ما إن يخطو لبنان خطوة إلى الأمام في محاربة الفساد حتى يعود عشرات الخطوات إلى الوراء. فضيحة تلو أخرى تؤكد مرة جديدة أن “الغش” والتلاعب بصحة اللبناني باتا وجهة نظر، وأن غياب الرقابة كما المحاسبة هما أولى نتائج هذا التفلّت في السوق اللبناني.
أدوية مزوّرة ومغشوشة تتوغل في لبنان بصمت ونشاط ولا نعرف بها إلا بعد تسجيل آثار جانبية لمريض تناول دواءً مزوراً أو نتيجة دخوله إلى المستشفى، عدا ذلك “الله يستر” ما الذي يحصل داخل المنازل من دون معرفة أحد بسبب غياب ثقافة الإبلاغ.
تتعالى الصرخات الطبيّة التي تُحذّر من خطورة ما يجري، وتحاول الوزارة تلقف المشكلة قبل أن نسقط في الدوامة نفسها. لم تنجح اتصالاتنا المتكررة بالمسؤولة في وزارة الصحة ريتا كرم للحصول منها على إجابات شافية حول تصريحها لوكالة “رويترز” عن اكتشاف حقن مغشوشة لعقار “أوزمبيك” في لبنان تسبّب بإصابة 11 شخصاً بآثار جانبية واضطر واحد منهم إلى دخول المستشفى.
نعود إلى نقطة الصفر في ملف الأدوية المزوّرة، ويجد اللبنانيون ضالتهم في الحصول على الأدوية المقطوعة أو التي لا تفرض وصفة طبيّة إلى اللجوء إلى السوق السوداء أو إلى “تجار الشنط” لتأمين أدويتهم من دون التأكد من صحتها ومأمونيتها.
تواصل نقابة الصيادلة مساعيها في تقديم شكاوى بحق كل المخالفين الذين يعرضون الأدوية على شبكات التواصل الاجتماعي، ولكن كما يؤكد نقيب الصيادلة جو سلوم في حديثه لـ”النهار” أنه “كلما تقدمنا بملف إلى النيابة العامة نتفاجأ بفتح صفحات جديدة تنمو كالفطر للترويج للأدوية وبيعها أونلاين وتسليمها إلى اللبنانيين”.
وعن مدى قدرة الصيدلي على معرفة الحقن المغشوشة، يشدد سلوم على أنه “يصعب عليه اكتشاف المزوّر منها، لذلك حفاظاً على صحة المواطن يصر الصيدلي على شراء الأدوية من الوكيل الرسمي الذي يمنع الوقوع في فخ الغش والتزوير”.
بات اللجوء إلى السوق السوداء أو تجارة الشنطة أمراً بديهياً عند قسم كبير من اللبنانيين، ويُقدّر نقيب الصيادلة أن “نحو 30 إلى 40 في المئة من اللبنانيين يشترون أدويتهم بهذه الطريقة غير الشرعية، وهنا تكمن الخطورة. لذلك الحل في حال انقطاعه في لبنان أو في الصيدليات عدم اللجوء إلى السوق السوداء أو تجار الشنط أو مواقع التواصل الاجتماعي، يتمثّل بطلب من شخص يثقون به من إحضار الدواء معهم من الخارج وليس عبر مواقع التواصل الاجتماعي”.
ويعترف سلوم أن الطلب المتزايد على عقار “أوزمبيك” هو لخسارة الوزن أكثر بكثير من استخدامه الأساسي للسيطرة على مرض السكري. وبالتالي للحصول عليه كان المريض الذي يستخدم الدواء يقدّم الوصفة الطبية إلى الصيدلي، في حين أن اللبنانيين يحصلون عليه من السوق السوداء بطريقة غير شرعية ومن دون وصفة طبية. وهذا ما يُسهل وينشّط دخول الأدوية المغشوشة والمزورة إلى السوق من دون رقابة”.
كيف نُميّز بين الحقنة المغشوشة والأصلية؟
يقف المواطن حائراً ومتوجساً، كيف له أن يُميّز بين الحقنة المغشوشة والأصلية؟ ولمساعدته على تفادي الغش والتزوير، تشرح الاختصاصية في أمراض الغدد الصم والسكري الدكتورة كارول سعادة رياشي في حديثها لـ”النهار” عن بعض الفروقات التي تساعد على اكتشاف التزوير وأهمها:
1- يوجد على علبة الحقنة ملصق باسم الموزع الرسمي (Mersaco)
2- صورة القلم الذي يحتوي على Ozempic أو Saxenda مختلفة عن صورة القلم المزور.
3- القلم المزور يمتد على الآخر في حين أن القلم الأصلي لا يفتح كلياً.
4- عيار القلم يكون صفراً أو 0.25 أو صفراً أو 0.5 بالميللغرام.
5- رقم الدفعة وتاريخ انتهاء الصلاحية ظاهران بوضوح.
وانطلاقاً من هذه المؤشرات والعلامات يمكن أن يتفادى اللبناني الوقوع في فخ تزوير الحقن التي بات استخدامها واسعاً جداً وغير محصور بمرضى السكري.
وعما إذا كان يحق لأي شخص استخدامه، تؤكد رياشي أهمية “استشارة طبيب عائلة أو اختصاصي في غدد الصم والسكري بهدف إجراء فحوص مخبرية وتصويرية والتي على أساسها ينصح بتناول هذه الحقن من عدمها”.
وفي حال وُصف الدواء للشخص لعلاج حالة طبية معينة، يتوجب على المريض أن يتوجه إلى صيدلي موثوق والحصول على الدواء الموزع من الوكيل الرسمي في لبنان.
وتسترجع رياشي حادثة وقعت مع إحدى الصيدليات المتقاعدات حيث قرّرت ابنتها أن تؤمن لها الحقن بعد أن اشتدت أزمة انقطاعها في لبنان ليتبين أن الحقن تحتوي على أنسولين سريع أدى إلى انخفاص حاد في نسبة السكر في الدم وتمّ ادخالها إلى المستشفى.
وعن مخاطر الحقن المغشوشة، تُلخصها اختصاصية الغدد الصم والسكري بخطر هبوط حاد في السكر والغيبوبة وربما الوفاة!