أخبار لبنانمقالات

مجازر آذار 1978 .. هذا هو لبنان إن نُزع سلاح المقاومة

منذ 46 عاماً ، قبيل اجتياح لبنان ببضع سنوات و تمهيداً لاحتلال أراضي الجنوب ، ‏بدأ الكيان الصهيوني بحملة مجازر متعددة طالت العديد من القرى و البلدات الجنوبية . ارتقى ضحية هذه المجازر عددٌ هائلٌ من سكان تلك المناطق ، أمّا مَن بقيَ على قيد الحياة فقد تم تعذيبه و التنكيل به من قبل العملاء الصهاينة في الداخل اللبناني .
من أبرز المجازر الوحشية التي ارتكبها العدو آنذاك ، هي مجزرة “الخيام” و مجزرة “العبّاسية” ، و التي حدثتا عام 1978 أي قبل الاجتياح بأربع سنوات ، و مابين المجزرة و الأخرى يومين من الوقت و حسب ..

مجزرة الخيام

ما قبل المجزرة ..

‏ بدأت الأحداث قبل عامٍ واحدٍ من المجزرة ( 16أيلول1977) ، حيث شنّت قوات الاحتلال سلسلة هجماتٍ عنيفة على “الخيام” و طال القصف جميع أنحاء البلدة . تكررّ الهجوم في الثالث و العشرين من نفس الشهر و دارت مواجهاتٌ عنيفة بين القوات اللبنانية-الفلسطينية المشتركة و بين أتباع “سعد حدّاد” ، ذلك العميل اللبناني الذي باع وطنه لصالح الكيان الغاصب ، و الذي كان يترأس الجيش الذي عرف باسم “جيش لبنان الجنوبي” قبل أن يترأسه “انطوان لحد” كبير العملاء اللبنانيين ، حيث عمل هذان الاثنان على التنكيل بأبناء الجنوب و تعذيبهم .
و في (14 آذار 1978) قُصفت البلدة بشدة حتى تدمرّت و تحولت منازلها الى أنقاضٍ يصعب رفعها .
بعد الهجوم العنيف ، تسلّمت قوّات “حدّاد” بلدة الخيام ، و مع مرور ثلاثة أياّم فقط .. تم ارتكاب المجزرة .

مجزرة “الخيام” 17 آذار 1978 ..

‏بعد ليلٍ هادئ ساد على “الخيام” ، وصلت قوات العميل “سعد حداد” إلى مدخل البلدة صباحاً ، و لم يستطيعوا الدخول مباشرةً بسبب الدمار الهائل الذي خلّفه القصف المعادي على المنطقة ، حيث استغرقت عملية دخولهم و تجاوزهم للأنقاض سبع ساعاتٍ كاملة ، و ذلك بحسب ما أفادته “الحاجة خديجة عكر” و هي ناجية من القليلات من تلك المجزرة .
‏بعد دخولهم مباشرةً ، بدأ العملاء بإحصاء عدد سّكان القرية كلّها ، و أخذت عمليات الاعتقال مجراها ، فتّم إعتقال أغلب رجال المنطقة ومن كان يُعتقل لم يكنْ يعد ولم يُعرف إلى أين أُخذ وما هو مصيره .
‏ازدادت ‏بعد ظهر ذلك اليوم حركة الدوريات الصاخبة في المكان مع ازدياد حيرة السكان حول ما يجري .
‏لم تأخذ القوات وقتاً طويلاً حتى بدأت باقتحام البيوت واعتقال النساء وكبار السّن و إخراجهم بقوة السلاّح من منازلهم حتّى تم تفتيشهم و ضربهم بشّدة .
قبل إكمال اعتدائهم و تنفيذ المجزرة ، استطاعت امرأة لديها طفل من النجاة بمساعدة عسكريّ في الجيش اللبناني كان قد أقنع القوات بتركها . تلك المرأة التي هربت و جلست على رصيفٍ مقابلٍ لمكان الجريمة ، شهدت مجزرة بشعة تمت بإعدام جميع من اعتُقل من النساء و المسنين بطريقةٍ وحشية .
يقال أن عدد شهداء مجزرة “الخيام” يتراوح ما بين ال 60 و ال 100 شهيد ، إذ لا أعداد دقيقة و ذلك لأن هوية الكثير من الشهداء مجهولة بسبب طريقة الاعتداء الوحشي عليهم ، و لم يُعرف من و أين استُشهد و حتى أين دُفن .

مجزرة العباسية

ما قبل المجزرة ..

قبل الحادثة بأيّام ، كانت بلدة “العباسية” الجنوبية تنعم بالهدوء نوعاً ما بعد أن كانت مناطق الشريط الحدودي تتعرض للاعتداءات الصهيونية المتكررة ، لذا شهدت البلدة حركة نزوح من قِبَل أهالي المناطق المجاورة إليها ، حتّى باتت “العبّاسية” مكتظة بالسّكان .
في المساء ، و قبل وقوع المجزرة بيومٍ واحدٍ فقط ، ازداد شعور من كان في المنطقة بوقوع حربٍ كبيرة و ذلك على ضوء الاعتداءات الكثيفة للعدّو الصهيوني و على حسب الأخبار العالمية التي أفادت عن عمل عسكري للكيان داخل الجنوب ، لذلك نزح معظم من كان في “العباسية” أيضاً نحو “البقاع” أو “بيروت” .

مجزرة “العبّاسية” 19 آذار 1978 ..

بعد منتصف الليل أخذت قوات الاحتلال تتحرك أكثر في قرى الجنوب و حاصرت العديد من البلدات . حيث كان أهالي “العبّاسية” يسمعون بوضوح في تلك الأثناء أصوات الرصاص من المناطق المجاورة .
و مع طلوع فجر التاسع عشر من آذار ، بدأت “العبّاسية” تُقصف حتى اشتدّ العدوان عليها ،كانت هذه المنطقة بالنسبة للعدّو آخر خطّ أحمر يريد وصوله ، ليضمن سلامة نفسه فيما بعد ، عبر قتل و تهجير أكبر عدد ممكن من السكان .
أخذت الأحداث تتزايد على نحوٍ سريع ، خوفٌ و هلع بين السّكان مع تواصل حركة النزوح نحو بيروت ، تزامناً مع قصفٍ مرّكز من البحر و البرّ على المنطقة .
نزح من استطاع من السكان و بقي آخرون بين شتات القصف ، و لكن بعد توسيع الضربات و هدم البيوت ، قررّ أهالي المنطقة اللجوء الى مكانٍ أكثر أمناً و كانت وجهتهم هي مسجد البلدة ، ظناً منهم انّه مكانٌ مكفول بالقانون الدولي .
أمّا العدّو الغدّار الذي لا يعترف بقانونٍ دوليٍ أو غيره ، فقد استغل الازدحام داخل الجامع و شنّ غارة جوية عليه أسفرت عن تدمير المسجد بأكمله .
أكثر من 130 شهيداً و مئات الجرحى ، مشاهد لأطفال مقطوعة الأيدي و الأرجل و مقابر جماعية ، إذ أنّ العدّو لم يسمح بلّم جثث الشهداء إلاّ بعد 4 أيّام من المجزرة ما أدّى لإخفاء معالمها .

مجازر نُفّذت بدمٍ باردٍ .. و تحريرٌ على أيدي الشجعان

لم تكن هاتان المجزرتان المجازر الأولى أو الوحيدة التي شهدتها قرى الجنوب ، بل بعضٌ من سلسلة مجازر عنيفة ارتكبها الكيان المحتّل موظفاً عملاءه في الداخل . و ذلك لسببٍ واحدٍ يتمثّل بإرضاخ أهل الجنوب و خضوعهم لتهجيرهم و تفريغ قراهم ، لتتحولّ تلك المناطق بعد ذلك الى حزامٍ أمني ، تمهيداً لاجتياح لبنان ضمن ما عرف باسم “عملية الليطاني” عام 1982 .
و لكن و بجهود المقاومة في لبنان بمختلف فصائلها ، أُحبطت كلّ مخططات هذا الكيان و تمّ ذلّه ودحره و عملاؤه الى ما وراء الحدود ، فخرج آخر جندي صهيوني من لبنان في ( 25 أيّار عام 2000 ) و ذلك دون إتفاقٍ رسمي مع لبنان ، إنّما فقط خوفاً و هرباً من المقاومة و بأسها .
فانتصرت ارادة الشعب و صبره على أطماع عدوٍّ جشعٍ لا يعرف إلاّ الظلم و الإبادة .

خلاصة و عبرة ..

اليوم و بعد كلّ هذه الأحداث الدموية.. هل هناك من لا يزال يُطالب باتفاقية السلام و التطبيع مع الكيان ، و هو يعلم فعلاً بتاريخ هذا العدّو الحافل بالظلم و العدوان و يتناسى … أم أنّ التاريخ توقف عند البعض حين بدأت قضية النبلاء ؟

زهراء عبّود – موقع صدى الضاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى