في خضمّ النقاشات السطحية على مستوى الاصلاح المالي أو المصرفي أو الاقتصادي، منتج جديد بدأت المصارف بترويجه منذ حوالى الشهر، يلقى إقبالاً ملحوظاً من قبل المودعين، هو عبارة عن حسابات مصرفية جديدة بالليرة تجمّد على شهر أو 3 أشهر أو 6 أشهر وتصل إلى السنة بفوائد تتراوح بين 25 لشهر واحد، 30% لـ 3 أشهر و35% لـ 6 أشهر وصولاً إلى 40 في المئة وحتّى 45% لدى بعض المصارف للحسابات المجمّدة لسنة.
وقد أكد مصدر مصرفيّ أنه عند طرح هذا المنتج لم تكن المصارف ذاتها تتوقع أن يلقى إقبالاً في ظلّ عدم الثقة بالعملة المحليّة وبالمصارف، وفي ظلّ ما أصاب المودعين من مصائب منذ أزمة العام 2019 لغاية اليوم. إلا أن هذا المنتج يلقى رواجاً وإقبالاً كبيراً حالياً، وحفّز بعض المودعين على تحويل دولاراتهم إلى الليرة لتجميدها وكسب الفوائد، إما لدى الصرّافين أو لدى المصارف ذاتها.
ما أدّى إلى طلب كبير على الليرة لدى الصرّافين في الأيام القليلة الماضية لدرجة أن العملة الوطنية فُقدت لدى بعض الصرّافين في منطقة الحمرا على سبيل المثال.
في هذا الاطار، أوضح الخبير الاقتصادي ميشال قزح لـ “نداء الوطن” أن الدافع أوّلاً بالنسبة للمصارف لابتكار هذا المنتج وتسديد فوائد تصل إلى 45% على الإيداعات الجديدة بالليرة، يعود لممارستها في العام 2023 عندما كان مصرف لبنان يسعى لسحب الليرة من السوق، وعندما كانت المصارف تستلف الليرة بفائدة تصل إلى 100% (interbanking rate) لشراء الدولارات من السوق.
نتيجة لذلك، أصبح عدد كبير من المصارف في وضعيات مكشوفة لمصرف لبنان الذي طلب منها مؤخراً تسديد تلك الكشوفات بالليرة. مما دفعها في ظلّ الخيارات القليلة المتاحة لتأمين الليرات، إن من خلال تأمين الدولارات وتحويلها إلى الليرة أو من خلال استلاف الليرات مجدداً من مصارف أخرى بفائدة 100%، أو من خلال ما ابتكرته المصارف واشتراه المودعون حالياً، وهو تجميد حسابات جديدة بالليرة بفوائد تصل إلى 45%. وبما أن الخيار الثالث، تسديد فائدة 45% بدلاً من 100% هو الأقلّ كلفة على المصارف، فقد تمّ اعتماد هذا “المنتج” حديثاً ولقي إقبالاً من قبل المودعين الذين تهافتوا لدى الصرافين لتأمين الليرات وتجميدها بفوائد عالية.
وفي السياق، أوضح مصدر مصرفي، أن المصارف لا تحتاج إلى الليرات من أجل تسديد مستحقات لمصرف لبنان، بقدر حاجتها إلى تلبية زبائنها الذين يريدون السحب من دولاراتهم القديمة على سعر 15 ألف ليرة.
وبالتالي، وطالما أن مصرف لبنان يعتمد سياسة تقليص حجم الكتلة النقدية بالليرة، تفضّل المصارف تأمين الليرات عبر دفع فوائد مرتفعة، طالما أن أسعار الفوائد بين البنوك غالباً ما ترتفع إلى أرقام قياسية، عندما يكون هناك شحّ في الليرات في السوق.
أما الدافع بالنسبة للمودعين الذين من المفترض أنهم لم يستعيدوا الثقة بعد بالقطاع المصرفي، وهم اليوم يودعون الـ fresh ليرة أو دولار في المصارف، فقد أكد قزح انه التفاؤل بالأجواء الإيجابية المستجدّة في لبنان وسوريا، والأمل بتحسّن الأوضاع على كافة الأصعدة، أو أقلّه عدم تدهورها والحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة على حاله، وهو الأمر الذي نجح به مصرف لبنان خلال أشهر الحرب الماضية.
وشرح أن من يقوم بتجميد حسابات بالليرة لشهر أو 3 و 6 أو سنة، يخاطر من أجل تحقيق المكاسب ويراهن على أن الليرة إما ستحافظ على استقرارها أو سيتحسّن سعر صرفها مقابل الدولار، على غرار ما حصل في سوريا.
كما أن الأجواء الإيجابية لمن يجرؤ على تجميد إيداعاته، نابعة من التفاؤل بإمكانية انتخاب رئيس للجمهورية في 9 كانون الثاني المقبل سيخلق صدمة إيجابية.
وذكّر قزح أن موجة شبيهة بما يحصل الآن، حصلت في التسعينات، أيام الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي دعا إلى شراء سندات خزينة بالليرة مقابل فوائد تبلغ 40% وكانت النتيجة آنذاك مضمونة.
“ورغم أن التفاؤل اليوم ليس بالمستوى الذي كان عليه أيام الحريري، إلا أنه موجود لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين”، وفقاً لقزح، الذي أشار إلى أنه في ظلّ عدم إمكانية إصدار سندات خزينة، استنسخت المصارف تلك التجربة من خلال تجميد حسابات بالليرة بفوائد تصل إلى 40%.
وقال قزح إن سعر صرف الليرة كان من المفترض، خلال الأيام الـ 15 الماضية التي شهدت طلباً كبيراً على الليرة في السوق، أن يشهد تحسّناً مقابل الدولار، “لو لم يكن مصرف لبنان يعمد إلى تثبيته عند المستويات الحالية بقرار منه”.
وتوقع قزح أن تظهر ميزانية مصرف لبنان المفترض صدورها في اليومين المقبلين، ارتفاعاً في احتياطه من العملات الأجنبية نتيجة موجة تحويل الدولارات إلى ليرة في الأسبوعين الماضيين من أجل إيداعها في المصارف. موضحاً أن مصرف لبنان يعمل حالياً على سحب الليرة من السوق، عبر المصارف من خلال الليرات التي يتم تجميدها، كما يعمل على سحب فائض الدولارات التي يتم تحويلها إلى الليرة لإيداعها في المصارف، وبالتالي فإن البنك المركزي يضمن أن حجم الكتلة النقدية بالليرة لن يتغيّر وسيبقى عند حدود الـ500 مليون دولار.
نداء الوطن