تشكّل هيئة إدارة السير ومصلحة تسجيل السيارات (النافعة) نموذجاً عن قوة الفساد وقدرته على التأقلم.
الهيئة التي يفترض أنها تعرّضت لـ«نفضة»، عندما أطاحت حملة تحقيقات، في خريف 2022، برئيستها هدى سلوم ومعظم موظفيها بتهم تقاضي رشى، سرعان ما عادت إلى سيرتها الأولى.
خمسة سماسرة من «قدامى النافعة» العارفين بمسالكها، بعدما تملّصوا بقدرة قادر من «نفضة الفساد»، عادوا لينخروا في مكاتب الهيئة.
ووفقاً لمصادر مطّلعة، يشكّل السماسرة الخمسة شبكةً، وتعمل مع كل منهم مجموعة من السماسرة الصغار الذين يؤمّنون الزبائن، ويُقسم ما يدفعه صاحب المعاملة إلى ثلاثة: السمسار الأساسي الذي يجول في النافعة بكل أريحية، والسمسار الوسيط والموظف.
ومع عودة العمل بتسجيل السيارات وإنجاز المعاملات، بعد توقف طويل، جاءت «رزقة» هؤلاء، وخصوصاً أن هناك أعداداً هائلة من أصحاب المركبات ممّن ينتظرون دورهم على المنصة المخصصة للمواعيد.
لذلك، حدد السماسرة «تسعيرة» لكل معاملة: تسجيل السيارة اللبنانية يكلّف 100 دولار، السيارة الأجنبية 250 دولاراً، الـ«رابيد» 300 دولار، فيما تبدأ تسعيرات الـ«بيك آب» و«الصهريج» والشاحنات من 300 دولار، وتصل إلى 2000 دولار بحسب حجم المركبة ووزنها.
أما الشاحنات التي لا يمكن تسجيلها لأن وزنها يفوق الحد الأقصى المسموح به قانوناً للمركبات (21.5 طن) التي تسير على الطرقات اللبنانية، فإن هناك طرقاً لتمريرها رغم مخالفتها قانون السير، وفقاً لـ «حسبة» خاصة.
قرار بإعادة الموظفين إلى العمل في المصلحة بمن فيهم المتّهمون بتقاضي رشى
روائح الفساد التي عادت لتفوح مجدداً من الهيئة، دفعت رئيس مصلحة تسجيل السيارات الرائد محمد عيد، بعد اجتماع مع وزير الداخلية بسام المولوي الاثنين الماضي، إلى اتخاذ قرارٍ تطبيقاً لقانون السير الذي ألغى دور السماسرة، بمنع هؤلاء من دخول مكاتب الهيئة حتى ولو كانوا يحملون تصريحات رسمية.
واشترط القرار حضور صاحب المركبة شخصياً أو أحد أقاربه أو وكيل عنه لإتمام معاملات التسجيل.
لكن ذلك، وفقاً للمصادر، لن يمنع السماسرة من مواصلة نشاطهم داخل المصلحة بطريقة أو بأخرى، كأن ينظم صاحب المركبة وكالةً للسمسار تخوّله متابعة إنجاز معاملة التسجيل.
كما تقرر إلغاء العمل بتخصيص يومَي الاثنين والجمعة من كل أسبوع لتسجيل سيارات المعارض من دون انتظار موعدٍ على المنصّة.
وكان هذا التخصيص غير القانوني أُقرّ سابقاً بين نقيب أصحاب المعارض فرنسوا باسيل وإدارة «النافعة» لقاء حصولها على مبلغ 50 دولاراً عن كل سيارةٍ يتم تسجيلها، فيما كان أصحاب المعارض يتقاضون 250 دولاراً من أصحاب السيارات مقابل التسجيل.
كذلك، تقرر في الاجتماع إعادة الموظفين المدنيين «غير الصادر بحقّهم أحكام» إلى العمل في المصلحة.
واللافت أن اعتماد صيغة «غير المحكوم عليهم» تعني عملياً جميع الموظفين، بمن فيهم المتهمون بالتورط في تقاضي رشى.
إذ إن القضاء لم يُصدر أحكاماً بعد بحق أي من المتهمين الذين أُخلي سبيلهم بعد تسديدهم كفالات مالية، بعدما أُوقفوا نحو أربعة أشهر، فيما لم تستكمل محكمة الجنايات التحقيقات في ملفاتهم وإصدار أحكام بالإدانة أو البراءة، وسط توقّع مصادر قضائية بأن يكون هناك قرار بـ«تنييم» الملف.