لم يعد صرف موظفين عاملين مع منظمات دولية وجمعيات محلية، بذريعة تراجع التمويل، مجرّد حالات فردية.
كما لم يعد الحديث عن تقليص المصاريف التشغيلية للمنظمات حبيس الغرف المُغلقة.
إذ تفيد المعطيات بأنّ عشرات المنظمات والجمعيات أنهت عقود موظفين لديها، بعدما كان العمل مع أي «NGO» بمثابة «الوظيفة الحلم» مع بداية الانهيار المالي، نظراً إلى كون هذه الفئة من القوى العاملة حافظت على قيمة رواتبها بالدولار، بينما كان معظم اللبنانيين يتقاضون ليرات لا قيمة لها.
وفيما تحترم بعض الجمعيات قانون العمل لجهة استشارة وزارة العمل في قرارات الصرف ودفع المستحقات المالية المتوجبة عليها، صرفت منظمة Plan International خمسة موظفين نهاية حزيران الفائت، وأبلغتهم بالقرار، قبل حتى أن تتلقى جواباً من وزارة العمل حول قانونية الصرف، علماً أن هذه خطوة مُلزمة.
وplan international منظمة تُعنى بحقوق النساء والأطفال وضمان حق التعليم، ومكتبها الأساسي في بريطانيا.
وعلمت «الأخبار» أن المنظمة راسلت وزارة العمل، طالبةً التشاور بشأن خمسة موظفين تريد إنهاء عقود عملهم، معلّلة قرارها بانتهاء المشاريع التي على أساسها وقّع الموظفون الخمسة عقودهم. وفي مثل هذه الحالة، تُكلّف الوزارة مفتشاً بالتدقيق في صحة ادعاءات الجمعية لجهة انتهاء المشروع وتوقّف التمويل الخاص به، والبناء على ذلك في ما إذا كان الصرف قانونياً أو تعسّفياً.
في المقابل، على الجمعية أو المنظمة انتظار جواب الوزارة، وهو ما لم تحترمه Plan International، ما دفع إحدى الموظفات المصروفات إلى الاعتراض أمام وزارة العمل، والتأكيد أنّ «المشروع التي تعمل عليه لا يزال سارياً»، وأن الجهات المموّلة، وهي بشكلٍ أساسي سفارات هولندا والدنمارك وتشيكيا وسويسرا، «حوّلت لمصلحة الجمعية مبالغ مالية جديدة لاستكماله، ومن ضمنها رواتب العاملين على تنفيذ المشروع».
وهو ما يعني أنّ Plan International تتلقى من الممولين مبالغ مالية مخصّصة لموظفين تم صرفهم.
وقد أكّد تقرير المفتش المكلف بالملف ذلك ليخلص إلى أن الصرف تعسفي، ما يحتم على الجمعية التوصل إلى تسوية مع الموظفة المصروفة حول تعويضٍ توافق عليه، وهو ما حصل.
غير أن Plan International لم تبدِ رغبة في التعويض، وحاولت، وفق المصادر، «تهديد الموظفة بأنّ إصرارها على الاعتراض أمام الوزارة قد يدفع المنظمة إلى الامتناع عن إعطائها إفادة عمل».
أما في ما يتعلق بالموظفين الأربعة الآخرين الذين تراوح سنوات خدمتهم بين 3 و5 سنوات، فتفيد المعلومات بأنّ اثنين منهم لم يحدد عقداهما بمدة زمنية، أي أنها لا تنتهي بانتهاء مشروعٍ أو تمويل، فضلاً عن معلومات عن أنّ من بين المصروفين «موظفة حامل»، ومعلوم أنّ عملية الصرف في هذه الحالة تحكمها شروط معيّنة.
وقالت مصادر الوزارة إنها ستضع المنظمة أمام خيارين: إما التعويض على الموظفين الذين يثبت أنّ صرفهم كان تعسفياً، أو إعادتهم إلى العمل. ولفتت إلى أنّ الجمعيات أو المنظمات، عندما تمرّ بأزمة مالية، «الأجدى بها، بادئ الأمر أن تعرض على موظفيها خفض رواتبهم، قبل اتخاذ قرار التخلي عنهم».
تفيد المعطيات بأنّ عشرات المنظمات والجمعيات أنهت عقود موظفين لديها
ما يظهر من سوء إدارة وتحايل على المموّلين نهجٌ لا يعني plan international وحدها، فثمة تقاطع وتشابه كبير بين روايات العاملين في أكثر من جمعية لجأت في الآونة الأخيرة إلى تكليف موظفين بمهام زملائهم المصروفين، من دون أن تشهد رواتبهم أي إضافات».
وتتلقى وزارة العمل منذ أكثر من عام طلبات تشاور من عشرات الجمعيات الراغبة في تقليص أعداد موظفيها، وتؤكّد مصادر معنية أنّ «الدول المانحة مرّرت بطرق غير مباشرة أنّها غير قادرة على تمويل المشاريع في لبنان كما في السابق، وهو ما تُرجم تراجعاً في قيمة المبالغ المرصودة للاستجابة في لبنان، حيث لا تصل نسبة تمويل الاحتياجات إلى 50%، منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، واستفحلت الأزمة مع انطلاق معركة «طوفان الأقصى».
لكن آثار ذلك على صعيد عمل المنظمات تختلف، فـ«جزءٌ منها ذهب حكماً إلى تقليص الموظفين، وبعضها يدرس تقليص الرواتب. فيما الجميع يُفاضل بين المشاريع التي سيواصل تنفيذها، وتلك التي ستُلغى أو تتقلّص».