لا تزال حركة حماس تتدارس الاقتراح المصري القطري بشأن المرحلة المقبلة من صفقة تبادل الأسرى، حيث يشدد قادتها على مبدأ وقف الحرب بشكل كامل ونهائي في قطاع غزة، في محاولة لضمان عدم استئناف العدوان الإسرائيلي على غزة بعد الانتهاء من المرحلة الأولى المخطط لها، التي تشمل إطلاق سراح 35 امرأة ورجلاً مسناً ومصاباً خلال هدنة تستمر ستة أسابيع.
وقالت صحيفة “Haaretz” الإسرائيلية أن “المجلس الوزاري الأمني الموسع في إسرائيل، ناقش يوم الخميس 1 شباط، الاقتراح الذي طرحه الوسطاء، لكن لم يتوصل الجانبان لاتفاق نهائي بشأن بعض التفاصيل، مثل “المفتاح”، أي نسبة عدد الرهائن المحررين إلى عدد السجناء الفلسطينيين المفرج عنهم في الصفقة، وكذلك هوياتهم”.
ومع ذلك، يواصل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزراء من حزب الليكود واليمين المتطرف عرض نهج موحد، وهو أنَّ إسرائيل لن توقف الحرب ولن تطلق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين، ما يعرقل أي اتفاق محتمل بحسب هآرتس.
وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن “الاقتراح المصري القطري يحظى بدعم الولايات المتحدة، التي تعمل على ترويج الاقتراح باعتباره جزءاً من صفقة إقليمية أكبر وشاملة.
وإلى جانب حل قضية الرهائن، فإنَّ التحرك الأميركي يعني أنَّ مثل هذه الصفقة قد تشمل تشكيل حكومة جديدة في قطاع غزة، ستضم السلطة الفلسطينية، وتجديد الجهود لإحياء حل الدولتين، وتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وتشكيل محور إقليمي قوي يتصدى لإيران”.
ومن المقرر أن يصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى المنطقة يوم الأحد، 4 شباط، للترويج لهذه المبادرة.
وتعمل الإدارة الأميركية وفق إطار زمني مُقيِّد وضيق لا يتفهمه الإسرائيليون. فأولاً، تمارس الدول العربية ضغوطاً عليها لوقف الحرب في غزة قبل شهر رمضان، الذي يبدأ في الأسبوع الثاني من شهر آذار.
وثانياً يجب أن تبدأ الخطة الإقليمية الطموحة في التقدم خلال فصل الربيع، قبل أن يدخل السباق الرئاسي الأميركي أشهره الأخيرة قبل انتخابات تشرين الثاني.
وقد شرع فريق الرئيس جو بايدن في حملة إعلامية طويلة بين كبار المعلقين الإعلاميين الأميركيين من أجل تقديم هذه المبادرة، التي صار يُطلَق عليها إعلامياً بالفعل اسم “عقيدة بايدن للشرق الأوسط”.
ورغم أنَّ الخطة معقدة للغاية، ومليئة بالعناصر المختلفة التي تعتمد على حسن نية جميع الأطراف (وهو احتمال مشكوك فيه)، فإنَّ البيت الأبيض يحاول إظهار التفاؤل.
وتفترض واشنطن أنَّ “ولي العهد محمد بن سلمان مهتم بتوقيع اتفاقية دفاع مع الولايات المتحدة، إلى جانب اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، قبل انتخابات تشرين الثاني”.
وفي موازاة ذلك، تنظر الولايات المتحدة إلى المبادرة الإقليمية باعتبارها طوق نجاة محتملاً لنتنياهو، الذي ضعفت مكانته الداخلية إلى حد كبير بعد عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول، لكن في الوقت الحالي، يتبنى نتنياهو موقفاً مخالفاً وعنيداً، ويقدم نفسه على أنه مستعد لفعل كل ما يلزم لمنع قيام الدولة الفلسطينية وإحباط أية محاولة لإدراج السلطة الفلسطينية أو غيرها في حل “اليوم التالي لنهاية الحرب” في قطاع غزة، في تحدٍّ واضح للإدارة الأميركية.
وفي هذا السياق، من المهم النظر إلى الأهداف التي تجنبت الولايات المتحدة قصفها رداً على هجوم نفذته ميليشيات موالية لإيران في العراق، وقُتِل فيه ثلاثة جنود أميركيين بطائرة انتحارية بدون طيار على الحدود الأردنية السورية. إذ لم تقصف الولايات المتحدة أهدافاً على الأراضي الإيرانية، مكررةً ادعاءاتها بأنها غير معنية بمواجهة عسكرية شاملة مع إيران.
وحرصت على إصدار تحذيرات مبكرة حتى تتمكن إيران من إجلاء كبار الضباط الذين قد يُصابون في هذه الضربات الجوية.
وركزت الهجمات على مراكز القيادة والسيطرة وطرق الإمدادات اللوجستية ومستودعات الأسلحة. وكان هذا يشبه إلى حد كبير ضربات إسرائيلية ضد أهداف مماثلة (إذ وقع هجوم مماثل في منطقة دمشق، يوم الأحد 4 شباط)، على الرغم من أنَّ الهجوم الأميركي كان أكبر في نطاقه.
وفي الصباح السابق للهجوم، ورد أنَّ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن تحدث هاتفياً مع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت.
وبعثت إدارة بايدن برسالة تشير إلى أنَّ هذه ليست نهاية الأعمال الانتقامية، وأنها ستنفذ المزيد من الضربات، وفي الوقت نفسه ردّت الميليشيات بهجمات خاصة ضد القواعد العسكرية الأميركية في العراق.
وكانت المؤسسة الدفاعية الإسرائيلية على علم بطبيعة الهجوم الذي خططت له الولايات المتحدة مسبقاً، لكنها تأمل أن يكثف الأميركيون ردود أفعالهم إذا استمرت الجماعات الموالية لإيران والحوثيون في هجماتهم كما تقول هآرتس.
وخلال الحرب على قطاع غزة، تردَّدت تقارير عن عدد كبير نسبياً من الغارات الجوية الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية في سوريا، التي قُتل فيها عددٌ من كبار أعضاء الحرس الثوري.
في السياق ذاته، وقَّع جو بايدن على الأمر التنفيذي الذي يفرض عقوبات مالية وعقوبات سفر على بعض المستوطنين الذين يهاجمون الفلسطينيين بعنف في الضفة، قبل وقت قصير من تجمع انتخابي في ولاية ميشيغان المتأرجحة، حيث هاجم عدد كبير من السكان العرب الأميركيين في الولايات المتحدة بايدن، بسبب دعمه الشامل إلى حد كبير للهجوم الإسرائيلي على غزة.
وقالت صحيفة “The Guardian” البريطانية إن “البعض يرى أن هذه الخطوة بمثابة محاولة صارخة لاستعادة الدعم بين الناخبين الأميركيين العرب، والذي انخفض في ولاية فاز بها دونالد ترمب في عام 2016، وفاز بها بايدن بفارقٍ أقل من 3% من الأصوات بعد أربع سنوات. ويمكن لترمب أن يفوز بولاية ميشيغان مرة أخرى إذا لم يصوت عدد كبير من الناخبين الذين دعموا بايدن في عام 2020، ما يمنح الرئيس السابق جزءاً رئيسياً من أصوات المجمع الانتخابي”.
وشكَّك يوسف منير، المدير السابق للحملة الأميركية من أجل الحقوق الفلسطينية، في أن الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس سيهدئ الأميركي العربي بسبب دعمه للحرب الإسرائيلية على غزة، والتي أودت بحياة أكثر من 27 ألف فلسطيني من المدنيين. لكنه قال إن هذه الخطوة مهمة، لأنها تمثل جهداً أميركياً غير عادي لفرض عقوبات على الإسرائيليين بسبب انتهاكاتهم لحقوق الفلسطينيين.
ومع ذلك، فإن مدى فاعلية الأمر يعتمد كثيراً على الإرادة السياسية لتصنيف المستوطنين الإسرائيليين العنيفين. إذا قامت الإدارة بذلك بأمانة، فقد يكون لذلك تأثير كبير ليس فقط على المستوطنين العنيفين أنفسهم، بل على شبكة التمويل العابرة للحدود الوطنية بأكملها.
قال منير: “هذا هو الاختبار الذي سيخبرنا ما إذا كان هذا جهداً جاداً لمعالجة مشكلة حقيقية على الأرض أم جهداً غير جاد لمحاولة حفظ ماء الوجه لبايدن، في عام انتخابي يغضب فيه الناخبون من تعامله مع فلسطين”.