش العماد جوزف عون تعليقها له في مكتبه والتقطت الصورة التذكارية وسلمه مفتاح المكتب وألحَقَ به الضباط الذين يعاونونه في امانة سره، يكمن ما حدث في معضلتين حاليتين:
اولى مفادها ان عون يفترض مغادرته الى باريس للمشاركة في الاجتماع الفرنسي – القطري المخصص لدعم الجيش اللبناني اليوم. كان من المنتظر التئام اجتماع موسع تشارك فيه دول عدة لدعم الجيش، فأحبط الاميركيون انعقاده، وعوّض الفرنسيون ما راموه باجتماع ثنائي يجمع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وامير قطر الشيخ تميم بن حمد وقادة جيشيْ البلدين الى قائد الجيش اللبناني. سيذهب عون قبل حسم قانونية تعيين مَن يقتضي ان يحل محله في غيابه.
المعضلة الثانية تقيم في استمرار رفض وزير الدفاع موريس سليم الاعتراف بتعيين عودة على انه غير قانوني. المتوقع في الساعات المقبلة اصدار الوزير تعميماً على كل مؤسسات وزارة الدفاع يعتبر قرار التعيين «منعدم الوجود».
نجم قراره باصدار تعميمه بعد تلقيه في 17 شباط كتاباً من الامانة العامة لمجلس الوزراء ملحقاً بقرص مدمج يتضمن محضر جلستيْ المجلس المخصصتين للموازنة وتعيين رئيس الاركان بغية ابلاغه اياهما. تقليد متبع بعد كل جلسة لمجلس الوزراء بأن يصير الى تزويد الوزراء محاضر الجلسات وقراراتها، مرفقة بأقراص مدمجة عنها. اما تعميم وزير الدفاع فيؤكد اسقاط اي اعتراف بتعيين عودة، مورداً المخالفات الدستورية والقانونية المنطوية على قرار جلسة 8 شباط، وتأكيده من ثم انه «منعدم الوجود»، و«لا يجوز العمل بموجبه لانعدام الآثار والنتائج»، كما ان «اي عمل بموجبه او اخلال بموقف وزير الدفاع يرتب تبعات ومسؤوليات».
سبق ان قال سليم بُعيد التعيين انه لن يوقّع معاملة تصل اليه من رئيس الاركان بصفته قائداً بالوكالة للجيش، وهو ما سيكون عليه في غياب الاصيل في باريس.
ما يفعله الوزير في واد، وما تفعله قيادة الجيش بدورها في واد. المعتاد تبعاً للاصول قبل سفر قائد الجيش، طلب إذن من الوزير. التزم القائد القاعدة الى ان توقف عنها في المرات الاخيرة عندما غادر البلاد في عز التباعد والخلاف بينهما.
تضاف الى المعضلتين بضع ملاحظات:
1 – فخٌ اوقع قرار مجلس الوزراء نفسه فيه. في محضر جلسته الرقم 64، اورد فقرتين: اولى تعيين عودة رئيساً للاركان وتنازل الوزراء الموافقين على القرار عن الحق في طلب اعادة النظر فيه ما يجعل القرار «نافذاً حكماً»، وثانية نشر المرسومين «ذوي الصلةج (التعيين والاقدمية والترقية) في الجريدة الرسمية بعد اصدارهما وكالة عن رئيس الجمهورية عملاً بالمادة 62 في الدستور، ما يفترض انه يعلّق تنفيذ التعيين الى حين النشر. الى الآن لم يصدر المرسومان، وتبعاً لذلك لم ينشرا وفق ما تضمنه قرار التعيين ما احال تسلّم عودة منصبه مؤجلاً الى ما بعد تينك الآليتين الدستوريتين. بالتأكيد قفزت قيادة الجيش منذ لحظة صدور القرار فوق الآليات القانونية المكملة للمرسوم كي تعتبر، على عاتقها، التعيين نافذاً. العجلة نفسها حملت مديرية التوجيه في اليوم نفسه للتعيين، 8 شباط، على توزيع صورة عودة ونبذة عنه.
2 – سفر قائد الجيش حتمي، وهو ضروري للمشاركة في مؤتمر باريس، بيد انه يخلّف وراءه – في القانون اولاً واخيراً للاسباب تلك – شغوراً في مَن ينوب عنه عملاً بالمادة 21 في قانون الدفاع رقم 102/83 اذ تنيط برئيس الاركان الحلول محل القائد عند تغيّبه. في مراحل سابقة، اعتاد قادة الجيش عندما يتغيبون، بدافع السفر او المرض او التوزير، اصدارهم قراراً بتكليف رئيس الاركان الحلول محلهم طيلة غيابهم. على ان قراراً كهذا غير ذي جدوى ومغزى ومنفعة ما دام القانون نفسه يضع رئيس الاركان في مقعد القائد عند تغيبه.
عدم صدور مرسومي التعيين والترقية في الجريدة الرسمية يعلّق نفاذ القرار؟
3 – لم يسبق ان شهدت قيادة الجيش على مر تاريخها مقاربة شؤونها على نحو يناقض القانون والقواعد والأصول المتبعة. بسهولة غير محسوبة انتقلت اليها عدوى مثالب مجلس الوزراء. بسبب فقدان المجلس العسكري نصابيْ انعقاده (5/6) وقراراته (4/6)، والموافقة الاستثنائية المعطاة من رئيس الحكومة الى رئيس المجلس قائد الجيش بعدما اضحى عدد اعضائه ثلاثة، استند المجلس العسكري في قرار اصدره في يوم التعيين في مجلس الوزراء في 8 شباط لمنح العميد حسان عودة ترقية خمسة اشهر (تبعاً لقيامه بـ«اعمال باهرة…» وفق قرار المجلس العسكري) ومن ثم ترقيته الى لواء عملاً بالمادة 27 في قانون الدفاع، الى ما سُمي «وثيقة الصلاحية» التي لا اصل لها ولا وجود في القوانين، ولا اساساً في قانون الدفاع، غير مسبوق استخدامها قبلاً لتبرير موافقة المجلس العسكري على الاقدمية والترقية. وقّع القرار قائد الجيش بصفتيْن: انه رئيس المجلس ونيابة عنه لانعقاده بنصاب غير قانوني معوّلاً على الموافقة الاستثنائية. في حال كهذه يلتئم المجلس بمَن حضر، خلافاً لنصابيْ الانعقاد والتصويت، ويتخذ قراراً برئاسة قائد الجيش بالاستناد الى الموافقة الاستثنائية. يضاف الى السابقة هذه ما لم يعد سابقة، وهو مخاطبة قائد الجيش رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بمراسلات خطية مباشرة لا تمر بوزير الدفاع، وتبنى عليها قرارات تتجاوز بدورها الوزير في الصلاحيات الدستورية والقانونية المعهودة اليه.
4 – اما المفارقة المدعاة للانتباه مع تعيين عودة رئيساً للاركان ومباشرته صلاحياته، فهي ترؤسه المجلس العسكري – اذا حُتّم انعقاده في غياب القائد – بصفته نائب رئيسه. الادهى ان يترأس المجلس فيما العضوان الآخران السنّي اللواء محمد المصطفى والكاثوليكي اللواء بيار صعب اقدم رتبة منه، والمفترض انهما يتقدمان عليه ولا يأتمران به او يترأس عليهما.