بعد ثمانية أشهر على تهجير مستوطنيه، بات لون المياه الراكدة في بركة السباحة في «كيبوتس منارة»
أخضر بفعل تكاثر الطحالب والأعشاب. البركة التي تُدعى «بركة أصحاب الملايين»، في استعارة لما قاله رئيس وزراء العدو السابق مناحيم بيغن، عندما انتقد «الكيبوتسيون (أبناء الكيبوتس) أصحاب الملايين (الأغنياء) الذين لديهم برك سباحة»، بعد ظهور أحد سكان «منارة» في برنامج تلفزيوني في السبعينيات وهو يسبح في البركة نفسها.
منذ اندلاع الحرب، أُقفلت بوابة البركة بسلسلة حديدية، وجرت مياه كثيرة منذ انتقاد بيغن عبر صنبور البركة، إلى أن تعفّنت مياهها أخيراً.غير بعيدٍ منها، بقيت لافتة صغيرة معلّقة على جدار خطّت عليها عبارة «بركة السباحة تخليداً لذكرى نحميا رابين»، والد رئيس وزراء إسرائيل سابقاً، إسحق رابين، وأخته راحيل رابين – يعكوف، إحدى العضوات البارزات في «منارة»، والتي تقيم منذ تهجيرها في فندق «نوف كنيريت» في طبريا، حيث كما تنقل عنها مسؤولة الكيبوتس، هغار أيرليخ، في مقابلة مع موقع «واينت»، أنها «تكثر هذه الأيام من القول: لا توجد قيادة… لا توجد قيادة».
وفقاً للموقع، فإن «الكيبوتس» الذي عُرف سابقاً كرمز للصراع بين قطبَي اليمين واليسار الإسرائيلييْن، استحال في هذه الأيام رمزاً «للتخلي عن سكان الحدود الشمالية الذين لم يعد مهماً لمن أدلوا بأصواتهم الانتخابية».
فموقع «الكيبوتس» القائم على الصخور الجبلية، المُطلة على لبنان، حوّله إلى هدف للصواريخ التي يطلقها حزب الله بلا توقف، والتي دمّرت «أكثر من ثلثي بيوته، تدميراً كلياً أو جزئياً، فيما أعلن جزء من الكيبوتس منطقة عسكرية مغلقة».
وباستثناء أعضاء الفرق المتأهبة، لا يزال مستوطنان اثنان في «الكيبوتس»، أحدهما موطي شي، مدير قسم النظافة في المجلس الإقليمي للجليل الأعلى، والثاني أستاذ الرياضيات والفيزياء رئيس طاقم الطوارئ نآور شمياع. في الجولة التي اصطحبا فيها مراسل الموقع، شاهد الأخير الكثير من الآثار التي حفرتها جنازير الدبابات على الطرق التي ستحتاج إلى إصلاح وتأهيل، «لكن الأضرار الظاهرة على الطرق لا يمكن مقارنتها مع الموارد التي يجب بذلها لإعادة تأهيل الكيبوتس المدمّر».
يؤكد شيماع أن سكان الكيبوتس «لن يعودوا إلا بعد استعادة الأمن»، مستدركاً «لا أعرف كيف نستعيد الأمن، لست جنرالاً، ولذلك يوجد جيش»، فيما أضاف شي أن «الحكومة خارج القصة. هي غير موجودة. حالياً لا يوجد شيء يُدعى حكومة».
شيماع الذي نشأ في حولون بالقرب من تل أبيب، قرّر عام 2011 الانتقال إلى «منارة» إذ لم يعد «قادراً على العيش في الباطون الذي يغزو منطقة غوش دان». لكنه ينظر هذه الأيام حوله غير مصدّق: «لقد دمّروا الكيبوتس»، ويشير إلى بيت دُمّر بالكامل: «أصحابه زوجان في الثمانين، ولا أمل في إعادة بناء منزلهما. انتهت حياتهما فيما لا يزالان على قيد الحياة».
بحسب الموقع، فإن الطعام الفاسد الذي تعفّن لأشهر في الثلاجات داخل البيوت يمكن استنشاق رائحته بمجرد المرور بالقرب من هناك، كما تمكن ملاحظة بقايا الرصاص الذي يملأ الأرض، إذ استُخدمت نوافذ هذه البيوت لإطلاق النار نحو لبنان.
حوالي 60 مستوطناً من «منارة» يعيشون اليوم في «كفار جدوت»، فيما 20 آخرون من كبار السن، هُجّروا إلى طبريا. أمّا البقية فهم موزّعون من جنوب الحولة حتى وادي عربة.
وتقول أرونا فينبرغ، وهي من الجيل الثاني من مستوطني «منارة»: «في بداية الحرب اضطررت لنقل أمي إلى مأوى العجزة في طبريا. عمرها 93، وتسكن في منارة منذ عام 1948، ولم تفكر في يوم من الأيام أنه سيأتي أحد ليخبرها أن عليها الرحيل من هنا.
أما أنا فقلت إنني مستعدة لأن أعيش في بئر، فقط ليسمحوا لي بالبقاء. ولكن بعد أسبوعين من بدء الحرب، سقط صاروخ على منزل جيراني فرحلت».
نحو 280 شخصاً عاشوا في «منارة» قبل 8 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وفي صبيحة ذلك اليوم اقترح عليهم المجلس الإقليمي المغادرة، وفقاً لمدير «مجتمع منارة»، العضو في «كيبوتس كفار هناسيه» يوحاي فيلفاين، موضحاً أنه «عند التاسعة من صباح ذلك اليوم، أرسلوا لنا رسالة الإخلاء. كانت لحظة دراماتيكية… طلبنا من كل عائلة ربط كيس من النايلون على باب منزلها لنعرف عدد من أُخلوا». وعندما أعلنت السلطات الإخلاء الرسمي «كان سكان منارة قد تفرّقوا في أنحاء البلاد».
إيلي موعلم (89 عاماً) الذي هاجر من العراق واستوطن في «منارة»، وأصيب ابنه بشظايا صاروخ، يقول إنه «لا يوجد ضوء في آخر النفق»، فيما وافقته زميلته في الكيبوتس أورنا، مشيرة إلى أن «الشمال تمّ التخلي عنه منذ سنوات على مستويات الرفاه والثقافة والتربية والصحة والتشغيل». وتابعت: «ابني مقاتل في الاحتياط في فرقة الكوماندوس. كان قبل أشهر في غزة، واليوم هو في الشمال. أمّا ابنتي الشابة فهي مجنّدة أيضاً.
إن الأمر لا يساوي سقوط شعرة من رؤوسهم إن لم تكن رفاهيتهم ورفاهية أولادهم أولويّة في هذه الدولة».