مقالات

مذكرات اعتقال نتنياهو: هل مررت إدارة بايدن الضوء الأخضر؟

في 21 تشرين الثاني / نوفمبر 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، وكذلك قائد في حماس هو محمد دياب إبراهيم المصري (محمد الضيف).

وخلص قضاة المحكمة إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت مسؤولان عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، بما في ذلك تجويع المدنيين، وتوجيه هجمات متعمّدة ضد السكان المدنيين، والقتل والاضطهاد.

لا شكّ، يشكّل هذا القرار بإصدار مذكرات الاعتقال علامة فارقة في مستقبل “إسرائيل” وعزلتها الدولية، إذ تواجه قضية أخرى في محكمة العدل الدولية بانتهاك اتفاقية إبادة الجنس لعام 1951. ولا بد من إبداء بعض الملاحظات على صدور مذكرات الاعتقال وما المتوقع منها، وذلك على الشكل التالي:

1- مذكرات أصدقاء المحكمة وعدم الشفافية

طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، في 20 أيار / مايو عام 2024 من قضاة المحكمة إصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو وغالانت وبعض قادة حماس. بعدها، تقدمت المملكة المتحدة في 10 حزيران/ يونيو بطلب لتقديم مذكرة بصفة “صديق المحكمة” amicus curiae. وافقت المحكمة، وسمحت في ما بعد، لدول أخرى ومنظمات حكومية بتقديم مذكرات مماثلة.

ويتم تعريف صديق المحكمة في القانون الدولي بأنه “جهة ليست طرفاً في دعوى قضائية، ولكنها تقدم التماساً إلى المحكمة أو تطلب منها المحكمة تقديم مذكرة في الدعوى؛ لأن هذه الجهة لديها مصلحة قوية في موضوع الدعوى”. وفي هذا الإطار، الممارسة المعتادة في عمل المحكمة هي نشر مذكرات أصدقاء المحكمة علناً على موقعها الإلكتروني عملاً بمبدأ الشفافية القانونية، لكن الدائرة التمهيدية الأولى صنّفت طلبات الإذن في هذه القضية على أنها سرية. وبعد تلقيها اعتراضات، قررت لاحقاً أن المذكرات يجب تقديمها علناً، ما أثار شكوكاً بمبدأ شفافية المحكمة في هذه القضية.

المذكرة البريطانية ادّعت أن لا اختصاص للمحكمة للنظر في القضية، زاعمة أن اتفاقيات أوسلو عام 1993 تحظّر اختصاص المحكمة على المواطنين الإسرائيليين. قدمت منظمات حقوقية مذكرات مناقضة، وأكدت أن اتفاقيات أوسلو غير ذات صلة بالمحكمة، وأن الاتفاقيات لا تمنع المحكمة من ممارسة ولايتها القضائية.

علماً أن تحقيقاً مطولاً وعلى مراحل قضائية مختلفة قامت به المحكمة، خلص في شباط/فبراير 2021، إلى أن للمحكمة اختصاصاً قضائياً بشأن الوضع في فلسطين (الضفة الغربية، وغزة، والقدس الشرقية). لاحقاً، سحبت الحكومة البريطانية الجديدة (العمالية) مذكرتها الاعتراضية.

2- الألمان والتحقيق الوهمي الإسرائيلي

قدمت ألمانيا مذكرتها كصديقة للمحكمة، بتاريخ 6 آب/ أغسطس 2024، معترضة على اختصاص المحكمة انطلاقاً من مبدأ “التكامل”، الذي يحكم العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية ونظم العدالة الجنائية الوطنية (المواد 17-19 من النظام الأساسي) . وينص مبدأ التكامل على أن المحكمة لا تقوم بالمحاكمة إلا إذا كان القضاء المحلي في الدولة غير راغب أو غير قادر على القيام بالتحقيق.

زعمت المذكرة الألمانية أن “إسرائيل” لديها نظام قضائي وطني فعّال ومستقل، وأنها لم تُمنح الوقت الكافي لإقامة تحقيقاتها الداخلية بنفسها. وتؤكد المذكرة الألمانية أن الدولة التي تخوض صراعاً مسلحاً يجب التعامل معها بقدر أكبر من التساهل.

علماً أن الزعم بأن لدى “إسرائيل” قضاء نزيهاً لا تؤكده المحاكمات التي يضطلع بها القضاء الإسرائيلي حيال الانتهاكات التي ترتكب بحق الفلسطينيين، لا في الضفة الغربية ولا في قطاع غزة، بالإضافة إلى حجة الصراع المسلح، لم يتم طرحها في قضايا دولية أخرى طرحت أمام المحكمة.

وتلاقياً مع المذكرة الألمانية، ذكرت الصحف الإسرائيلية عن محاولات فتح تحقيق “وهمي” في “إسرائيل” لمنع المحكمة من الاستمرار في تحقيقاتها.

وذكر تقرير القناة 12 الإسرائيلية في 28 تشرين الأول / أكتوبر أن وزير العدل الإسرائيلي ياريف ليفين، بناءً على طلب نتنياهو، طلب من النائب العام جالي بهاراف ميارا فتح تحقيق جنائي ضد نتنياهو وغالانت كوسيلة لمحاولة التحايل على طلب إصدار مذكرة اعتقال ضدهما في المحكمة الجنائية الدولية. ويورد التقرير إن نتنياهو أراد فتح التحقيق ثم إغلاقه، مع تقديم تقرير إلى المحكمة الجنائية الدولية يفيد بأن التهم تم التحقيق فيها وانتهت.

ويقول التقرير إن بهاراف ميارا رفض الطلب، قائلاً إنه خدعة صارخة، ولن يرضي المحكمة الجنائية الدولية. ‏ويعتقد بهاراف ميارا أن لجنة تحقيق حكومية فقط – أعلى مستوى تحقيق في “إسرائيل” – في السابع من تشرين الأول / أكتوبر والحرب التي تلت ذلك في غزة، من شأنها أن ترضي المحكمة. رفض نتنياهو الالتزام بمثل هذا التحقيق، قائلاً إنه يجب أن ينتظر حتى نهاية الحرب. ويقول التقرير إن نتنياهو يخشى أن تكون خدعة قانونية لمحاولة إزاحته من السلطة.

توصل المحكمة الى إصدار مذكرات الاعتقال

وهكذا، استطاعت المحكمة أن تصدر قرارات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت، بالرغم من كل الضغوط، حيث أقر مجلس النواب الأميركي مشروع قانون يسمح بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، كما يفرض عقوبات على المحكمة إذا حققت أو حاكمت أشخاصاً محميين من واشنطن أو حلفائها.

وكان المدعي العام كريم خان قد أعلن في مقابلة تلفزيونية أنه وقضاة المحكمة يتعرضون لضغوط قوية، آخرها كان تهديد خان بفضائح جنسية حيث نشرت صحيفة “دايلي مايل” البريطانية بأن المدعي العام كريم خان، متهم بالتحرش بإحدى المستخدمات، وهو ما نفاه خان بشدة وقال إنه والمحكمة يتعرضان للملاحقة والتهديدات، نافياً الحملة جملة وتفصيلاً. وفي الوقت نفسه، تمت إقالة رئيس القضاة في القضية، الرومانية يوليا موتوك، في تشرين الأول / أكتوبر 2024، لأسباب صحية وحلّت محلها القاضية السلوفينية في المحكمة.

في النتيجة، يمكن التوقع، بالرغم من التصريحات الأميركية، بأن إدارة بايدن سمحت بصدور مذكرات اعتقال بحق نتنياهو الذي أطلق تصريحات مشينة بحق بايدن وإدارته في جلسة الكنيست الأخيرة، مع علمهم بأن “إسرائيل” لن تتعاون مع المحكمة ولن تنفذ مذكرات الاعتقال، وليست ملزمة بذلك أساساً لأنها ليست عضواً في نظامها. وعليه، لا ضرر من إعطاء ضوء أخضر لإصدارها بما أن المذكرات لا تعني قدرة المحكمة على الاعتقال، لكنها تضر بنتنياهو ومستقبله السياسي، وتصيب غروره وغطرسته بمقتل.

الميادين -ليلى نقولا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى