لطالما كان القائد محمد الضيف هدفًا رئيسيًا في مخططات الاغتيال الإسرائيلية، نظرًا لدوره البارز في تطوير القدرات العسكرية لكتائب القسام، وقيادته لعمليات نوعية هزت منظومة الأمن الإسرائيلية، نجا الضيف من أكثر من سبع محاولات اغتيال، تاركًا خلفه بصمة استثنائية في العمل المقاوم، حتى أطلقت عليه أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ألقابًا مثل “رجل الظل” و”صاحب الأرواح التسعة”.
وعلى الرغم من كل المحاولات الإسرائيلية لاغتياله، ظل الضيف حاضرًا في ساحة المعركة، يوجه المقاومة ويضع استراتيجياتها حتى ارتقائه شهيدًا.
توقيت الإعلان..رسائل أمنية واستراتيجية:
اختارت كتائب القسام إعلان استشهاد الضيف ورفاقه في توقيت مدروس يحمل رسائل متعددة، فقد جاء الإعلان بعد مرور أكثر من أسبوعين على وقف إطلاق النار، وبعد أن حاول الاحتلال الإسرائيلي استغلال الاغتيالات كدليل على نجاحه المزعوم في تفكيك المقاومة.
لكن تأخير الإعلان كشف عن قدرة المقاومة على إدارة المعلومات بوعي أمني، وأكد أنها احتفظت بزمام المبادرة حتى في أصعب اللحظات.
كما أوضح الناطق باسم حركة حماس، حازم قاسم، أن الإعلان تأخر لأسباب أمنية وميدانية، حيث خضعت تحركات قادة المقاومة لرقابة مكثفة من الاحتلال، بمشاركة طائرات استخبارية أمريكية وبريطانية، مما جعل التحقق من التفاصيل وإتمام الإجراءات اللازمة شرطًا أساسيًا قبل الإعلان الرسمي عن استشهاد القادة.
طمأنة الحاضنة الشعبية وترسيخ ثقة المقاومة:
لم يكن الإعلان مجرد خبر، بل كان رسالة طمأنة للحاضنة الشعبية، تؤكد أن قادة المقاومة كانوا في قلب المواجهة ولم يختبئوا كما حاول الاحتلال الترويج.
ويشير المحلل سليمان بشارات إلى أن هذا الإعلان يعزز ثقة الفلسطينيين بمقاومتهم، ويؤكد أنهم قدموا تضحيات جسيمة في سبيل القضية، كما أن تأخير الإعلان حال دون استغلال الاحتلال لهذه الاغتيالات في تعزيز دعايته الإعلامية خلال المعركة.
هل تأثرت المقاومة باستشهاد الضيف ورفاقه؟
على الرغم من أن استشهاد محمد الضيف ورفاقه يشكّل خسارة فادحة للمقاومة الفلسطينية، فإن بنيتها العسكرية والتنظيمية لم تتأثر بشكل جوهري.
فقد أكد إبراهيم المدهون، مدير مؤسسة فيميد للإعلام، أن كتائب القسام أعادت ترتيب صفوفها سريعًا، وعينت قيادات جديدة لضمان استمرار العمل العسكري بنفس الفاعلية.
وأوضح أن القسام تعتمد على منظومة متماسكة لا ترتكز على الأفراد فقط، بل على هيكلية عسكرية مدروسة تجعلها قادرة على تجاوز أي خسائر قيادية مهما بلغ حجمها.
الاغتيالات.. فشل استراتيجي للاحتلال:
ورغم استهداف الاحتلال المتكرر لقيادات المقاومة، إلا أن الوقائع تثبت أن هذه السياسة لم تحقق أهدافها، فالخبير في الشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى يرى أن عمليات الاغتيال لم تؤثر على استراتيجية حماس أو قدرتها على إدارة المواجهة، بل على العكس، أظهرت مدى مرونة الحركة في تعويض قادتها ومواصلة العمل العسكري بنفس القوة والفاعلية.
ويشير إلى أن الاحتلال لطالما حاول استثمار عمليات الاغتيال كوسيلة لردع المقاومة، لكنه فشل في تحقيق هذا الهدف، فحركة حماس، رغم خسائرها القيادية، لا تزال تحتفظ بزخمها العسكري والسياسي، وما زالت تشكل تهديدًا حقيقيًا للاحتلال، مما يعكس فشلًا استراتيجيًا ذريعًا لمحاولات تصفيتها عبر استهداف قادتها.
الضيف يرحل والمقاومة باقية..
برحيل محمد الضيف، تفقد المقاومة الفلسطينية أحد أبرز قادتها، لكنه يظل رمزًا خالدًا في تاريخ النضال الفلسطيني، لم يكن مجرد قائد عسكري، بل كان عقلًا استراتيجيًا رسم ملامح مرحلة جديدة في مقاومة الاحتلال.
وترك إرثًا سيظل مصدر إلهام للأجيال القادمة، وكما أثبتت المقاومة مرارًا، فإن غياب القادة لا يعني نهاية المسيرة، بل هو بداية لمرحلة جديدة من الصمود والتحدي.