ثمة ظاهرة غريبة في الحرب على غزة، وغير مسبوقة في مسار الحروب والنزاعات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، حيث يستهدف الجيش الإسرائيلي، وبشكل إجرامي، الصحفيين والمراسلين الذين يقومون بواجباتهم المهنية، وينقلون الأحداث من مناطق الإشتباكات، بالصوت والصورة، متحملين مشقة وأخطار مهنة المتاعب.
بدأ إستهداف المؤسسات الاعلامية في الأيام الأولى للحرب بالقصف الوحشي لمكاتب وكالة الصحافة الفرنسية في غزة، حيث تم تدمير مبنى البرج بكامله، على رؤوس من كان في مكاتب أعمالهم.
ثم توالى سقوط الصحفيين الواحد تلو الآخر، حتى قارب عدد الشهداء الإعلاميين ٩٢ شهيداً، فضلاً عن العديد من عائلاتهم الذين قضوا تحت أنقاض منازلهم، جراء القصف الهمجي على المناطق السكنية، وتعمد إسرائيلي فاضح على إيقاع أكبر عدد من الضحايا المدنيين، حيث سجلت الحرب على غزة نسبة قياسية من الإصابات، وصلت حتى كتابة هذه السطور، إلى ٥٢ ألف جريح و١٩ ألف شهيد، أكثر من ٧٠ بالمئة منهم أطفالاً ونساءً. وكان آخر الضحايا مراسلا «الجزيرة» وائل الدحدوح الذي تم إسعافه من جراحه الخطرة، فيما إستشهد زميله المصور سامر أبو دقة.
والمراسلون الصحفيون في جنوب لبنان لم يكونوا أوفر حظاً من زملائهم في غزة، حيث إستهدف صاروخ إسرائيلي مجموعة من المندوبين والمصورين أودى بحياة مصور «رويتر» عصام عبد الله، وجرح عدد من زملائه الذين كانوا يتحركون سوية، متخذين كل الإحتياطات المهنية المعهودة.
وأعاد جيش العدو الكرّة بعد أسابيع حيث أغار على قافلة سيارات للصحفيين، أودت بحياة مندوبة قناة «الميادين» فرح عمر وزميلها المصور ربيع المعماري، وإصابة عدد آخرين، حيث اضطرت مندوبة وكالة الصحافة الفرنسية الصحافية الشابة كريستيان عاصي إلى بتر ساقها.
ظاهرة إستهداف المراسلين على جبهات القتال تكشف مدى خوف حكومة نتانياهو من إنكشاف نتائج مجازر الحرب الوحشية على غزة، والتي إعتبرها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريتش جرائم ضد الإنسانية، أمام الرأي العام العالمي، خاصة جثث الأطفال الخدَّج والنساء، وعمليات إقتحام المستشفيات وتحطيم محتوياتها، والحؤول دون معالجة المدنيين المصابين بالغارات الإجرامية.
لقد كشفت تداعيات الحرب على غزة زيف الإدعاءات الرائجة عن ديموقراطية الدولة الصهيونية، والتي لا تتورع عن إرتكاب الجرائم الموصوفة ضد الإعلاميين لإخفاء مجازر الحرب، التي تظاهر الملايين في أميركا وأوروبا مستنكرين بشاعة العدوان الإسرائيلي الوحشي على المدنيين العزّل، دون مراعاة الإعتبارات الإنسانية في قانون الحرب الدولي.
حتى الصحفي الإسرائيلي أرييل شمعون في جريدة «يديعوت أحرونوت»، الذي كشف الأرقام الكبيرة لخسائر الجيش الإسرائيلي في غزة، والتي بلغت حتى الأسبوع التاسع من بدء الحرب، خمسة آلاف إصابة، ضغطت حكومة نتانياهو ليتم طرده من عمله، لأنه تجرأ على كشف حجم الخسائر الفادحة في صفوف الجيش الإسرائيلي.
أي ديموقراطية يتحدثون عنها في هذا الكيان العنصري والنازي بإمتياز؟