مقالات

تغيير القيادة في سوريا منح إردوغان النفوذ الإقليمي

مجلة “فورين بوليسي” الأميركية تنشر مقالاً كتبه ستيفن كوك وسينان سيدي، يتحدثان فيه عن مكانة تركيا الإقليمية بعد سقوط النظام السوري.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

بدّل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من توجّهاته في سوريا أكثر من مرّة، خلال 15 سنة الماضية، إذ كانت تربطه آنذاك علاقة متينة وحميمية مع الرئيس السوري بشار الأسد، حتّى إنّ إردوغان اقترح ذات مرّة أن تمضي عائلتا الرئيسين الإجازة معاً.

لكنّ الزعيمين اختلفا في إثر اندلاع الانتفاضة في سوريا في عام 2011، ما أدّى إلى تدفّق ملايين اللاجئين إلى تركيا، ولم يتمكّن إردوغان حينها أبداً من إقناع الرئيس الأميركي باراك أوباما بغزو سوريا والإطاحة بالنظام، وشكّل عوضاً عن ذلك قوّة عسكرية متمرّدة أطلق عليها اسم “الجيش السوري الحرّ”، الذي كان في المقام الأوّل أداة استخدمتها تركيا لمحاربة الكرد السوريين الذين أرادوا إقامة دولة على أعتابها.

كذلك دعمت تركيا ضمنياً المسلّحين الذين أصبحوا الآن تحت اسم “هيئة تحرير الشام”، التي كانت مفيدة لإردوغان في قتال الجنود الروس والسوريين، لكنّهم بالمحصّلة فشلوا وحوصروا في محافظة إدلب السورية.

وبعد مرور نحو 10 سنوات على إعلان إردوغان أنّ الأسد يجب أن يرحل، عاد مرّة أخرى، وأرسل مبعوثيه إلى دمشق بغية استعادة العلاقات معها وتطبيعها، لكنّ الأسد رفض عرض حليفه التركي القديم، وقال “إنّه لا يريد أن يرحل”، وطالب أنقرة بسحب قوّاتها العسكرية من الأراضي السورية قبل أن يفكّر في المصالحة معها.

والآن، وصلت الأمور إلى هذه المتغيرات بعد أن أعطى إردوغان مباركته، على ما كان من المفترض أن تكون عملية عسكرية محدودة لـ “هيئة تحرير الشام” و”الجيش الحرّ”، باتجاه مدينة ومحافظة حلب، بهدف ممارسة الضغط على دمشق، حتّى تكون أكثر انفتاحاً بشأن تطبيع العلاقات مع تركيا، لاعتقاد  إردوغان ومستشاريه أنّ هذا من شأنه تمهيد الطريق لإعادة ملايين اللاجئين السوريين من تركيا. لكنّ العملية العسكرية المحدودة تحوّلت إلى نجاح كارثي أدّى إلى نهاية حكم عائلة الأسد.

إنّ تغيير الأنظمة ليس توجّهاً تقليديّاً في السياسة الخارجية لتركيا الحديثة على مدى قرن من عمر الجمهورية، وهو مبدأ أساسي وضعه مؤسّسها كمال أتاتورك “السلام في الداخل، سلام في العالم”.

أمّا الآن فيجد إردوغان نفسه في موقف جديد وموقع مهيمن في تحديد مستقبل سوريا من دون سلطة الأسد. وهذا ينفي أن يكون هناك أيّ شكّ في أنّ إردوغان يرى بلاده ونفسه قائداً طبيعيّاً للدول العربية والإسلامية، وهو الآن يستمتع بفرصة تشكيل النظام السوري الجديد.

ولكن، على الرغم من المزايا الكثيرة التي تتمتّع بها تركيّا في سوريا ما بعد الأسد، فمن المرجّح أن يواجه إردوغان تحدّيات كبيرة. وأولى هذه المشكلات هي شركاء تركيّا، “هيئة تحرير الشام” والجيش السوري الحرّ”، لأنّ المجموعتين المتمرّدتين لهما تاريخ مثير للقلق، وأنّ جذورهما تعود إما إلى تنظيم “القاعدة” وإما إلى  “داعش”.

ووفقاً لوكالات الاستخبارات الأميركية، كان لتنظيم الدولة الإسلامية دور حاسم في المساعدة على إنشاء “جبهة النصرة” التي قادها أبو محمد الجولاني، وحوّلها لاحقاً إلى الاسم الجديد “هيئة تحرير الشام”.

ولقد انفصل الجولاني عن تنظيم الدولة الإسلامية ليس بسبب اختلافات أيديولوجية، بل لأنّ أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم أراد ضمّ “جبهة النصرة” إلى تنظيمه، وبالتالي تقويض استقلال الجولاني.

ولهذا السبب، تبذل “هيئة تحرير الشام” جهوداً إعلامية لإقناع السذج بأنّها “معتدلة”. وتصنّفها الولايات المتّحدة والأمم المتّحدة والاتّحادَ الأوروبي وحتّى تركيا منظّمة إرهابية.

 كذلك، أشار عدد من المراقبين إلى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبها “الجيش الحرّ” ضدّ الكرد والإيزيديّينَ والنساء. وفي حين رُكّز على زحف “هيئة تحرير الشام” نحو دمشق، جرت تلك الأحداث الدرامية وقام “الجيش الحرّ” بمهاجمة السكّان الكرد في أرجاء محافظة حلب.

التحدّي الآخر الذي سيواجه إردوغان سيكون أيديولوجيّاً. فهو وأنصاره يصرّون على أنّ تركيا دولة ديمقراطية، تستند بمتانة إلى القيم الإسلامية، وعلى هذا تُسوّق أنقرة حجّتها حول سبب وجوب حصول تركيا، وليس غيرها من القوى الإقليمية الوازنة على تصدّر بناء النظام السياسي السوري الجديد. ولكن، حتّى لو لم يكن الأتراك مخادعين، فلدى إردوغان مشكلة أخرى، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بـ “هيئة تحرير الشام.

وكان الجولاني قد نشر رسالة مثيرة للإعجاب ومطمئنة ظاهريّاً، تشجّع اللاجئين السوريين على العودة إلى ديارهم الآن بعد رحيل النظام وتضمن سلامة المكوّنات الاجتماعية المتنوّعة. وقد صدق في كلمته، حين دخلت منظّمته إلى حلب في البداية ثمّ في أماكن أخرى، لكنّ سجّل “هيئة تحرير الشام” في إدلب كان قمعيّاً، ولو كان أقلّ فظاعة وعنفاً من ممارسات تنظيم “داعش”.

هناك تشابه غريب بين التزام الجولاني المعلن بسوريا للجميع، والتزام إردوغان المبكّر بذلك أيضاً. وفي مطلع العقد الأوّل من القرن الجاري، كان إردوغان يعلن بنفسه عن أنّه تغيّر ونضج في الوقت الملائم لتقدير معايير الحكم في النظام الديمقراطي والعلماني. وحينها، تخلّى شفهيّاً عن مبادئ رؤيته الإسلامية للعالم، من خلال الاستمرار بنهج تركيّا التقليدي في موقعها في حلف شمال الأطلسي ومستقبلها في الاتّحاد الأوروبي، وهما هدفان للسياسة الخارجية التركية لطالما ناهضهما إردوغان لعقود باعتباره إسلامياً.

ومع مرور الوقت، تدهور احترام إردوغان للمعايير الديمقراطية. وبعد ما يقرب من 23 عاماً من الحكم، تبدو تركيا أقلّ شبهاً بالديمقراطية، وأكثر قرباً من نظام استبداد طموح. ومن المؤكّد أنّ الجولاني على عكس إردوغان، وربّما يكون قد تغيّر بالفعل. ويقول إنّه تجنّب العنف الجهادي في شبابه، لكن لا يوجد دليل على أنّه انفصل عن نظرة عالمية مناهضة للديمقراطية.

أخيراً، قد يكتشف إردوغان قريباً أنّه مع رحيل الأسد، لم يعد شركاؤه يريدون أن يكونوا في شراكة معه، وغير معنيّين بمزاعم إردوغان وحكومته على أنّ لديهم خبرة ونظرة ثاقبة خصوصاً في المجتمعات العربية. ويستند هذا الادّعاء إلى تقارب ثقافي لا يشعر به إلا الزعيم التركي وموظّفو الحزب الحاكم على ما يبدو. من الصحيح أنّ إردوغان يحظى بشعبية ما في الدول العربية، لكنّ هذا يعود إلى مهاجمته “إسرائيل” خطابياً أكثر من أيّ شيء آخر، ولا يمكن دمجه مع التوجّه التركي في سوريا.

مراراً وتكراراً، بالغ الأتراك في تقدير قدرتهم على إدارة الأزمات في المنطقة وتشكيلها. لا يوجد دليل على ذلك أفضل من سوريا نفسها. والآن، بعد أن سقط النظام السوري، فالسوريون بحاجة إلى إردوغان الآن أقلّ بكثير ممّا كانوا بحاجة إليه قبل شهر. وليس من الواضح ما إذا كان الأتراك يدركون هذه الحقيقة.

لأكثر من عقد من الزمن، انتقل نهج تركيا تجاه سوريا من الاعتقاد الساذج بأنّ أنقرة يمكن أن تشجّع الإصلاح في دمشق بدل المواجهة والعنف. الآن، بعد رحيل الأسد، لن يتمكّن إردوغان من كبح جماح الدافع لوضع بصمته على سوريا، لكن، الشعب السوري يُظهر الآن باقتدار أنه لا يريد مساعدة من أحد.

حسين قطايا-الميادين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى