كتبت صحيفة “الجمهورية”: ما بين الداخل والخارج تناقض واضح حول مقاربة الملف الرئاسي؛ في الداخل ملهاة سياسية خارج الصحن الرئاسي، ومكونات مأزومة تضيّع الوقت وتملأ الفراغ بعراضات صاخبة وطروحات هامشية تبدو انها تفتقد الى الجدية في تعجيل انتخاب رئيس الجمهورية.
امّا في الخارج، فتبدو حركة الجهود الصديقة المرتبطة بالملف الرئاسي قد دخلت في طور التزخيم الاضافي للاندفاعة في اتجاه لبنان، والدفع نحو حسم وشيك للانتخابات الرئاسية.
جديدُ الخارج في هذا السياق قد تبدّى في رسائل فاتيكانية مباشرة قد توالت في الآونة الاخيرة تعكس “قلقاً جدياً من الكرسي الرسولي على لبنان وشعبه”، وتنطلق من “الحاجة الملحّة الى ان يتعاون اللبنانيون ويتلاقوا على واجب انجاز استحقاقاتهم الدستورية وانتخاب رئيس للجمهورية في اقرب وقت ممكن، يحقق ما يتوق اليه اللبنانيون من امن واستقرار وخروج من ازمة نالت مصاعبها من كل فئات الشعب اللبناني”.
ماكرون يضع ثقله
الا ان البارز في هذا السياق يتمثّل بالزخم الفرنسي في مقاربة الملف الرئاسي في لبنان، وربطا بذلك، كشفت مصادر ديبلوماسية من العاصمة الفرنسية لـ”الجمهورية” ان باريس انتقلت الى مرحلة جديدة من التحرّك، والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يبدو انه وضع ثقله في هذا الأمر، بِهدف الحسم السريع للملف الرئاسي في لبنان.
ومن هنا، تلفت المصادر الديبلوماسية من العاصمة الفرنسية الى ان اللقاء المنتظر عَقده اليوم بين الرئيس ماكرون والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، (الذي زار الفاتيكان امس، والتقى امين سر حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين)، يتّسم بأهميّة كبرى في هذ التوقيت بالذات، الذي يَتّصِف بدوره بدقة وحساسية كبرى في جانبه اللبناني، ومن هنا جاء توقيت زيارة البطريرك الراعي الى باريس ولقائه الرئيس ماكرون”.
وردا على سؤال، كشفت المصادر ان الرئيس ماكرون سيضع البطريرك الراعي في صورة ما خَلصت اليه اجتماعات باريس، والجهود المبذولة بالشراكة والتكامل مع الاصدقاء الدوليين، الذين تلاقوا على ان لبنان يُسابق الوقت، وان مصلحته تكمن في التعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة تشرع فوراً في اجراءات انقاذية واصلاحية، علماً ان باريس قد سبق لها ان حددت موقفها في هذا السياق، ويشاركها فيه كل الاصدقاء الدوليين، وتقاطعوا عليه في الاجتماعات التي عقدها ممثلو الدول الخمس في باريس”.
ولدى السؤال اذا كان الموقف الفرنسي يُزكّي انتخاب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية؟ فضلت المصادر عدم الدخول في التفاصيل، الا انها لَمّحت الى انّ الموقف الفرنسي يتلخص في ان الضرورات باتت تُحتّم خروج لبنان من هذا الوضع الشاذ، الذي يتهدد مصيره بالفعل، ومن هنا تتعزز الحاجة الى انتخاب رئيس على وجه السرعة، تتحقق معه مصلحة للبنان، وهو ما سبق ان تم ابلاغه الى كل القادة السياسيين في هذا البلد. وتبعاً لذلك، فإن باريس كانت وما تزال تعوّل على البطريرك الماروني كعاملٍ مساعد على هذا الانجاز الذي يعني اللبنانيين عموما والمسيحيين خصوصا، بما له من مكانة وحضور ودور”.
لعبة العبث مستمرة
واذا كان الحدث في باريس يتجلى اليوم في اللقاء بين الرئيس ماكرون والبطريرك الراعي، فإنّ الداخل اللبناني ما يزال يسير بعكس مناخات وانفراجات المنطقة، ويتأرجح على منحدر التخبط في المكان ذاته؛ فالأداء الذي تنتهجه مكونات الانقسام السياسي حيال الملف الرئاسي منذ شغور موقع رئيس الجمهورية، لم يدفع به قيد أنملة الى الامام، بل على العكس، ثبّته في مربع التعطيل، وبَدلَ الاتعاظ مما نتج عن هذا الفراغ، مِن مسّ بموقع الرئاسة الاولى ودورها وحضورها وهيبتها، وايضا من خلل وارباك على المستوى العام، لا تعدم هذه المكونات وسيلة لتمديد عمر الفراغ الى مَديات طويلة، ومنع رياح الانفراجات الاقليمية من ان تهب في اتجاه هذا البلد.
لكأنّ هذه المكوّنات قد نذرت نفسها في خدمة الشيطان، وإعدام اي فرصة تمكّن هذا البلد من استعادة نفسه واعادة انتظام الحياة السياسية فيه.
وها هو الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية يقترب من نهاية شهره السابع، ولعبة العبث بمصير البلد مستمرة على الايقاع ذاته الذي ضبطت عليه منذ نهاية الولاية الرئاسية البرتقالية في تشرين الاول من العام الماضي.
واذا كانت هذه اللعبة قد عبّرت عن نفسها في 11 جلسة انتخاب فاشلة عقدها المجلس النيابي، ولمرشح معارضة اسمه ميشال معوّض، أجمَعت كل الاطراف السياسية، بما فيها اطراف المعارضة التي تبنّته، على انه لم يكن جدياً، فإن هذه اللعبة تتكرّر في هذه الفترة انما بوجه آخر، حيث تتلهى بمرشح آخر اسمه جهاد ازعور، من دون ان تملك اي مقومات قوة دافعة نحو جَعله مرشحاً جدياً.
يروّجون اسمه ولا يتبنّونه
واذا كانت طريق ازعور مقطوعة نهائيا من جانب ثنائي حركة “أمل” و”حزب الله”، وذلك لاعتبار انهما، ووفق ما تؤكده مصادر الثنائي لـ”الجمهورية”، ملتزمان حتى النهاية بدعم الوزير فرنجية خلافاً لكل الجو الذي يروّج له من قبل منصات مدفوع لها للتشويش وقلب الوقائع، اضافة الى اعتبارات اخرى تعود الى الماضي وموقعه السياسي قبل سنوات كأحد اكثر المقربين من رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، الا ان الاثارة الصاخبة لاسمه في بعض اوساط المعارضة، لا تعني، وفق ما تؤكده مصادر مواكبة لهذا الامر لـ”الجمهورية”، انّ طريقه سهل ومفتوح، فنواب الاعتدال ليسوا في هذا الوارد، وهناك نواب تغييريون اعلنوا انهم ليسوا مع هذا الخيار، فضلاً عن ان مَن روّج لاسم ازعور لم يعلن تبنّيه له علناً وبشكل رسمي، وهذا ينطبق على “القوات اللبنانية، والكتائب، وبعض حلفائهما ممن يعتبرون انفسهم سياديين واستقلاليين وتغييريين”.
واذا كانت بعض الاوساط تتحدّث عن ان ازعور يشكل نقطة تقاطع بين القوات وحلفائها وبين التيار الوطني الحر، في مواجهة ترشيح الوزير فرنجية، الا ان النوايا شيء والواقع القائم شيء آخر، فما يحكى عن موافقة قواتية على دعم أزعور الذي التقى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، يدخل مدار الجدية والحسم في حالة وحيدة، اي عندما تعلن القوات ذلك، وتعبّر عن دعم علني لأزعور. وواضح ان القوات ترمي الكرة في اتجاه التيار الوطني الحر في انتظار ما سيقرره تجاه ازعور.
امّا من جانب التيار، فعلى الرغم مما يروّج عن اقترابه من اعلان دعمه لأزعور، الا ان مصادر مطلعة تحدثت لـ”الجمهورية” عن انّ ما يروج في العلن يُجافي ما يسود داخل التيار تجاه هذا الامر، مِن تَباين واعتراض عليه من نسبة تقارب نصف عدد نواب تكتل “لبنان القوي”، فضلاً عن انّ المعترضين ينطلقون من انه اذا كان لا بد من دعم مرشّح، فليكن هذا المرشح من داخل التكتل، الذي يضم اعضاء يملكون الاهلية الكاملة للترشح وحمل البرنامح الاصلاحي والانقاذي الذي ينادي به التيار، وليس مرشحاً من داخل ما تسمّى “المنظومة”. ومن هنا تستبعد المصادر ان يصل التيار الى تبنّي ترشح ازعور، الا اذا دفعت روح المغامرة بالبعض الى الدفع في هذا الاتجاه، فهذا معناه دخول التيار في واقع يتهدد تماسكه لا يحسد عليه”.
أين الـ65 صوتاً؟
على ان اللافت للانتباه في معمعة البحث عن مرشح تلتفّ حوله المعارضات، ما دأبَت عليه بعض اوساط المعارضة من ترويج لاقتراب بلوغ المعارضات نقطة التفاهم على دعم الوزير ازعور كمرشح يواجه فرنجية، برغم ما ينقل عن ازعور انه لا يقبل بأن يكون مرشح تَحد في وجه رئيس تيار المردة، وهو بالتالي بات يستحوذ على ما يزيد عن 65 صوتاً من النواب.
الا ان مصادر مواكبة لحركة الاتصالات استغربت لـ”الجمهورية” ما سمّته “اللاواقعية والتضخيم الوهمي لشيء غير موجود، فالوزير ازعور لم يصل بعد الى ان يشكّل نقطة التقاء بين المعارضة او المعارضات عليه، كَون هذه المعارضات ما زالت عالقة عند تبايناتها ومسلماتها التي رافقتها خلال جلسات الفشل السابقة، ومنعتها من التوحّد والالتفاف حول مرشح معين…”.
ولفتت المصادر الى انه “صحيح ان اسم ازعور متداول على خط الترشيح، ولكن لا اجماع بين المعارضات عليه، فضلاً عن ان موقف التيار ليس محسوما بعد، اضافة الى ان كتلاً اخرى حسمت تموضعها في الخط الاعتراضي على هذا الترشيح، كنواب الاعتدال وبعض نواب التغيير، وكذلك اللقاء الديموقراطي.
وتبعاً لذلك، فإنه في تقريش الاصوات المعارضة التي يروَّج انها تدعم ترشيحه، فهذه الاصوات وفي احسن الاحوال لا تزيد عن نسبة الاصوات التي سبق ونالها ميشال معوض، واذا ما بقي الحال على ما ّهو عليه من صعوبة للاجماع عليه فإنّ مصير ترشيحه لن يكون مختلفا عن مصير ترشيح ميشال معوّض.
البخاري يزور قائد الجيش
من جهة ثانية، كانت لافتة امس زيارتان للسفير السعودي وليد البخاري والسفير المصري ياسر علوي، الى قائد الجيش العماد جوزف عون، من دون الادلاء بأي تصريح حول ما دار في اللقاءين بين السفيرين والقائد، ما خلا إشارة عمومية الى انّ البحث تناول سبل دعم المؤسسة العسكرية.
قاسم والجميّل
الى ذلك، غرّد نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم عبر حسابه على “تويتر” كاتباً: “منذ البداية انطلق ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية من عددٍ وازن وهو إلى زيادة. ويحاول المعترضون على البرامج والسياسات الاتفاق لمواجهة فرنجية، وبالكاد يجتمعون على واحد من لائحة فيها ستة عشر مرشحاً.
معيار الرئيس المسيحي الوطني الجامِع أفضل للبنان من رئيسٍ للمواجهة بخلفية طائفية. حرِّروا انتخاب الرئيس من لعبة المصالح الضيِقة وتعالوا ننتخب رئيساً حُرَّاَ ينقذُ البلد ولا يكون أسيرَ مًن انتخبه”.
ورد رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل على تغريدة قاسم، فكتب عبر تويتر: “يعني إمّا التوافق على مرشح التحدي الخاص بكم وإما الرضوخ الدائم لإملاءاتكم؟! لم يعد في قاموسكم إمكانية لخيارات أخرى غير خياراتكم المدمرة؟! تخبّطكم يجعل منطقكم مضحكًا مبكيًا”.
أمل: تنكيد سياسي
واشارت حركة “أمل” في بيان لمكتبها السياسي الى انه “في الوقت الذي يُبدي الحريصون على مصلحة لبنان العليا قدراً وافياً من الخطوات والمواقف التي تدفع إلى إخراج البلد من مأزقه الحالي، وهم الذين استعملوا حقاً وطنياً وقانونياً لهم بدعم مرشحٍ لرئاسة الجمهورية يتحمل عبء المسؤولية ويقود مسيرة إنقاذ البلد، ويُباشر بوضع الحلول للأزمات ذات الأولوية التي تشغُل بال اللبنانيين، تقوم الأطراف الأخرى التي لا يجمعها جامعٌ، لِتَضارب مصالحها وتَنازُع مشاريعها، بعملية التقاء قسري ليس له من غاية إلا التنكيد السياسي والإمعان في ضرب فرص إنقاذ البلد وممارسة لُعبة الهواة في تسميات ليست جادة، ويعملون واحداً تلو الآخر على اللعب بمرشحين مفترضين ليس من أجل تأمين فرص وصولهم إلى سدة الرئاسة، بل من أجل تعطيل المرشح الجدي الوحيد حتى تاريخه”.
واكدت انه “أمام هذا الواقع نضع اللبنانيين أمام حقيقة الموقف الجدي الذي نروم من ورائه وضع حد نهائي لمسلسل الانهيار الذي يعمل فتكاً وتآكلاً بمؤسسات الدولة ويدفع بأخطر المواقع بها إلى هوّة الفراغ والتعطيل، مما يتسبب بمزيد من المآزق المجتمعية التي تُصيب مصالح اللبنانيين بالصميم، وليس آخرها عدم قدرة الدولة على دفع رواتب موظفيها العاملين منهم والمتقاعدين، وهو الأمر الذي يحتاج إلى جلسة تشريعية لمجلس النواب التي يقف دون عقدها إمعان التعطيليين بضرب المؤسسات تحت حجج واهية”.
مجلس الوزراء
حكومياً، دعا رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الى جلسة عاجلة وطارئة لمجلس الوزراء قبل ظهر غد الاربعاء في السرايا الحكومية، ببند وحيد يتعلق بالاتفاق بالتراضي مع محاميين فرنسيين لمعاونة رئيس هيئة القضايا في الدعوى المقدمة من الدولة الفرنسية أمام قاضية التحقيق الفرنسية في ملف آنا كوساكوفا ورفاقها، وذلك للتباحث والنقاش مع الوزراء حول هذه المسألة، ليقرر مجلس الوزراء في ضوء النقاشات ما يراه مناسباً.
وكان ميقاتي قد اجتمع في السرايا، امس، مع الامين العام لهيئة التحقيق الخاصة المعنية بتطبيق قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب عبد الحفيظ منصور، واطلع منه على نتائج إجتماعات فرق العمل والإجتماع العام السادس والثلاثين لمجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا التي جرت في مملكة البحرين.
وأعلن منصور بعد الاجتماع: “استقبلني الرئيس ميقاتي هذا الصباح للاستيضاح عن عملية تقييم مدى التزام لبنان بإجراءات مكافحة تبييض الأموال ومكافحة الإرهاب، ووضَعتُه في الصورة الكاملة، فلبنان خضع لعملية التقييم لمدى التزامه بالمعايير الدولية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب لفترة 16 شهرا، وهي فترة طويلة، لكن هذه الاجراءات عادية وتطبّق في كل دول العالم. وكما جاء في البيان الصادر عن هيئة التحقيق الخاصة نهاية الأسبوع الماضي، فلقد كان التقرير موضع مناقشة على مدى ثلاث جلسات”.
وقال: “يقتضي الانتظار لحين صدور التقرير ونشره الشهر المقبل، وقبل نشره لا اعتقد بأنه يمكننا أن نتكلم عن أي اجراءات تتعلق بـ”الادراجات” وما خالفها وكل الاخبار التي انتشرت الأسبوع الماضي. ولقد كان لبنان ممثلاً خلال المناقشات والمداولات بفريق على درجة عالية من المهنية، وهذا كان مثار تقدير جميع الحاضرين، وبذلَ جهدا كبيرا لمناقشة هذا التقرير، وإن شاء الله نرى النتائج في التقرير الذي سينشر الشهر المقبل”.