مقالات

انتهى “بنك الأهداف”.. هل تضحّي أميركا بنتنياهو لحماية “ما بقي” من “إسرائيل”؟

يتفق الكثير من المراقبين على أن بنك الأهداف لدى الكيان الصهيوني في غزة، قد شارف على الانتهاء، ولم يعد من المجدي الاستمرار بالقصف المدمر الذي يحصد الآلاف من الشهداء الأبرياء في فلسطين المحتلة.

ولعلها من المرات القليلة التي يتفق فيها الساسة والمراقبون على ضبابية المشهد، وعدم وضوح الرؤية للغد الذي يلي اليوم.

ولعل الثابت الوحيد في هذه المعركة هو عدّاد الشهداء المستمر بالتزايد، مدنيين ومقاومين، فلسطينيين ولبنانيين، وقد يتسع ليشمل آخرين.

ومن هنا، فإن الأسابيع الثلاثة الماضية، كانت أشبه بالمرور فوق بركان متفجر، سعى مختلف الأطراف إلى المرور منه بسلام من دون الوقوع في محظور التفجير. لكن، وبحسب المعلومات، فإن دوائر القرار الأوروبية تصف المعبر بالـ”خيط الرفيع” الذي بات العبور عليه غاية في الخطورة.

والسؤال البديهي المطروح حالياً هو حول ماذا يجري الآن بالفعل، وإلى أين تتجه الأمور؟

وللإجابة على هذا السؤال يجب أولاً توصيف حال أطراف النزاع، والأهداف الموضوعة من قبلهم، ومن ثم التنبؤ بما يمكن أن يحصل في الأيام المقبلة.
لا شك أن النزاع الحالي خرج منذ اليومين الأولين من قتال صهيوني ـ فلسطيني، إلى صراع غربي (أميركي ـ أوروبي) من جهة، ومشرقي شرق أوسطي من جهة أخرى، وبات الربح والخسارة في أرض غزة رغم ضيق مساحتها، على اتساع الحضارات.

فوجود “إسرائيل” ككيان أصبح مهدداً بشكل جلي بعد السابع من تشرين الأول، الأمر الذي استدعى استنفاراً غربياً سريعاً تجلى بحاملة الطائرات الأميركية والبوارج الحربية وقوات “الدلتا”، بالإضافة الى “حج” المسؤولين الغربيين إلى الكيان الصهيوني، منها اتصالات سبع للرئيس الأميركي مع نتيناهو خلال مدة أسبوعين، في دلالة واضحة على خطورة الوضع هناك.

وفي المقابل، المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة “حماس”، ومن ورائها محور كامل، على أهبة الاستعداد، وعلى رأسه المقاومة في لبنان التي قامت بخلق توازن حربي مع الكيان ضمن قواعد اشتباك دقيقة، منعته من امكانية حسم معركة غزّة في وقت قصير مثلما كان يشتهي.

وعليه، بإلقاء نظرة أكثر شمولية لما يحصل في المنطقة، فإن الصراع يديره الأميركي نيابة عن الغرب، والأمين العام لـ”حزب الله” نيابة عن سكان المشرق. ولوصف حالة كل جهة، يكفي رؤية مظاهر الارتباك على جبهة الغرب، والهدوء والطمأنينة في جبهة المشرق.

ذلك أن الغرب المتوحش الموغل بقتل الأبرياء وإبادة السكان الأصليين منذ نشأته، يعيش حال التخبط منذ السابع من تشرين الأول الحالي، لانعدام القدرة على حسم المعركة والانتصار فيها، ولانتهاء بنك الأهداف التي جمعتها استخباراته، وفي نفس الوقت غرق في وحل بات من الصعب عليه الخروج منه، وهو ملطخ بكم هائل من الدماء التي أذلته ومرغت أنفه بطين الخزي والفشل، ولذلك يمعن في اجرامه لعله يجد مخرجاً يستطيع من خلاله الخروج من هذه الحالة بأقل قدر من الخسائر.

والمشرق المطمئن يعلم جيداً أن هذه الجولة ستؤسس لمرحلة “منطقة بدون اسرائيل”، وما اجتماع “الآباء المؤسسين” لهذا الكيان على ضرورة الوقوف معه، سوى دليل على الشعور بقرب نهايته وانتهاء دوره الوظيفي، الأمر الذي يعد كارثة بالنسبة لهم على مختلف المستويات، أقلها هي هجرة الكتلة اليهودية إلى دولهم بكل ما يحملونه من قيم ستغير من هويتهم الوجودية بالكامل.
حسناً إذاً…

نتحدث عن صراع حضاري، ومشاريع عالمية مبنية على وجود أو عدم وجود الكيان، وعلى وجود أو عدم وجود المقاومة في فلسطين. لا يعني ذلك بالطبع أن “محور المقاومة” قادر في الوقت الراهن على محو “إسرائيل” من الوجود من دون تحمل تبعات هذا الزلزال، ولا يعني بالطبع أن الغرب المتوحش سيسمح بتحقيق هذا الهدف من دون إذاقة فاعليه مرارة فعلتهم. ولكن مما لا شك فيه أن القواعد المتخلخلة لهذا البنيان المصطنع، بحاجة إلى ترميم لسنوات كي يستعيد وضعه السابق، وهو ما تراهن المقاومة على عدم السماح بحصوله.

وبالعودة إلى أطراف النزاع، فبعد أن كانت الرسائل تنقل بالبريد الديبلوماسي وعبر الوسطاء خلال الأيام الأولى من معركة طوفان الأقصى، أصبحت تنقل بالقذائف والصواريخ، الأمر الذي أصبح جلياً من خلال أداء حركات المقاومة في لبنان والعراق واليمن، والبيانات التي تصدر من أكثر من جهة معلومة ومجهولة، والرد عليها يأتي كالعادة على شكل غارات على رؤوس المدنيين في غزة، والحصار المطبق على مليوني انسان يعيشون أصعب ظروف الحياة، بالإضافة إلى استهداف المقاومين في جنوب لبنان ضمن قواعد الاشتباك المفروضة. وهذا ما يفسر إصرار جيش الاحتلال على أن تكون ضرباته تصيب المقاومين، بعدما كان يتجنب ذلك في الأيام الأولى من بدء المعركة.

ولأن رسائل النار تحمل في طياتها خسائر بشرية، وقواعد معينة للتعامل تختلف عن الرسائل الديبلوماسية، فإن أطراف المعركة الحالية يراهنون على مدى تحمل الطرف الآخر وصبره، قبل الجلوس على طاولة المفاوضات والعودة على تبادل الرسائل الباردة ـ إن صح التعبير ـ وذلك كي يحصلوا على أكبر قدر من النقاط والمكتسبات التي تمكنهم من فرض شروطهم على الطرف الآخر.
وفي هذا السياق يجب الالتفات إلى نقطتين هامتين:

الأولى أن قيادة المقاومة لا تساوم على دماء الأبرياء ولا تبني مكتسباتها، بصرف النظر عما يحصل للمدنيين، وبل للعسكريين أيضاً، لكن أي تراجع لن يغير من الطبيعة العدوانية لهذا الغرب المتوحش، وأي استسلام لن يمنعه من الاستمرار في قتل الأبرياء، وفي مرحلة ما بعد أوسلو وحرب أفغانستان وحرب العراق، وغيرها الكثير، من الأمثلة خير أدلة على ما تنتهجة قيادة المحور.

الأمر الثاني، أن صبر المقاومة مرتبط ببقائها في أرضها، وهي تعلم أن أي ثمن هو دون ثمن الهزيمة، وأنه دون ثمن الترحيل أو التهجير، وبالتالي لن يكون لديها ما تخسره إذا ما استمرت في تقديم التضحيات. لكن بقاء الطرف الآخر مرهون بمدى تأمين مصالحه، وبالتالي كلما زاد ثمن البقاء وأصبح من دون جدوى المصلحة، فإن ذلك سيعني رحيلهم والبحث عن سبل أخرى لتحقيق هذه المصالح.

إلى ذلك، فإن أفضل إدارة هي من تحقق أفضل النتائج بأقل التكاليف. فإذا كان تحقيق الأهداف يمكن من دون المعركة الكبرى، فإن العقل يفرض الذهاب إليه من دون الالتفات إلى كل خطابات التيئيس أو التخوين. وإذا كان لابد من التوسع، فالضرورات تبيح المحظورات بقدرها، خصوصاً إذا كانت الكرة اليوم في الملعب الأميركي الذي عليه أن يختار بين بقاء نتنياهو في سدة الحكم والتضحية بكل شيء، أو التضحية بـ “بي بي” واكتساب الوقت لكي يتمكن من ترميم ما يستطيع ترميمه… وإلى ذلك الحين فإنه من المتوقع أن تبقى الأمور ضمن الحدود الحالية ولا تتعداها.

| علاء حسن |

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى