أخبار عربية
الجسور العربية الممدودة لتل أبيب في زمن الإبادة والتجويع

إسراء الفاس
ليس بعيداً عن رائحة الموت، هو طنين الأمعاء الخاوية الذي يُسمع في غزة. هي قصص الجوع التي لن يتكبد أحد العناء بحثاً عنها. لم ولا يوفر الغزاويون أي فرصة في مخاطبة العالم، عن قضيتهم وعن الحصار المطبق عليهم، ثم عن الحرب وبطولات رجالاتهم، وعن الدمار الذي لم يبقِ حجراً على حجر، ومجازر الإبادة التي محت عائلات بكاملها من السجلات المدنية، وعن الجثث المتحولة والمقابر الجماعية، وعن ليالي البرد المميت في خيم النزوح، وعن الجوع!
في غزة ينام الناس جوعى، ليقعدهم وجع الجوع في بطونهم المتحجرة. “لا يوجد ما نأكله”، هذا أبسط ما قيل عن أزمة كل ما فيها أبعد لا يمت للبساطة بشيء! ميسورو الحال من أبناء القطاع، والذين بدَّل الحرب والحصار أحوالهم يلجؤون إلى المقايضة، كمقايضة الخدمات الطبية برغيف خبز أو بحزم حطب صغيرة لإيقاد النار في خيامهم. أكثر من ٤ أشهر لم يتوقف فيها الغزايون عن مناشدة الأشقاء والعالم لنصرتهم أو لمدهم بالمساعدات، والحال على الصعيد من الإنساني من سيء إلى ما هو أسوأ. والعدو الفاشل ميدانياً في التقاط صورة انجاز ماضٍ في انتقامه المجنون بالقتل وبمنع إدخال المساعدات الإنسانية، دون أن يُسجل أي ضغط عربي يسجل خرقاً على هذا الصعيد.
وبمعزل عن اليمن، لم يخطُ العرب -أنظمة وحكومات- خطوة باتجاه كسر الحصار على غزة. المبررات بالجملة كان يتناقلها اعلاميو التطبيل للملوك والرؤساء. وحيداً خرج اليمن كاسراً للقوالب العربية الرسمية الجامدة، نموذجاً مختلفاً يقول للفلسطينيين: لستم وحدكم، مقتحماً الجنون -على حد تصوير الإعلام العربي المُدجن على الانهزامية- كان يطلق الصواريخ باتجاه الكيان المحتل، ويقطع الطرق على البواخر المتجهة إليه، ربطاً بالعدوان وبالحصار، بموقف ثابت أن استهداف السفن الاسرائيلية أو المتجهة إلى كيان الاحتلال لن يتوقف طالما آن العدوان والحصار مستمرين. ليتمكن اليمن وحيداً وباعتراف الإسرائيليين من إغلاق ميناء أم الرشراش (إيلات) بشكل شبه كامل، كما توقفت سلاسل الإمدادات الغذائية للعدو التي كانت تعبر عن طريق البحر الأحمر بنسبة 70%، لتُرغم شركات الشحن والبواخر المتجهة للموانئ المحتلة إلى سلوك طريق رأس الرجاء الصالح بالالتفاف حول كامل القارة الافريقية وما رتبه ذلك من ارتفاع في كلف النقل والتأمين، وبالتالي ارتفاع أسعار السلع في الأسواق الاسرائيلية. والهجمات اليمنية في البحر الأحمر لم تتوقف لتتسع دائرة المواجهةالتي دخل على خطها الأميركيون والبريطانيون، الذين لزّموا أنفسهم مسؤولية حماية التجارة الإسرائيلية، دون أن يهتز جفن لليمنيين الذين لا يوفرون فرصة للتأكيد أن عملياتهم في البحر الأحمر مستمرة باستمرار الحصار على غزة والعدوان على بلدهم.
نقل البضائع عبر الطريق البحري”. ومع الأخذ بأن الكميات التي يمكن أن تحملها الشاحنات براً أصغر بكثير من تلك التي تنقلها السفن بحراً، إلا أن التساؤل الذي لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان هو عن الجدوى من فتح مسارات برية بديلة قد تكون عرضة للاستهداف وفق مآلات الحرب التي وإن توقفت في غزة، إلا أنها تبقى مفتوحة على كل الخيارات في منطقة ليس فيها ما تهديد لاستقرارها أكبر من “اسرائيل”.
في حمأة الحرب وعلى أنقاض كل معالم الحياة في غزة، كانت المساعي العربية تُثمر على خط واحد، يفتح مساراً لمد تل أبيب باحتياجاتها من سلع ومواد غذائية ومواد خام. كل الإبادات الجماعية، لم تشكل عاملاً محركاً باتجاه فرض مسارات وطرق للمساعدات الانسانية باتجاه غزة، وهي أقل المأمول. حتى أن التظاهرات التي خرجت في الأردن لرفض الخطوة جرى صدها، وأُطلقت حملة اعتقالات لمن رفعوا الأصوات. ليخرج صوت مفتي سلطنة عُمان الشيخ أحمد الخليلي مديناً بالقول: “بينما الشعب الفلسطيني لا يكاد يجد ما يسد الرمق ويسعف الأمعاء الجائعة، ولا يجد ما يدثر الأجساد العارية في البرد الشديد؛ تسارع بعد الأنظمة لمد جسر بري للاحتلال. لقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، فوا عجباه من هذه المسارعة في إتخام العدو بالشبع ومحاصرة ذوي القربى كأن المأساة تريح الضمائر وتنعش الحياة”.
المصدر : قناة المنار
المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع "صدى الضاحية" بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و"الموقع" غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.



