مقالات
هجوم سيدني في ميزان الربح والخسارة الصهيوني!

جاء الهجوم في سيدني ضد حفل يهودي لحركة حباد الإسرائيلية، بعد أيام من تخصيص مبلغ كبير في موازنة عام 2026 المالية الإسرائيلية، بهدف تحسين صورة “إسرائيل” في العالم، مبلغ هائل قيمته 2.35 مليار شيكل، يُصرف مليار شيكل منها كتفويض إنفاق لتمويل حملات في شبكات التواصل الاجتماعي والتعاون مع منظمات المجتمع المدني، وجلب وفود إلى داخل الكيان الإسرائيلي من قادة الرأي وأعضاء برلمانات ومؤثّرين وغيرهم.
في وقت علّق فيه نتنياهو بهذا الخصوص، وهو الذي دفع باتجاه زيادة ميزانية الإعلام والدبلوماسية العامة، قائلاً في جلسة الحكومة، إن الظروف تغيّرت، وبناءً على هذا التغير يجب أن تتغيّر الأدوات، وأضاف أنه “علينا العمل بشكل أساسي نحو الخارج بأدوات جديدة، ولذلك طلبتُ دفع هذا المسار وهذه الميزانية، علينا الاستعداد بطريقة مختلفة”.
يفيد هذا التخصيص في الموازنة الإسرائيلية، مع تعليق نتنياهو ودعمه، بأن توجهاً إسرائيلياً جديداً قد بدأ، وهو توجه مدعوم بسخاء اليمين المتطرف في الحكومة وفي الكنيست، وقد علمنا وجهة مليار شيكل من هذا المبلغ الكلي، فأين ستذهب بقيته وهي 1.35 مليار شيكل؟ هل ستذهب إلى عمليات خارجية خاصة بالموساد؟ أم هي لدعم جاليات وهيئات ومؤسسات عالمية بصورة رشوات وعمليات تجنيد في طراز مختلف عن المألوف؟
يبدو المشهد الإسرائيلي متناقضاً في التعامل مع آثار هجوم سيدني، وقد بدأت تُرجَّح خلفية المنفذين وميولهم لتنظيم داعش، وسبق أن ثبت أن داعش وأنصاره ميدان مفتوح للعمل بكل الاتجاهات، فالأميركي قد يخترق داعش ومعه الإسرائيلي لتنفيذ عمليات بالنيابة، والإيراني أيضاً سبق أن فعل ذلك في اليمن والعراق وحتى أفغانستان ضد الأميركيين، من دون وعي من المنفذين بخلفيات الأمر أو منبعه بسبب طبيعة أدوات العمل والتواصل الغامضة القابلة لاختراق القوى الاستخبارية والأمنية المتعددة.
والدواعش يكونون غالباً متحفزين دينياً لضرب (الكفار)، والكفر في فكر داعش مفتوح هو الآخر داخلياً وخارجياً دونما ضوابط شرعية أو عقلية، فقد يكون الكافر مسيحياً أو يهودياً أو مسلماً مخالفاً حتى لو ارتدى جلابية وأطلق لحية ونادى بفتاوى ابن تيمية وابن عبد الوهاب.
تناقض المشهدية الإسرائيلية الإعلامية في قراءة هجوم سيدني، يبدو ملتبساً بعيداً عن فرضية التوجيه والاختراق الأمني سواء كان إسرائيلياً أم غيره، أم هو محض عمل فردي بريء أراد الرد على وحشية “إسرائيل” في غزة، وقد نفذه مسلمان هما والد وابنه بدافع ديني صادق، والهدف لم يكن محض يهود أي يهود.
وقد ثبت أن غالبية يهود العالم بما فيها أستراليا وأميركا وبريطانيا وقفوا ونددوا بالوحشية الإسرائيلية، وهجوم سيدني استهدف في جوهره حركة إسرائيلية استيطانية، بل هي تمثل جوهر وروح الاستيطان الصهيوني في فلسطين كلها من نهرها إلى بحرها.
هذا التناقض في قراءة الحدث الأسترالي انسحب أيضاً على مجمل القراءات العالمية، بما فيها الفلسطينية والعربية، ففي الوقت الذي يمعن فيه الكيان الإسرائيلي وداعموه والمتواطئون معه بأداء إجرامي يومي في غزة والضفة ولبنان وسوريا، حتى بعد وقف حرب الإبادة، فإن العرب والمسلمين وكل المظلومين في العالم، يترقبون عجيب صنع الله في إساءة وجوه بني إسرائيل، بعد أن عجزت قوى المقاومة عن لجم هذا الإجرام الإسرائيلي بإمكاناتها المتواضعة.
خاصة بعد أن تخلفت أطياف واسعة من الأمة عن نصرتها، فجاء هذا الحدث كعقاب سقط فيه مثلاً الحاخام الاستيطاني إيلي شلانغر، وهو ممن أسهموا في حملات جمع التبرعات اليهودية للاستيطان، بل والتقط صوراً مع الجنود الإسرائيليين في قطاع غزة، غير بعيد عن المنزل الذي حوّلته منظمة حباد إلى مقر لها في خان يونس، وهو مبعوث منظمته إلى أستراليا وراعي الحفل المستهدف.
مقاربة الأرباح والخسائر:
يدفعنا هذا التناقض والحيرة في التعقيب على هجوم سيدني، للنظر إليه بحيادية علمية من خلال مجمل الأرباح والخسائر الإسرائيلية المترتبة عليه، فما هي الأرباح الإسرائيلية أولاً:
أولا: سمح الحدث لنتنياهو وعصابته المتطرفة بأن يتلبّسا بدثار الجالية اليهودية الأسترالية، باعتبار مظلوميتها كطرف مدني مستهدف بـ(الإرهاب) على خلفية انتماء ديني، مع سيل من الأكاذيب، حتى وصل الأمر بنتنياهو إلى أن يصف الأسترالي الذي سيطر على أحد المنفذين بـ(البطل اليهودي) ليتبين أنه (مسلم) وليس يهودياً.
ثانياً: إعادة اجترار شعار العداء للسامية واختزاله باليهود بل بــ “إسرائيل”، وأن الهجوم وقع نتيجة الموقف السياسي لأستراليا المؤيد لإقامة دولة فلسطينية، وحيث جاء التنديد الأسترالي بالإجرام الإسرائيلي باعتبار أنه عداء للسامية.
ثالثاً: تعزيز الدعاية الإسرائيلية بضرورة هجرة يهود العالم إلى “إسرائيل”، لكونها المكان الآمن مقابل ما يتعرض له اليهود من مخاطر في كل أنحاء العالم، وفي هذا الهجوم دفع ليهود أستراليا البالغ عددهم 127-125 ألفاً، بأولوية الهجرة لأن حكومة أستراليا عاجزة عن حمايتهم، في وقت تقاتل فيه “إسرائيل” على عدة جبهات وتحمي مواطنيها.
رابعاً: خلط كفاح المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، بعمليات داعش وأطراف آخرين سلفيين باعتبارهم “الإرهابي” المجمع عليه عالمياً، وهو خلط عمل عليه نتنياهو بشكل واسع بعد هجوم أكتوبر 2023، وقد لوحظ إعادة ضخ هذا الخلط بعد هجوم سيدني عبر المقارنة بين الهجومين.
في مقابل هذا الاستثمار الإسرائيلي لهجوم سيدني، هل هناك خسائر إسرائيلية يمكن عبر تعيينها، عقد مقارنة بالأرباح ليكون بالإمكان ترجيح حقيقة ما يقال عن خلفية هذا الهجوم ومدى فائدته أو ضرره على مستوى المظلومية الفلسطينية والعربية والإسلامية والإنسانية في مواجهة الإجرام الإسرائيلي وهو يضرب في كل الاتجاهات؟
يمكن رصد خسائر إسرائيلية واضحة في هجوم سيدني تتعدى الخسائر بالأرواح لإسرائيليين وليس فقط يهود، فإن “إسرائيل” لا تأبه لأرواح يهود العالم، بل هي مستعدة لقتلهم إن وقفوا ضد سياستها، وحتى من دون ذلك فقد ثبت تاريخياً أن العصابات الصهيونية استهدفت يهود العراق لدفعهم غصباً نحو الهجرة إلى فلسطين، فما هي هذه الخسائر الإسرائيلية من هجوم سيدني؟
أولاً: سقوط إسرائيليين ومنهم شخصيات قيادية في حركة حباد الاستيطانية، يعتبر بحد ذاته خسارة إسرائيلية مباشرة، فهؤلاء ليسوا مجرد يهود بل هم يهود إسرائيليون يعملون على تعزيز الهجرة والاستيطان في فلسطين، بما تمثله استراتيجية الهجرة والاستيطان من عصب المشروع الصهيوني.
ثانياً: بقدر ما ضرب الهجوم أمن أستراليا، فقد ضرب قدرات الموساد ومنظومة الأمن الإسرائيلية، باعتبارها المسؤولة المباشرة عن حماية أمن الإسرائيليين حيثما ذهبوا أو ارتحلوا، خاصة وهم في مهمات تتعلق بالمشروع الصهيوني المباشر.
ثالثاً: أثر الهجوم على هيبة الردع الإسرائيلية في العالم، في وقت يحرص فيه نتنياهو بكل غطرسة، على أن يتبجح بالقضاء على التهديدات الإيرانية وضرب جبهة غزة ومخيمات شمال الضفة ولبنان واليمن والتوغل في عمق جنوب سوريا، وتنفيذ عمليات إسرائيلية عابرة للحدود على امتداد العالم، يأتي هجوم سيدني ليمس بهذه الهيبة ويضع “إسرائيل” أمام حقيقة جرائمها وردود الفعل العالمية ضدها حيثما ذهب الإسرائيليون.
رابعاً: مسّ الهجوم باستراتيجية منع النموذج القابل للتكرار، وهي استراتيجية إسرائيلية حرصت فيها على تشويه أو تحطيم جوانب النجاح أو دفع الثمن المضاعف تجاه أي عمل مضاد لها يحظى بمواصفات النموذج المشجع على التكرار، وفي هجوم سيدني ظهر المنفذان وهما برباطة جأش ويطلقان الرصاص بقدر من الانضباط وقد خلّفا عدداً من القتلى والجرحى ما يؤكد نجاح العملية، وما تحمله من تشجيع على التكرار خاصة أن المنفذين طلبا من المارة الابتعاد، باعتبار أن لهم هدفاً نارياً محدداً، خاصة أن هناك متابعة لوصول إسرائيليين وشخصيات مهمة تم استهدافها بنجاح.
عند مقاربة هذه الخسائر الإسرائيلية بالأرباح التي تحققت من هجوم سيدني، يتضح أننا أمام صفقة خاسرة، فلا يمكن لعاقل إسرائيلي أن يقبل بهذه الخسائر مقابل هذه الأرباح، إلا إذا كان جنون نتنياهو وفريقه المتطرف وصل مرحلة إضافية من المس بالأسس التكوينية لدولة الكيان، بل والمس بإنجازات الحرب التي يتبجح بها صبح مساء، وجوهرها ينصب على سياسة الردع لحماية الإسرائيليين في كل مكان من العالم.
لذا بادرت “إسرائيل” نحو تفعيل استراتيجية إدارة الأزمات، عبر توجيه الأحداث بما يحول الأزمة إلى فرصة، فالهجوم قد وقع وما على “إسرائيل” وفق ذلك إلا العمل لتوجيه عقاربه بما يخدم سياسة “إسرائيل”، في توجيه المزاج الشعبي العالمي باتجاه خطر معاداة السامية، خاصة مع ضعف الإعلام العربي والإسلامي وتوجسه من أي نشاط مرتبط بفكر داعش حتى لو لم يرتبط بتنظيم داعش، خاصة أن فكر داعش ينصب في جوهره داخل البيت الإسلامي وليس خارجه، فقتال المرتد أولى في عقل داعش من قتال الكافر الأصلي، وعندما يشذ نشاط للدواعش ضد الأميركيين أو الإسرائيليين، فإن قدرتهم تبعاً لذلك تتعزز في احتوائه وتوجيهه بما يخدم مصالحهم بالنتيجة.
بكل الأحوال، رسخ هجوم سيدني صورة “إسرائيل” كفاعل أو مفعول به، باعتبارها رأس الصراع العالمي، لذا لم يتأثر جمهور أمستردام بعد ساعات من هجوم سيدني، لكي يواصل تنديده بالسياسة الإسرائيلية وهي تواصل جرائمها، وليس ثمة خلاص لمسلسل الدماء من غزة حتى سيدني إلا بإغلاق ملف مظلومية الشعب الفلسطيني، ووضع حد للوحشية الإسرائيلية المدعومة من الغرب، حيث يدفع هذا الغرب ومن خلفه كل مفرداته التكوينية بما فيها الجاليات اليهودية ثمن هذا الدعم.
الميادين
المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع "صدى الضاحية" بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و"الموقع" غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.



