ما الذي يحدث مؤخراً وراهناً في هذا الإقليم الجغرافي وهذا الكون السياسي؟ ما أبعاده ومدياته وحدوده؟ وما الذي قد يحدث لاحقاً وتباعاً؟
باتت التطورات والتغيّرات والتحوّلات الراديكالية، البنيوية والوظيفية، عديدة بل كثيرة، من جراء الأحداث الدراماتيكية، الطارئة أو المستجدة، في المنطقة والعالم.
وكذلك الترتيبات والتوازنات والمعادلات العالمية والإقليمية. كما أمست الإحاطة بالإرهاصات والمعطيات والحيثيات، المركّبة والمعقّدة، بعد الإضاءة عليها، بقصد الفهم للظروف والأوضاع والأحوال الدولية، بغاية الصعوبة، وتتعدى القدرة على الإدراك والاستيعاب لدى الوعي الفردي والجماعي.
فما الذي يحدث مؤخراً وراهناً في هذا الإقليم الجغرافي وهذا الكون السياسي؟ ما أبعاده ومدياته وحدوده؟ وما الذي قد يحدث لاحقاً وتباعاً؟
الفترة الانتقالية في الولايات المتحدة الأميركية والمرحلة الراهنة
تبدو المرحلة الراهنة – الفترة الانتقالية بين عهدة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، على رأس الإدارة الديمقراطية الحالية، التي تشارف ولايتها على الانتهاء، وعهدة الرئيس الأميركي القادم دونالد ترامب، على رأس الإدارة الجمهورية القادمة، التي تشارف ولايتها على الابتداء – اللحظة السياسية والزمنية الأكثر دقة والأكثر خطورة، على الصعيدين العالمي والإقليمي؛
بين منطقة أوراسيا، التي تشهد الحرب الروسية – الأوكرانية، ومنطقة الشرق الأوسط، التي تشهد الكثير من الأحداث المتسارعة، السياسية والأمنية، من الحرب الإسرائيلية على غزة.
ثم الحرب الإسرائيلية على لبنان، إلى سقوط النظام السياسي في دمشق، فالعدوان الإسرائيلي على سوريا، إذ نرصد العديد من التحوّلات الخطيرة ضمن مخاض النظام الإقليمي الجديد والترتيبات الإقليمية الجديدة.
الصفقة السياسية بين أميركا وروسيا في أوكرانيا وأوراسيا
ثمة إمكانية – احتمالية بالحد الأدنى – لإنجاز الصفقة السياسية، وبالتالي انعقاد التسوية السياسية بين أميركا وروسيا في أوكرانيا وأوراسيا، وذلك ربما في المدى القريب وغير البعيد.
وهذا ما قد يقوم به الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ولكن، يبدو الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن يدفع الأمور نحو الكثير من التصعيد والمزيد من التعقيد، وذلك خلال هذه الفترة الزمنية، الوجيزة أو القصيرة، المتبقية من الولاية الرئاسية للإدارة الأميركية الحالية.
فهل تنتهي الحرب الروسية – الأوكرانية بقرار أميركي – روسي بإيقاف المواجهة العسكرية غير المباشرة بين موسكو وواشنطن، وإنهاء الحرب التي أدت وتؤدي إلى استنزاف كل من الروس والأوكرانيين والأوروبيين؟
التفرغ للتنافس والتسابق في الذكاء الاصطناعي
بموازاة الاتجاه أو التوجه المرتقب لدى الأميركيين نحو التسوية السياسية مع الروس، والتخفيف من التصعيد العسكري، بعد رحيل الإدارة الأميركية الحالية، ومن ثم مجيء الإدارة الأميركية اللاحقة، تبدو واشنطن إنها تعتزم أن تتفرغ لتحديات التنافس والتسابق الإستراتيجيين مع بكين، في عهد الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، وعلى رأس الإدارة الأميركية الجديدة، وكذلك التهديدات المحتملة أو المفترضة – من جانب الصينيين بالنسبة إلى الأميركيين – للأمن القومي الأميركي أولاً.
كما للمصالح الأميركية ثانياً، الجيوسياسية والجيواستراتيجية والجيواقتصادية، على اعتبار أن الصين هي المنافس الحقيقي والجدي لأميركا، سواء كان في العهدة الأولى، أو كان في العهدة الثانية، للرئيس دونالد ترامب، لا سيما في مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
العلاقة الديالكتيكية بين واشنطن وطهران ومستقبل الإقليم
تبقى العلاقة الجدلية بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، منذ انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، حتى تاريخه، شائكة، غير ثابتة وغير مستقرة، في خطها البياني، وعلى امتداد التاريخ الحديث والمعاصر للعلاقة بين الدولتين والحكومتين.
وهي متوترة في الكثير من المرات وفي العديد من المحطات والمناسبات السياسية والتاريخية. وهي مرشحة لأن تبقى هكذا مع عودة الرئيس من جماعة الجمهوريين واليمينيين المتطرفين دونالد ترامب إلى الحكم والسلطة في واشنطن، بصرف النظر عن وجود الإصلاحيين المعتدلين، لا المحافظين المتشددين، في الحكم والحكومة في طهران.
ثمة ملفات وقضايا ومصالح لا تزال عالقة بين البلدين، من مثل البرنامج النووي الإيراني والبرنامج الصاروخي الإيراني، الأموال ورؤوس الأموال والحسابات الإيرانية لدى المصارف الغربية، الأميركية والأوروبية، ونفوذ إيران ودورها في الإقليم، لا سيما بعد عودة أميركا بقوة إلى جانب “إسرائيل”.
أميركا و”إسرائيل” من فلسطين ولبنان إلى سوريا
في الوقت الذي يكثر فيه، في الآونة الأخيرة، الكلام والحديث، في الكواليس والأروقة والمجالس والقنوات والمنصات والمنابر، عن ميل واتجاه دونالد ترامب، في نسخته الثانية، بخلاف نسخته الأولى.
نحو التهدئة والتخفيف من التوتير وتصعيد التوتر في السياسة والأمن، والتركيز على التوظيف والاستثمار في المال والنقد والاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي، يعمد جو بايدن، في الأيام أو الأسابيع الأخيرة، المتبقية من ولايته الرئاسية.
إذ تكاد إدارته الضعيفة، التي تعاني من الوهن السياسي، تلفظ أنفاسها الأخيرة، إلى الذهاب بعيداً وحتى النهاية في التصعيد على طريقة كب الزيت على النار في كل من شرقي أوروبا وغربي آسيا، في مقابل روسيا وإيران وسواهما من الأخصام والأعداء.
فما الذي تريده واقعاً وحقيقة وصراحة الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأميركية، سواء كان مع نهاية ولاية وعهد الرئيس الحالي جو بايدن، أو كان مع بداية ولاية وعهد الرئيس العتيد دونالد ترامب؟ هل تريد التهدئة والتسوية أم تريد التصعيد والحرب والعنف؟
هل تقع هذه التصرفات الاستفزازية وهذه الخطوات التصعيدية في خانة التفخيخ على طريق التفجير، قبيل التسلم والتسليم على عتبة التنصيب، بقصد التعقيد والتصعيب والتعجيز بمهمات الرئيس الجديد ومهمات الإدارة الجديدة؟
أم أن مجموعات المصالح والمجموعات الضاغطة في الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأميركية من كارتلات الطاقة والأسلحة ومجمعات التصنيع الحربي والعسكري والتكنولوجيا الإلكترونية أو الرقمية تريد ذلك وأكثر من ذلك؟
أمعنت وأسرفت “إسرائيل” – بتغطية من أميركا – في استخدام واستعمال القوة المفرطة ضد غزة، بطريقة غير مبررة، غير معقولة وغير مقبولة.
وانتقلت “إسرائيل” – بتغطية من أميركا أيضاً – من عدوانها على غزة إلى حربها المفتوحة على لبنان. وها هي تخوض “إسرائيل” – بتغطية من أميركا أيضاً – حربها الغادرة ضد سوريا.
أميركا لا تقوم فقط بتغطية عدوان “إسرائيل” وحربها في غزة، لبنان وسوريا، بل إنها تعمد إلى تمويلها وتسليحها بطريقة فاضحة وسافرة.
تسجل المنطقة، ما بين عهدة جو بايدن وعهدة دونالد ترامب، مستويات وأرقاماً ومعدلات قياسية من الحروب وجرائم التدمير والتهجير والتخريب:
هي مشاهد العدوان والإرهاب والإجرام بسياق مشهدية الاستباحة الكاملة والشاملة.