عام ٢٠٢٢، مُنعت روسيا من المشاركة في كأس العالم عقابًا لها على الحرب على أوكرانيا؛ فقد استبعد الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) روسيا من كأس العالم مع إعلان إيقاف كلّ المنتخبات الروسية الوطنية وأنديتها “حتّى إشعار آخر”، على خلفية غزو روسيا لأوكرانيا. وبالخلفية نفسها، أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية أن “رياضيي روسيا وروسيا البيضاء لن يشاركوا في مراسم استعراض البعثات خلال أولمبياد باريس 2024 ومن المقرر أن يتنافس الرياضيون المتأهلون للأولمبياد والمنتمون للدولتين كرياضيين مستقلين من دون أعلامهم وأناشيدهم الوطنية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا”.
من خلال هذه القرارات وأشباهها، يحاول صناعها الظهور بالمظهر الإنساني الرافض للعنف والمناهض للحروب، لكن بقليل من التدقيق يتبيّن أنها مجرّد قرارات سياسية عقابية ضدّ موسكو وضدّ كلّ من يعادي السياسات الأميركية. وإن كان هذا الأمر يحتاج دليلًا، فدليله اليوم ساطع بسطوع الدم على كف “إسرائيل”: تستقبل الألعاب الأولمبية في باريس بعثة “إسرائيلية” رسمية، ويتكفّل الأمن الفرنسي بتأمين حماية خاصة لأفراد هذه البعثة الملوثة بدم أطفال غزّة، من دون أن يرفّ جفن للرياضة العالمية وأهلها! على ما يبدو، انشغلت اللجنة الدولية للألعاب الأولمبية بمراقبة مواقف اللاعبين الروس من الحرب على أوكرانيا ولم ترَ في جرمِ الإبادة الجماعية الذي ترتكبه “إسرائيل” ضدّ غزّة ما يستدعي عقابًا ولو صوريًا لكيان الاحتلال عبر منعه من المشاركة في الأولمبياد. وربّما لم يتسنّ لأعضاء هذه اللجنة متابعة ما يجري على اللاعبين الاولمبيين الفلسطينيين ولم يستوقفها أن اللجنة الأولمبية الفلسطينية أعلنت عن 12 شهيدًا من الرياضيين في غزّة منذ بدء العدوان “الإسرائيلي” في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الجاري وهم: عبد الحفيظ المبحوح، رشيد دبور، باسم النباهين، طارق زياد الهور، أحمد عوض سلمان، محمد الدلو، عيسى العروقي، نادر أبو يوسف، عمر أبو شاويش، محمد مطر، عارف النباهين ونظير عطا النشاش.
يسقط معيار نبذ العنف الذي تدّعيه هذه اللجان إذًا، ويسقط معيار رفضها للحروب. وإن كان الموقف العقابي من روسيا وحدها دليلًا على كون “الرياضة العالمية” طرفًا في المعركة، فالدليل اليوم أوضح وأسطع: الدم المراق في غزّة، الجرائم المشهودة التي طالت كلّ حياة في غزّة، العدوانية الصهيونية المتصاعدة التي تفتك بالمستشفيات والمرافق الصحية والبيوت والشوارع، القصف الهمجيّ الذي يستهدف العائلات النازحة… كلّ هذا لم يدعُ أهل الرياضة العالمية إلى موقف أخلاقي ولو صوريّ، على الأقل لحفظ ما تبقى، إن كان قد تبقى شيء من مصداقيتهم حين يحاضرون في الإنسانية ونبذ العنف والإرهاب. الأولمبياد اليوم، بما يمثل من اجتماع رياضي عالمي، مدان بجرمين: جرم الصمت على إبادة لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث، وجرم الكذب عبر الادّعاء أنه محفل رياضي جامع لا علاقة له بالحروب.