في الافراح والأتراح يحل الرصاص الطائش ضيفا ثقيل الظل، متربصا دون قصد، “فهو طائش” بحياة الناس الابرياء، ليحصدها سارقا الحياة، وكأن مطلق الرصاص يريد إبراز “قوة فائضة” أو “رجولة مفقودة” غير مكترث لعواقب فعله اللامسؤول.
ظاهرة إطلاق الرصاص في لبنان، تعود إلى ما قبل الحرب الأهلية اللبنانية بحسب ما أكد مؤسس جمعية “سايف سايد” حسين ياغي (الجمعية تعنى بالتوعية حول الرصاص الطائش والسلاح المتفلت)، حيث كان وسيلة للتواصل بين القرى، فاطلاق رصاصتين في الهواء كان يعني أن هناك حالة وفاة، أما ثلاث طلقات فكانت تشير إلى دعوة بقية البلدات لمناسبة فرح، وذلك لعدم وجود هواتف وغيرها من وسائل إرسال الرسائل”، مشيراً إلى أن الأمر تطور مع مرور السنين حيث “بدأ إطلاق النار عند وفاة شخصيات مهمة، وبعد الحرب الأهلية انتشرت هذه الظاهرة بشكل كبير في كل المناطق وإن بدرجات متفاوتة، وذلك نتيجة انتشار السلاح بأيدي المواطنين”.
وللحد من هذه الظاهرة، أقر في العام 2016 القانون رقم 71 بهدف تشديد عقوبات مطلقي النار، حيث نص على حبس كل من أقدم لأي سبب كان على إطلاق عيارات نارية في الهواء من سلاح حربي مرخص أو غير مرخص به، من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من ثمانية أضعاف إلى 10 أضعاف الحد الأدنى الرسمي للأجور.
ويصادر السلاح في جميع الأحوال ويمنع الجاني من الاستحصال على رخصة أسلحة مدى الحياة.
أما إذا أدى إطلاق النار إلى مرض أو تعطيل شخص عن العمل مدة تقل عن عشرة أيام، عوقب المجرم بالحبس من تسعة أشهر إلى ثلاث سنوات، وبغرامة من عشرة أضعاف إلى خمسة عشر ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور، وإذا تجاوز المرض أو التعطيل عن العمل العشرة أيام قضي بعقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات فضلاً عن الغرامة السابق ذكرها.
وإذا أدى إطلاق النار الى قطع أو استئصال عضو أو بتر أحد الأطراف أو إلى تعطيل أحدهما، أو تعطيل إحدى الحواس عن العمل، أو تسبب بإحداث تشويه جسيم أو أي عاهة أخرى دائمة أو لها مظهر العاهة الدائمة، عوقب المجرم بالأشغال الشاقة المؤقتة عشر سنوات على الأكثر وبغرامة من خمسة عشر ضعفاً إلى عشرين ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور.
وفي حال أدى إطلاق النار إلى الموت، يعاقب الجاني بالأشغال الشاقة المؤقتة، لا تقل عن عشر سنوات ولا تتجاوز خمس عشرة سنة وبغرامة من عشرين إلى خمسة وعشرين ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور.
على الرغم من وجود قانون، إلا أن أعداد ضحايا الرصاص الطائش تتزايد، لأن أحداً أراد أن “يبتهج” أو أن “يحزن”، حيث وصل إلى 8 قتلى و 18 جريحا سنويا وفق دراسة شركة “ستاتيستكس ليبانون”المبنية على ما شهدته السنوات العشر الأخيرة، مما يعني إما أن القانون غير رادع ولا نفع فيه، أو أنه لا يطبق كما يجب بسبب ضغوط سياسية وطائفية، لمنع ملاحقة المتورطين، مما يقوض هيبة القانون ويشجع على تكرار هذه الظاهرة، وتبقى وصمة عار تلاحق مجتمعنا اللبناني.
مصدر في قوى الأمن الداخلي يؤكد “أن هذه الظاهرة” هي آفة اجتماعية تحتاج إلى علاج من خلال المجتمع، أي عبر الفعاليات ورجال الدين والمدارس والجمعيات، واعتبار كل مواطن نفسه معنياً بها، ويتخلى عن هذه الظاهرة الغوغائية، وأن يدرك حقاً أن الرصاصة تقتل، إضافة إلى الحاجة الى تطوير القوانين”، مضيفاً أن “القضية ليست أمنية فقط”.
ظاهرة الرصاص الطائش تساهم في ترسيخ الشعور بعدم الأمان لدى المواطنين، حتى في الأوقات التي يفترض أن يسودها السلام، حيث يعيش الكثيرون في قلق مستمر وخوف دائم من خسائر في عائلاتهم، فكم من قصص مؤلمة لأطفال فقدوا حياتهم أثناء اللعب أو لأشخاص فقدوا أحبائهم، في مناسبات كانت من المفترض أن تكون مفرحة، مما يؤدي إلى تراجع الثقة في المؤسسات الأمنية.
إذا لا بد من تعزيز دور المؤسسات الأمنية، لملاحقة مرتكبي هذه الجرائم بفاعلية، وتشديد العقوبات على كل من يحمل أو يستخدم السلاح بشكل عشوائي، مع التأكيد على ضرورة تنفيذ الأحكام بالمخالفين دون استثناءات أو ضغوط سياسية، وإطلاق حملات توعية من قبل الدولة بالاشتراك مع الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، تهدف إلى تغيير الثقافة المرتبطة بإطلاق الرصاص الطائش.
ضحايا الرصاص الطائش هم ليسوا ضحايا لحوادث فردية، بل انعكاس لواقع مأزوم يعاني منه المجتمع اللبناني، حيث الفوضى الأمنية وغياب سيادة القانون يشكلان بيئة خصبة لاستمرار هذه الكارثة.
ويبقى السؤال دوما متى ستتخذ التدابير بشكل صارم لإيقاف مسلسل الموت المجاني، ويتخلص لبنان من هذه الظاهرة التي أصبحت وصمة عار تلاحقه.