حتى اللحظة لا يبدو أن الولايات المتحدة الاميركية قررت الذهاب بعيدا في عملية الدفع بإتجاه تسوية سياسية ورئاسية في لبنان، كما ان التفويض الذي أعطي لقطر لم يشمل ايجاد حل نهائي وشامل يعيد الحياة الى المؤسسات الدستورية بل اقتصر على وضع الدوحة في واجهة الوساطات من أجل إستشراف المشهد والسقوف السياسي للقوى السياسية الأساسية، لذلك فإن المبعوث القطري أبو فهد لم يطرح مبادرة واضحة وطلب التوافق عليها.
في المقابل يستمر “حزب الله” في اعلان تمسكه برئيس تيار المردة سليمان فرنجية كمرشح وحيد للرئاسة وهذا يعني أن ما يقوله الحزب للوسطاء الدوليين لا يوحي بإمكان الوصول الى حلول وسط او الى تسوية بينه وبين واشنطن او الرياض، على اعتبار ان هذه الاطراف هي الأطراف الأكثر تأثيراً على الإستحقاقات السياسية اللبنانية، وانعدام الرغبة او الحماس للتوافق بينها سيجعل الحل بعيدا.
من الواضح أن “حزب الله” يريد البحث عن سلة شاملة يتفاوض من خلالها على رئاسة الجمهورية، وهو غير معني ببحث الملف الرئاسي دون غيره من الملفات الا اذا كان الاسم المتوافق عليه هو فرنجية، لذلك فإن تسليم خصوم الحزب بفكرة ان للحزب حصة سياسية وازنة في المرحلة المقبلة سيسهل الحل لانه يرضي الحزب وعندها يصبح التفاوض حول الرئاسة أمرا مطروحاً وليس مستحيلاً.
اما الولايات المتحدة الاميركية فليس لديها أي دافع يجعلها تسلم لحزب الله بتسوية سياسية يحصل خلالها على حصة داخل المؤسسات الدستورية من دون ان تحصل على مكاسب استراتيجية تسمح لها بعدم عرقلة فكرة الاستقرار السياسي الذي يبحث عنه الحزب منذ زمن، لان هذا الاستقرار سيعزز حضور الحزب ونفوذه ما يصيب حضور واشنطن ونفوذها بأضرار يجب تجنبها قدر الإمكان.
وبحسب مصادر مطلعة فإن ربط التسوية السياسية والرئاسية بترسيم الحدود البحرية بات محسوما بالنسبة للاميركيين، لكنه ليس كافيا، فواشنطن تريد ضمانات حقيقية بعدم حصول انفجار للاوضاع بين “حزب الله” وإسرائيل، ويبدو ملف ترسيم الحدود البرية وسيلة لنزع فتيل الاشكالات والتوترات اليومية بين الطرفين والتي قد تتدحرج لتصل الى معركة عسكرية او حرب شاملة في لحظة غير محسوبة.
فهل يعطي “حزب الله” مثل هذه التنازلات للاميركيين من أجل الحصول على مكاسب داخل الدولة وايصال مرشحه للرئاسة؟ قد لا يكون الامر منطقيا، الا في حال تزامنه مع تسوية شاملة تتضمن مسألة النازحين السوريين واللجوء الفلسطيني ومزارع شبعا التي لا يمكن تصنيفها ضمن المناطق التي سيتم ترسيم الحدود فيها، كل ذلك يجعل الفراغ الرئاسي مجرد رأس لجبل الجليد ويجعل التسوية بعيدة جدا بمعزل عن كل الوساطات والمبادرات.