لتأمين الغذاء اليومي، يعتمد عدد كبير من النازحين المقيمين في مراكز الإيواء على المبادرات الأهلية، أو المنظمات الدولية، وما يتبعها من منظمات غير حكومية. وبحسب تقرير لجنة الطوارئ الحكومية، فإنه حتى يوم الأحد الماضي، جرى توزيع 4.5 ملايين وجبة غذائية في 932 مركزاً، 3.9 ملايين منها ساخنة. لكن بعيداً عن العدّ والإحصاء، تغيب الحكومة بشكل تام عن الملف الغذائي للنازحين. ورغم إشارة تقارير المنظمات الدولية إلى أنّ 23% من المقيمين في لبنان يعانون من «انعدام الأمن الغذائي»، إلا أنّ الجهات الرسمية ترمي أعباء النزوح على الجمعيات الأهلية والمبادرات الفردية إلى جانب المنظمات الدولية.
بحسب الورقة المقدمة من الحكومة والمنظمات الدولية العاملة في الحقل الإغاثي في مؤتمر باريس لـ«تلبية الحاجات العاجلة»، أو «flash appeal»، تتطلب مهمّة إطعام مليون شخص، لمدة 3 أشهر، نحو 131 مليون دولار.
لذا، يحتاج البرنامج العالمي للغذاء «WFP» إلى 116 مليون دولار منها، أي ما يوازي 88.5% من التمويل المخصّص لتأمين الطعام. لكن، رغم التجاوب الدولي مع خطوة طلب «التمويل العاجل»، إلا أنّ المبلغ المطلوب، وقدره 426 مليون دولار، يواجه نقصاً في التمويل بنسبة 17%. إذ لم يصل إلى المنظمات الدولية العاملة في الحقل الإغاثي في لبنان سوى 73.4 مليون دولار، وفقاً لتقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «OCHA» الصادر نهاية تشرين الأول الماضي.
ومع دخول الحرب الصهيونية على لبنان شهرها الثاني، يزداد تعقيد أزمة تأمين الغذاء. ففي تقرير منفصل، تذكر منظمة الأغذية العالمية «الفاو» وبرنامج الغذاء العالمي، أنّ عدد المقيمين الذين يواجهون «مستوى عالياً من انعدام الأمن الغذائي» يشمل 1.3 مليون شخص، أي 23% من السكان.
وبحسب تقرير برنامج الغذاء العالمي الخاص بالاستجابة لحالة الطوارئ في لبنان، تواجه عملية توزيع المواد الغذائية مشاكل لوجستية تمنع وصولها إلى السكان، ولا سيّما في المناطق التي تتعرض للاعتداءات بشكل يومي. فكلما زاد بُعد محالّ توزيع وبيع المواد الغذائية عن المركز في بيروت، تفاقمت مشكلة التوزيع. ففي البقاع مثلاً، لا يرسل المورّدون شاحناتهم أبعد من منطقة زحلة. وهذا ما أكّده تقرير برنامج الغذاء، إذ ذكر «تحويل قافلة مساعدات غذائية مخصصة لبعلبك الهرمل إلى زحلة بسبب الأوضاع الأمنية على طرقات المنطقة». وفي الجنوب لا تصل شاحنات المواد الغذائية أبعد من القرى المحيطة بمدينة صيدا.
ووفقاً لـ«مسح سريع» أجراه البرنامج، تبيّن أنّ «82% من السوبر ماركت في منطقة النبطية مغلقة، وفي الضاحية الجنوبية أغلقت 69% من محال بيع المواد الغذائية أبوابها، و25% في بعلبك الهرمل». في المقابل، ذكر التقرير أنّ 56% من السوبر ماركت في الجنوب لا تزال تلبّي طلبات السكان.
وبسبب هذه الصعوبات اللوجستية، لفت تقرير برنامج الغذاء إلى «تدهور» في توزيع المواد الغذائية، حتى في المناطق التي تعدّ «آمنة». ففي عكار مثلاً، «انخفض توزيع المواد الغذائية بنسبة تراوحت بين 30% و83%، بالمقارنة مع الأسبوع الثاني من شهر تشرين الأول الماضي»، بحسب التقرير. وفي منطقة بعلبك الهرمل، وصلت نسبة التدهور في التوزيع إلى 64%.
فيما تحسّنت نسبة التوزيع في البقاع، أي في المناطق التي لا تشهد اعتداءات يومية. وارتفعت نسبة التحسّن إلى 58%. في المقابل، أشار التقرير إلى «استقرار على مستوى المخزون من المواد الغذائية». وهو ما تؤكّده أيضاً التقارير الصادرة عن وزارة الاقتصاد ونقابة مستوردي المواد الغذائية. فطالما الطرق البحرية مفتوحة، والاستيراد شغّال، لن يتضاءل المخزون.
ويشير برنامج الغذاء إلى توزيع حمولة 140 شاحنة من المواد الغذائية، أي 1089 طناً من الطعام منذ بداية الحرب، وتوسع الاعتداءات، في 23 أيلول، حتى اليوم. وذكر التقرير إدخال كميات إضافية من الطعام، قدّرها بـ«1282 طناً من المواد الغذائية». دخل منها 630 طناً عبر مرفأي بيروت وطرابلس. فيما تنتظر 652 طناً إضافية على أرضية المرفأين في بيروت وطرابلس تخليصها، وتوزيعها في لبنان. وفضلاً عن الطرق البحرية، ذكر التقرير وجود «كوريدور» من الأردن، مرّت عبره 13 شاحنة ووصلت إلى بيروت.
أما على صعيد الأسعار، فلا تسجّل المواد الغذائية الاستقرار ذاته الذي يشهده المخزون. إذ ارتفعت قيمة السلّة الغذائية الأساسية للبقاء على قيد الحياة بنسبة 4.5%.
وبلغت 37.4 دولاراً للفرد الواحد شهرياً، فيما وصلت كلفتها قبل الحرب إلى 35.8 دولاراً. بمعنى آخر، تصل كلفة شراء المواد الغذائية الأساسية والضرورية لعائلة مكوّنة من 4 أفراد في لبنان إلى 149.6 دولاراً. كما قام برنامج الغذاء باعتماد «المساعدة المباشرة بالكاش»، ولهذه الغاية وزّع مبلغ 6.37 ملايين دولار، وفقاً للتقرير، على 240 ألفاً و500 فرد. أي ما يقارب 26.5 دولاراً للفرد. وهؤلاء الأفراد غير مشمولين بالمساعدات العينية التي يسلّمها البرنامج للمحتاجين.
التبرعات لتأمين الطعام في بيروت
لولا المبادرات الفردية في عدد من المناطق، لأمكن القول «الناس جاعت». إذ تسبّبت أزمة النزوح بنشوء «خلايا أزمات» صغيرة ومحلية في أحياء العاصمة بيروت. مهمّتها الأساسية تأمين التبرعات ونقلها إلى منازل النازحين ومراكز الإيواء.
في منطقة بربور، يذكر عدد من الشبان أنّهم يقومون بتنسيق مبادرات تأمين وجبات الطعام بين المطاعم والنازحين بشكل شخصي، ومن دون أيّ تدخل من الدولة أو من المنظمات الإنسانية. وخلال الفترة الماضية، تمكّنوا من تثبيت الحصة اليومية من التبرعات التي يجمعونها من المطاعم المحيطة في المنطقة، وبلغت نحو 1200 حصة يومية. تؤمّن هذه الحصص وجبتَي الفطور والغداء لنحو 250 عائلة، علماً أنه تقع على عاتق «شباب خلية الأزمة»، كما يسمّون أنفسهم مهمة نقل الوجبات من المطعم إلى منازل النازحين بشكل أساسي، وإلى المدارس بدرجة أقل.