ذكر موقع “الجزيرة” أن المعارك أظهرت حقائق ومعطيات جديدة في مواجهة التصريحات والروايات الإسرائيلية المتلاحقة، سواء في أعداد قتلى جيش العدو، أو ما حرصت المقاومة على بثه على امتداد الأيام الـ110 من مشاهد حملت عناوين لخصت المعركة، أبرزها: الأنفاق، والمسافة صفر، والميركافا، والنمر، والياسين 105.
وبالتوازي مع ذلك، يواجه الجيش الإسرائيلي انتقادات واسعة من أطراف في الحكومة الإسرائيلية مع تحميله الفشل في منع هجوم السابع من تشرين الأول الماضي، والفشل في تحقيق أي من أهداف الحرب حتى الآن.
ومنذ أول خطاب له بعد صدمة السابع من تشرين الأول الماضي، حين أطلقت المقاومة الفلسطينية عملية “طوفان الأقصى”، حدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هدفين رئيسيين لحربه التي أعلنها، وهما: محو كل وجود لحركة حماس في القطاع والإفراج عن المحتجزين لديها.
ويتوسع محللون في الأهداف الإسرائيلية من الحرب، متحدثين عن 4، وهي:
– القضاء على قيادة حركة حماس وإنهاء حكمها لقطاع غزة.
– تدمير البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية.
– تحرير الأسرى الإسرائيليين.
– تهجير سكان غزة إلى سيناء.
ومرت الأيام وتوالت خطابات نتنياهو، ومن بعده أعضاء مجلس الحرب الذي شكّله، كما صبت قوات الاحتلال نيران غضبها على القطاع المحاصر منذ أكثر من 17 عاما، فاستشهد وأصيب عشرات الآلاف، ودُمرت آلاف البيوت على ساكنيها، ولم يسلم من القصف مسجد أو مشفى أو مدرسة أو غيرها.
ومع مرور الأيام دون انتصار إسرائيلي ولو جزئي، بدأت الأهداف الإسرائيلية تتراجع، وانخفض سقفها بشكل واضح، وأُعلن عن هدف آخر هو تغيير السلطة الحاكمة في غزة وإبعاد حماس عنها.
ومؤخرا، تنقل صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤول أمني إسرائيلي كبير قوله إن “هدف الجيش الإسرائيلي الرئيسي هو تدمير هيكل قيادة حماس في غزة، وبمجرد تحقيق ذلك فإن أفراد الحركة سيشكلون تهديدا أقل ويمكن هزيمتهم مع تطور الصراع من مرحلة القتال العنيف إلى مرحلة أقل حدة”.
أما صحيفة “واشنطن بوست” فنقلت عن مصادر مطلعة تأكيدها أن وجهة نظر واشنطن وكثير من قادة الجيش الإسرائيلي هي أن إسرائيل بعيدة عن هزيمة حركة حماس.
والعجيب أن الحديث الطويل الذي كرره نتنياهو مرارا عن “غزة في اليوم التالي للحرب”، انقلب عليه؛ إذ تنقل “إن بي سي” عن مسؤولين أميركيين أن إدارة الرئيس جو بايدن تتطلع إلى ما بعد نتنياهو لتحقيق أهدافها في المنطقة، وأنها تحاول وضع الأساس مع قادة إسرائيليين آخرين تحضيرا لتشكيل حكومة ما بعد نتنياهو.
أما صحيفة “نيويورك تايمز” فنقلت السبت الماضي عن قادة عسكريين إسرائيليين تأكيدهم أن هدفي الحرب، وهما استعادة الأسرى وتدمير حماس، بات مستحيلا تحقيقهما معا، مؤكدين أن المعركة الطويلة الأمد اللازمة لتدمير حماس ستكلف على الأرجح حياة الأسرى، ومشيرين إلى أن استعادتهم ممكنة فقط من خلال الوسائل الدبلوماسية لا العسكرية.
وقال هؤلاء القادة الإسرائيليون إن معارك غزة عرقلتها بنية حماس التحتية الأكثر تطورا مما ظنته المخابرات الإسرائيلية، معربين عن خشيتهم من أن يؤدي طول الحملة على غزة من دون خطة لما بعد الحرب إلى تآكل دعم من تبقى من الحلفاء.
ونقلت “يديعوت أحرونوت” أن قوات الاحتلال فوجئت بأن حجم الشبكة أكبر بنحو 600% عما كانت تتوقع.
وبكلمات واضحة، تقول صحيفة هآرتس “من العسير رؤية طريق واضح لنصر عسكري حاسم لإسرائيل”.
تداعيات على الداخل الإسرائيلي
وعلى الصعيد الداخلي، لم يكن الغضب في الشارع الإسرائيلي هو العامل الوحيد الضاغط على حكومة بنيامين نتنياهو؛ فالهزات الارتدادية لزلزال حرب غزة تلاحقت منذ الساعات الأولى للسابع من تشرين الأول الماضي، والأزمة في مربع التحالف الحكومي لم تعد خافية، ولعلها من بين ما سيحدد مآلات الحرب.
ويمكن تلخيص التداعيات السلبية التي أصابت إسرائيل من المعركة فيما يلي:
– انقسام سياسي حاد داخل النخبة الحاكمة في إسرائيل، سواء الائتلاف الحكومي أو مجلس الحرب؛ ففضلا عن غياب الانسجام بين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت وعضو مجلس الحرب بيني غانتس، وضبابية الصورة بشأن مرحلة ما بعد الحرب على غزة، فإن شرخا آخر أخذ بالاتساع يوما بعد آخر بين القيادتين السياسية والعسكرية.
– انقسام حاد في الرأي العام الداخلي إلى موقفين، أحدهما يطالب بتكثيف الضربات ضد القطاع، والآخر يدعو لخيار التفاوض مع حماس من أجل إطلاق سراح الأسرى.
– فشل مخطط تهجير سكان غزة في ظل تمسكهم بأرضهم ورفض الخروج منها.
– خسارة معركة الرأي العام العالمي؛ إذ نزل الملايين في شوارع دول مختلفة للمطالبة بوقف إطلاق النار ومحاسبة إسرائيل على جرائمها، في حركة تضامنية عالمية تجاوزت الأديان والأعراق والثقافات والجنسيات، ووحدها إيمان جماعي بالحق الفلسطيني.
– تراجع الدعم الدولي لإسرائيل على خلفية المجازر التي ترتكبها في غزة، وفي المقابل تزايد الدول التي تنتقد السياسة الإسرائيلية كجنوب أفريقيا وإسبانيا وأيرلندا، بل إن مواقف بعض الدول التي عُرفت تاريخيا بالتأييد المطلق لإسرائيل -كفرنسا على سبيل المثال- تحولت إلى مطالبتها مرارا بوقف إطلاق النار.
– مثول إسرائيل للمرة الأولى في تاريخها أمام العدالة الدولية ممثلة في محكمة العدل الدولية في لاهاي.