تزامناً مع إحياء قادة الاحتلال، أمس، ذكرى السابع من أكتوبر، بحضور المئات من عائلات القتلى والأسرى، ضرب «طوفان» جديد المؤسسة العسكرية والاستخباراتية في الكيان، بعد عملية الدهس التي وقعت بالقرب من تل أبيب.
ونفّذ الشاب الفلسطيني، رامي ناطور، العملية النوعية قرب أحد المواقع الحساسة في شمال تل أبيب، متسبباً بإصابة العشرات من الجنود والضباط والعناصر الأمنيين بجروح خطيرة وحرجة، بعد ساعات فقط من إلغاء جيش العدو استدعاء المئات من جنود الاحتياط إلى القواعد العسكرية، بعد بروز تقييمات أمنية تتحدث عن إمكانية حصول رد إيراني يستهدف تلك القواعد.
وفيما نفت عائلة الشاب أن يكون ما جرى عملية دهس متعمّدة، لافتةً إلى أنّه لا يتعدى كونه «حادث سير»، رجّحت شرطة الاحتلال أن ما جرى هو هجوم ذو «خلفية قومية»، مؤكدة أنها باشرت التحقيق فيه.
وتحمل العملية دلالات عدة، ولا سيما في ما يتعلق بمكانها وزمانها وأهدافها، ما يجعلها إحدى أبرز العمليات الفدائية منذ بدء الحرب.
ووسط غياب التفاصيل الكاملة عنها، تشير المعلومات المتوفّرة إلى إصابة العشرات من المستوطنين بجروح وُصفت بعضها بالخطيرة، بعدما تعرّضت حافلة ركاب تحمل على متنها عشرات الجنود والضباط الذين كانوا في طريقهم للالتحاق بالقواعد العسكرية، للدهس من قبل سائق شاحنة، قرب قاعدة «غليلوت» العسكرية والتي تضم مقر جهاز «الموساد» والوحدة «8200»، قبل أن يتم الإعلان لاحقاً عن مقتل مستوطن متأثراً بجروحه.
وبحسب شرطة الاحتلال، فإن «حافلة توقفت قرب المحطة لإنزال الركاب بالقرب من (غليلوت).
وفي تلك الأثناء، وصلت شاحنة مسرعة، واصطدمت بالحافلة والركاب الموجودين في المحطة»، ما جعل حتى مهمة وصول طواقم الإسعاف إلى المصابين المتواجدين تحت الحافلة أكثر صعوبة، علماً أنّ قوات كبيرة من شرطة الاحتلال وأكثر من 100 سيارة إسعاف هرعت إلى موقع الحادثة، في مؤشر إلى وقوع عدد كبير من الإصابات.
وعلى جري العادة، تدخّلت الرقابة العسكرية سريعاً لفرض حظر على نشر أي تفاصيل عن العملية، الأمر الذي جعل هويات المصابين والقتلى، جنباً إلى جنب أعدادهم، مجهولة حتى اللحظة.
لكن طبقاً لمصادر عبرية، فقد تمّ إطلاق النار على منفّذ الهجوم، وهو من مدينة قلنسوة في الداخل المحتل، ما أدى إلى استشهاده.
يحذّر الخبراء من أنّ الانكشاف الأمني والاستخباري ينذر بوجود مشكلة تطاول العمق الاستراتيجي الإسرائيلي
وعرّضت عملية الدهس وزير «الأمن القومي» الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، لموجة من التهجم والسخرية، إذ شنّ زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، هجوماً عليه، قائلاً: «هجوم تلو الآخر في عهد وزير الفشل الوطني بن غفير»، فيما سخر الإسرائيليون، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من بن غفير بعد وصوله إلى موقع الحادثة، مشيرين إلى أنّه حضر مسرعاً «لالتقاط الصور مع الشخص الذي أطلق النار على مُنفّذ العملية».
ولم يمنع ما تقدّم بن غفير من «التفاخر»، من موقع الحادثة، بأنّ خطته في توزيع السلاح «أثبتت أنها صائبة وتساهم في إنقاذ الأرواح»، وأنّ «ما جرى في غليلوت يشكل فرصة لرئيس الوزراء وجميع أعضاء الائتلاف لدعم قانون ترحيل عائلات الإرهابيين».
وأثارت العملية حالة من الخوف والاستنفار الأمني، ودفعت بجيش الاحتلال إلى إجراء عمليات تفتيش واسعة في موقع الحادثة، خشية وجود عبوات ناسفة في المكان، ولا سيما بعد حديث وسائل إعلام عبرية عن أنّ منفذ الهجوم خرج من الشاحنة وفي حوزته سكين، وأنه حاول تنفيذ عملية طعن أيضاً.
ووسط ذلك، اتهم بعض المراقبين وصنّاع السياسة في إسرائيل حزب الله وإيران بـ»الوقوف خلف العملية»، نظراً إلى أنّ قاعدة «غليلوت» كانت «مكشوفة» أمام الحزب، وعرضة لاستهدافاته المتكررة.
وبالفعل، يعكس الهجوم، طبقاً لخبراء، واقع أنّ القواعد الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، التي كان يلفها الغموض والسرية، أصبحت، منذ السابع من أكتوبر الماضي، أكثر انكشافاً، لا فقط في ما يتعلق بموقعها، بل أيضاً بطبيعة مهماتها وعملها والجهات التابعة لها، ما يرجع، جزئياً، إلى التفاصيل التي كشفها حزب الله عنها منذ فتح جبهة إسناد غزة، بالإضافة إلى عمليتَي «الوعد الصادق» الإيرانيتين اللتين استهدفتاها.
وعليه، أصبح الخبراء يحذرون من أنّ «الانكشاف الأمني والاستخباري الكبير، والذي فضحت هذه العملية جزءاً منه، يدل على وجود مشكلة أوسع، تطاول العمق الاستراتيجي الإسرائيلي، ما يجعل مثل هذه المواقع هدفاً لا للقصف والاستهداف فحسب، بل للعمليات الفدائية الفردية أو المنظمة على حد سواء».
وتشكّل عملية تل أبيب استكمالاً لسلسلة العمليات الفدائية التي وقعت، أخيراً، في الداخل المحتل، تزامناً مع دخول فلسطينيي الـ48 على خط المواجهة. وإذ يفرض ذلك واقعاً ميدانيّاً جديداً على إسرائيل، فهو يطرح تساؤلات حول احتمال تدحرج الأوضاع الأمنية على نطاق أوسع، خصوصاً مع تهديد سلطات الاحتلال باتخاذ إجراءات ضد أهالي وعائلات المنفّذين.