كتبت “الجمهورية” تقول: يبدو أنّ لبنان سيبقى إلى أمد بعيد متأثراً بانخفاض مستوى الوعي السياسي للمخاطر التي تتراكم فيه، وتُنذر بانزلاقه الى وضع يصبح فيه فاقداً للحد الادنى من المناعة والقدرة على الاستمرار.
كل ملفات الداخل متفجرة، والاستقرار المالي والاقتصادي والاجتماعي الحياتي باتت تفصله عن الانعدام الكلي شعرة رفيعة آيلة لأن تنقطع في اي لحظة، ويقع الملف الرئاسي في صدارة هذه الملفات، مطروحاً بين مكونات تعاني ارتفاعا في ضغط الدم السياسي الثقيل، ولم تتعب بعد من هذه اللعبة العبثية بكل ما فيها من نكد سياسي واشتراطات وولدنات سَدّت كل الآفاق المؤدية الى انفراج رئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية.
لننتظر جلاء الصورة
الساعات الأخيرة لم تحمل جديداً على الخطّ الرئاسي، او أي اشارات حول ما بلغه المسعى القطري الذي دخل أسبوعه الثالث، فالموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني صامت لا يكشف اوراقه، يقابله داخل لبناني مُربك، وموزّع بين من يبحث عمّا يخفيه خلف هذا الصمت، وبين من يَنعى حركة الموفد القطري ويروج لفشلها، وبين من يعتبرها مهمّة مفتوحة غير محددة بسقف زمني بدليل تمديده لفترة إقامته في بيروت، وبين من هو مُنهمك بتحليلات وتفسيرات واختلاق سيناريوهات وتخيلات لا تمت الى مهمة الموفد القطري بصلة لا من قريب او من بعيد.
حول هذه الأجواء سألت «الجمهورية» مرجعا سياسيا مطلعا على حراك الموفد القطري، فقال: مرة جديدة نقول لا تستعجلوا الحكم على المسعى القطري، انه يقوم بمسعى بجدية لمسناها فعلاً، وهو مستمر في هذا المسعى ويتواصل مع الجميع، لن ادخل في تفاصيل ما طرحه، كما لن اقول انه نجح في مسعاه او اخفق، فلننتظر بعض الوقت لجلاء الصورة ولا اعتقد انّ هذا الوقت سيطول».
مراوحة في القديم!
ووفق معلومات موثوقة لـ«الجمهورية» فإنّ ما تحفّظ المرجع المذكور عن ذكره، ألمحَ اليه «تقرير حول مهمة جاسم آل ثاني»، أعدّته جهة سياسية بارزة، تضمّن مجموعة خلاصات مفادها:
اولاً: أساس مهمة الموفد القطري، الوصول الى خيار رئاسي ثالث، غير سليمان فرنجية وجهاد ازعور (بالاستناد الى جلسة الانتخاب الاخيرة التي كانت نتيجتها 59 صوتا لأزعور و51 صوتا لفرنجية ما يعني انهما في تحقيق نسبة الفوز).
ثانياً: كان حريصاً في لقاءاته مع «حزب الله» على ان لا يبدو انه يسوّق لقائد الجيش العماد جوزف عون. بل ان هناك سلة اسماء يمكن الاختيار من بينها.
(ترددت في الاعلام أسماء قائد الجيش، المدير العام للامن العام بالانابة اللواء الياس البيسري، زياد بارود، نعمة افرام، وغيرهم).
ثالثاً: كان في طيات كلامه امام «الثنائي الشيعي» دافعاً في اتجاه أن يُعيدا النظر في دعم ترشيح الوزير سليمان فرنجية. لكنه قوبِل بأن ليس لدى الثنائي ما يسمّى «PLAN B».
رابعاً: حاول في لقائه مع الوزير فرنجية ان يقنعه بالعدول عن ترشيح نفسه، فجاء الجواب اصرارا وتصميما على مضيه في المعركة الرئاسية.
خامساً: سلة الاسماء التي تداول بها الموفد القطري مع الاطراف الاخرى، لم تكن محل إجماع.
تبعاً لذلك، وصف مصدر سياسي رفيع مشهد الحراكات الجارية بـ«المراوحة في القديم، فالصورة على حالها لا اقول منذ ما قبل وصول الموفد القطري لا بل منذ اشهر طويلة، ولا ارى في الافق أي تبدّلات ستحصل. فالتغيير ممكن في حالة وحيدة وهي أن تُغيّر اطراف التعطيل الرئاسي ما في نفسها، وهذا امر أقلّ ما يقال فيه انه مستحيل».
وردا على سؤال، قال: الخيار الرئاسي أيّاً كان رقمه، ثانيا او ثالثا او رابعا، مرهون بتراجعات وتنازلات داخلية متبادلة تنسج توافقاً عليه، ولكن بكل قناعة وثقة اقول انّ حصول تغيير في واقعنا السياسي القائم مستحيل لأن لا احد من الاطراف السياسية في وارد ان يتنازَل او يتراجع عن موقفه. ذلك ان تراجع اي طرف يعتبر هزيمة بالنسبة اليه امام الآخرين. لإن تراجعت «القوات» فذلك يعني في رأيها انتصارا للتيار الوطني الحر» و«حزب الله»، وإن تراجع التيار فذلك يعني في رأيه انتصارا للآخرين ومروحة خصوم التيار واسعة، واذا تراجع ثنائي حركة «امل» و«حزب الله» فهذا يعني في رأيهما أنهما سلّما البلد برئيس الجمهورية والحكومة الجديدة الى من يسعى الى عزلهما. ومن هنا قد يأتي موفدون، ويذهب موفدون، ولن يتمكنوا من كسر هذا الجدار.
خَلف مستمر
الى ذلك واصلَ النائب ملحم خلف اعتصامه في القاعة العامة للمجلس وقال لـ«الجمهورية»: انه اليوم الـ ٢٦١ من اعتصامه بهدف تطبيق الدستور لعقد جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، وانه لا يتابع الاتصالات الجارية، «ربما لأنّ الناس نسيت انني مستمر بالاعتصام ولا احد مهتم بالموضوع». اضاف: انّ مدخل اعادة انتظام الحياة العامة في لبنان يمر وجوباً بانتخاب رئيس للبنان، وهي مسؤولية شخصية لـ١٢٨ نائباً، ولا أحد سواهم.
يَبتزّوننا بضعفنا
واذا كانت البرودة ما زالت متحكّمة حتى الآن بمسار الاتصالات والحراكات الرامية الى بلورة حل رئاسي، الّا ان النار مشتعلة في مكان آخر. فها هو ملف النازحين السوريّين قد غطّى على كلّ تلك الملفات، بصعوده في توقيت مريب وبإرادة خبيثة لضرب الامن اللبناني، إنْ بجحافل النازحين التي تتدفق عبر الحدود الفالتة، او عبر مجمّعاتهم التي تحولت الى محميات ومستودعات للاسلحة، او بتفشيهم في المجتمع اللبناني وارتكاباتهم ومضايقاتهم للبنانيين ومزاحمتهم لهم في لقمة عيشهم.
رهان لبنان على مساعدة ممكنة من المجتمع الدولي لرفع هذا العبء عنه، يتأكّد يوماً بعد يوم انه رهان ساقط وبلا اي معنى، كَون الدول الخارجية جميعها شريكة في جريمة إغراق لبنان بالنازحين بل وتوطينهم فيه على ما ذهبَ اليه الاتحاد الاوروبي، فإنه لم ينفع ان يحكّ جلدك الا ظفرك، والكلام هنا لمسؤول كبير، حيث اكد لـ«الجمهورية»: هناك مؤامرة حقيقية على لبنان، يستغلّون مشاكلنا وانقساماتنا الداخلية وعدم انتظام حياتنا السياسية، ويبتزّوننا في ضعفنا ويتعاطون معنا كدولة فاشلة، يبعدون اليها شرّ النازحين عنهم. وفوق ذلك يرفضون تقديم ايّ مساعدات أسوة بالدول التي يعتبرونها دول لجوء، وإنْ قدّموا فيقدمون الفتات الذي لا يسدّ ولو الجزء القليل جداً من الكلفة الباهظة التي يتكبدها لبنان».
ويحذّر المسؤول عينه من «انّ تفاقم هذا الملف سيوصِل حتماً الى انفجار، ولا يمضي يوم الّا ويُدقّ فيه جرس انذار من انفجار هذه العبوة في الكيان اللبناني، وما حصل بالأمس في الدورة (أوقفَ الجيش ما يزيد عن 26 سوريّاً لهم علاقة بإشكال الدورة ليل الخميس)، وقبل ذلك في الدكوانة، وقبله وقبله في مختلف المناطق اللبنانية ينذر بعواقب وخيمة، وفلتان يستحيل ضبطه». وقال: «كل ذلك لا يقابل بالداخل كما يجب. الحكومة، ومهما ادّعت بأنها تعمل، فهي مقصّرة، منهمكة فقط بالاشتباكات الداخلية بين بعض وزرائها حول هذا الملف، وهذا امر معيب. وخلاصة الكلام انه لا يكفي التباكي، المطلوب خطوات فورية أكانت خطوات من جانب واحد او بالتنسيق مع الجانب السوري لإعادة النازحين الى بلدهم».
فلتان من الجانب السوري
على انّ مصادر معنية بملف النازحين تلفت الى انّ مشكلة النازحين قائمة على ثلاثة اطراف تفاقمها: الاول، المجتمع الدولي ورفضه اعادة النازحين على اعتبار انه لم يحن الأوان لذلك. والثاني، الدولة اللبنانية المتخبطة في محاذراتها ان تخالف توجه المجتمع الدولي، وفي ضعفها وعدم امتلاكها القرار والقدرة على فرض اعادة النازحين او ضبط الحدود. اما الثالث، فهو الجانب السوري الذي لم يقم بأيّ خطوة من جانبه لضبط معابر التهريب من الجانب الآخر، بل يعتمد التراخي فيها ويغضّ النظر عنها، على نحوٍ يبدو فيه وكأنّه يتعمّد فتح هذه المعابر امام السوريين، وربما غير السوريين، وتسهيل عبورهم الى لبنان.
مرجع أمني: الإمكانات
في هذا الاطار، حذّر مرجع امني عبر «الجمهورية» من ان الاجراءات الذاتية التي تقوم بها بعض البلديات في بعض المناطق قد تكون مطلوبة، الا انها ليست كافية لضبط هذا الملف والحَد من مخاطره، بل ان المطلوب هو توفير الامكانات اللازمة لكل الاجهزة الامنية والعسكرية التي تمكّنها من أداء مهماتها، خصوصاً انّ ضعف الامكانات كما هو حالها راهناً، يجعلها عاجزة عن أداء دورها كما يجب. سواء في اماكن انتشار النازحين او على الحدود.
وكشف المرجع انّ «اعداداً هائلة من السوريين، لا بل مخيفة، عبرت في اتجاه لبنان في الاشهر الاخيرة، وخطورتها انها لا تضمّ عائلات، بل غلب عليها عنصر الشباب بين 18 و24 سنة، وهو الأمر الذي عزّز المخاوف لدينا من أن تكون خلف ذلك نوايا عدوانية تجاه لبنان، عبر رفد الخلايا الارهابية بعناصر اضافية». مشيرا الى ان ثمّة «توقيفات تحصل بشكل شبه يومي لأفراد سوريين مرتبطين بمنظمات ارهابية. فالخطر كبير، ومن الخطأ الاستهانة بالحادثة التي حصلت قبل اسابيع في حي السلم، حيث رمى إرهابي نفسه من سطح احد المباني قبل إلقاء القبض عليه.
كما تخوّف المرجع عينه من تدفق اضافي للنازحين، بالتوازي مع الحديث عن ان تركيا قد اتخذت اجراءات بحق النازحين وبدأت تسهّل خروجهم منها، وهو امر يثير الخشية من أن لا يكون عبور السوريين مصدره سوريا فقط، بل من تركيا الى سوريا فلبنان».
الإشكالات الأمنية على الأرض
وكانت قد استمرت الإشكالات الأمنية بين لبنانيين ونازحين سوريين بعد حادث الدورة، إثر التعديات والتوظيفات غير القانونية رغم تحذير وزير الداخلية والبلديات، وقد وقع إشكال في الرميل أول أمس، كما وقع إشكال أمس في السبتية، وليلاً حدث ضرب بالأيدي بعد توظيف عامل دليفري لبناني في ملك الطاووق الدورة تم تشليحه في النبعة وتكسير دراجته النارية والتعدي عليه ضرباً مبرحاً من قبل ٤ سوريين وسط تواجد كبير للسوريين على الدورة.
وكان أهالي عدد من المناطق في المتن، منها برمانا وبيت مري وبعبدات، أعلنوا أمس مقاطعة أي مطعم أو محل تجاري يشغل غير اللبنانيين كـ«ديليفري» ممّا لذلك من «تأثير على أمن أهلنا، ومنع أي وجود على طرقاتنا لأي أشكال غريبة غير مطمئنة لأهلنا، ومساعدة الدولة غير القادرة على تطبيق قانون العمل اللبناني، ودعوة الدولة اللبنانية إلى ترحيل كل اللاجئين سواء كانوا قانونيين ويحملون أوراقا قانونية أو لا، وذلك لاحتواء كارثة ممكن أن تحصل»، وذلك وفق بيان صادر عنهم.