وسط الحديث عن هُدنة في غزة في إطار صفقةٍ لـ”تبادل الأسرى” بين إسرائيل وحركة “حماس”، قيلَ الكثير عن جبهة لبنان ووضعها وما ستشهدهُ من أحداثٍ بعد التوتر المُتصاعد فيها.
أغلبُ المحلّلين والخبراء قالوا إنَّ أي هدوء في غزّة قد يتبعهُ “هدنة” في جنوب لبنان على اعتبار أنّ “حزب الله” يعتبرُ جبهة لبنان “مُسانِدة لغزة”، وبالتالي فعند توقف العدوان الإسرائيليّ على الأخيرة “مرحلياً”، من المُفترض أن يسري الهدوء الحذر على جنوب لبنان. ولكن.. ما هي المحاذير التي تُهدّد ذلك؟ وما هي الأمور التي تُخطط إسرائيل لفعلها ضدّ الحزب رغم حصول الهدنة؟
ما تكشفه مختلف التقارير الإسرائيلية عن لبنان يحمل دلالاتٍ أساسية تفيد بأنّ الهدوء – إن حصل – قد لا يستمرّ طويلاً عند الجبهة الجنوبية.
بالنسبة لتل أبيب، فإن خطر “حزب الله” ما زال قائماً، وعلى أساس هذا الأمر جاءت التهديدات الإسرائيلية العديدة يوم أمس، وآخرها كان على لسان وزير الخارجيّة إيلي كوهين.
القصف المُستمر
إنطلاقاً من “الوعيد الإسرائيليّ” الذي رفض ربط وقف إطلاق النار في غزة بتجميد التوتر في لبنان، يُمكن إستشراف أنَّ القصف الذي يقوم به جيش العدو قد يبقى مستمراً ضد الجنوب حتى وإن دخلت غزة الهُدنة.
فعلياً، فإنَّ تل أبيب ما زالت ترى أن الحزب يُشكل تهديداً لها، وبالتالي فهي لن تتوانى عن تنفيذ اعتداءاتٍ على قاعدة أنها تُريد “ردع الحزب” قدر الإمكان وضمن الحرب المحدودة التي تراها سبيلاً جيداً لتحقيق هدفها. كذلك، يتبيّن من كلام العدو أنه يسعى لإقناع نفسه وجمهوره، أن باستطاعته الآن إحباط أي مُخطط كبير قد ينفذه “حزب الله” ميدانياً في وقتٍ لاحق، وتحديداً ذاك المرتبط بإقتحام الجليل عبر “قوة الرضوان”، أسوة بما فعلته حركة “حماس” في غزّة يوم 7 تشرين الأول الماضي، حينما هاجمت المُستوطنات الإسرائيليّة.
هدفٌ أساسي.. ما هو؟
إذاً، وبالنسبة للإسرائيليين، فإنّ التركيز على قصف مواقع “حزب الله” يأتي من قاعدة أن تل أبيب تسعى لإستنزاف الحزب من دون الذهاب إلى حرب مفتوحة، وبالتالي منعه من إستحضار مقاتلي “الرضوان” لديه إلى المواجهة خلال المعركة الحالية.
الكلامُ هذا بات يبرزُ بشدة في الدّاخل الإسرائيليّ، ومن الممكن أن يرى جيش العدو في عملياته التي ينفذها ضد لبنان، غطاءً نارياً للوصول إلى قوة “الرضوان” وإسداء ضربات محوريّة ضدها وتصوير ذلك بمثابة إنتصار له مثلما فعل مع “حماس”.
كذلك، يتبين من خلال تحليل الخطاب الإسرائيلي أن تل أبيب تسعى لمنع تقدم تلك القوّة لدى الحزب باتجاه الحدود أقله خلال الفترة الحالية، لأنها تُشكل خطراً كبيراً على الإسرائيليين في حال اتخذ القرار باستخدامها عسكرياً. المسألة هذه ضرورية بالنسبة لتل أبيب لأنها تُواجه معضلة داخلية تتمثل بامتناع سكان المستوطنات الإسرائيلية المحاذية للبنان عن العودة إلى منازلهم بسبب وجود “قوة الرضوان” عند الحدود. المسألة هذه تؤرق إسرائيل جداً، ولهذا السبب تسعى لانتزاع هدفٍ ما بأسرع وقت ممكن من أجل تقديمه كإنجاز أمام المجتمع الداخلي وتحديداً سكان المستوطنات.
عملياً، فإن الحزب يُدرك تماماً ما تريده إسرائيل ميدانياً، ولهذا السبب يعملُ وفق تكتيكات تمنع تحقيق هدف الإسرائيليين بإستنزاف وإرهاق قدراته القتالية بشرياً وعسكرياً، علماً أن هذا السيناريو حققه الحزب فعلاً في الداخل الإسرائيلي حينما تمّ الإقرار بأنه استطاع فرض نيرانه على الجيش الإسرائيلي وبالتالي بات يخوض حرب إستنزاف صعبة ضد الأخير سواء من خلال قصف مراكزه أو تجمعاته.
إستهدافات مباشرة للقادة
وخلال الساعات الماضية، نعى “حزب الله” 5 شهداء سقطوا في بلدة بيت ياحون – الجنوب إثر قصف إسرائيلي، من بينهم نجلُ رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد.
ما حصل يمثلُ إستهدافاً واضحاً للحزب ولمجموعات أساسية منه. وتفصيلياً، ما يتبين هو أن إسرائيل باتت ترفع من حجم بنك أهدافها ضدّ الحزب عبر إغتيال قادة أساسيين فيه، والأمر نفسه فعلته مع كتائب “القسام” في لبنان حينما استهدفت يوم أمس الأول في بلدة الشعيثية، قائداً عسكرياً فيها وهو خليل الخراز.
ميدانياً، يمكن أن تكون إسرائيل حصلت على لائحة جديدة ببعض المواقع التابعة لـ”حزب الله” عبر أجهزة استخباراتها وجواسيسها بهدف قصفها، ولهذا السبب قد لا تتراجع في الوقت الراهن حتى تحقيق ما يمكنها تحقيقه ضمن المواجهة الحالية.
في الواقع، فإن هذه المسألة التي حصلت خطيرة جداً، فتوسيع إسرائيل بنك أهدافها ضدّ القادة الميدانيين، واستطاعتها الآن تحقيق بعض مما تُريده في عمق متقدم داخل لبنان، قد يدفعها لمواصلة عدوانها أكثر لتحقيق المزيد من الأهداف ضد “حزب الله”، وبالتالي إستغلال ذلك لإراحة الداخل الإسرائيلي كي لا ينقلب ضدّ الحكومة أكثر. أما الأمر الأكثر خطورة فيرتبطُ بدور الجواسيس الذين ساهموا إلى حد كبير في مساعدة العدو على تحديد أهدافٍ غير عادية ميدانياً وعسكرياً داخل لبنان.
ما تقدّم يمكن أن يقدم تحليلاً مبسطاً لما يخطط له العدو ضد “حزب الله” في لبنان خلال “هدنة غزة” وبعدها..
لكن، السؤال: هل ستنتقل المعركة المفتوحة إلى لبنان؟ وهل يمكن اعتبار هذه الحرب المحدودة بمثابة خطوة إستنزافٍ متبادل بين الطرفين لتحقيق معادلة ردع جديدة؟