كتبت صحيفة الديار تقول: أخذ الوضع في لبنان منّحى أكثر خطورة من المرحلة السابقة خصوصًا مع نفاد القدرات المالية للمصرف المركزي مما يُقوّض قدرة الدولة على الإستمرار وهي التي تحتاج إلى عمّلة صعبة لإنفاقها التشغيلي.
وإذا كانت بعض الدوّل مثل الولايات المُتحدة الأميركية أو قطر، قامت بتقديم مساعدات نقدية ومادية للقوى العسكرية والأمنية وهو ما أعفى لبنان من تسريع إنهيار الأمن فيه، إلا أن الواقع سيكون أصعب بكثير على القطاعات الأخرى خاصة في المرحلة المُقبلة.
الوضع أكثر من خطر!
الكلّ أصبح يعلم أن هناك إستحالة الإستمرار في المنحى الحالي وأن عدم إنتخاب رئيس للجمهورية سيؤدّي إلى تحلّل مفاصل الدولة بالكامل، وما هي إلا أسابيع أو أشهر حتى تظهر نتائج هذا التحلّل على الأرض.
وترجمة هذا التحلّل على الأرض ستكون عنيفة بحسب مسؤول عسكري سابق الذي يؤكّد في حديث لـ «الديار» أن البؤر الأمنية المتمثّلة بالمخيمات الفلسطينية (وعلى رأسها عين الحلوة) وأماكن التواجد الكثيف للنازحين السوريين يجعل القوى العسكرية والأمنية عاجزة عن معالجة كل الإشكاليات إذا ما حصلت في آن واحد.
وأضاف المسؤول العسكري السابق أنه في ظل فرضية التحلّل سنشهد على تشكيل عصابات كثيرة مؤلفة من بضعة أشخاص وستعمد إلى السطو المسلّح ولن تسلم أي منطقة من هذا التفلّت مما سيفرض حكمًا تشكيل قوات حزبية – مدنية مُسلحة للدفاع عن أمن مناطقها.
هذا التحليل يدعمه عددٌ من المؤشرات على مثال الموجة الجديدة من النزوح السوري أو على صعيد المواجهات في مخيّم عين الحلوة إذ يؤكد مصدر أمني لـ «الديار» أن الهدوء الحالي في مخيم عين الحلوة ما هو إلا مرحلة إستعداد لوجستي لجوّلة مواجهات شديدة لن تتأخر بالظهور في الأيام أو الأسابيع القادمة.
هذا الواقع يُقابله وضع مالي صعب مع تراجع قدرات المصرف المركزي المالية وحاجة الدوّلة المُستمرّة للدولار الأميركي.
وقد علمت «الديار» من مصادر مالية أن مصرف لبنان لا يزال يقوم بنفس العمليات التي كان يقوم بها حاكم المركزي السابق رياض سلامة حيث إشترى المصرف المركزي من السوق ما يوازي الـ 180 مليون دولار أميركي لدفع أجور القطاع العام وسدّ بعض حاجات الحكومة من مشتريات بالعملة الصعبة.
وتُضيف المصادر أن حاكم المصرف المركزي بالإنابة وسيم منصوري تمّيز عن سلفه بنقطتين: الأولى نشر الأرقام والثانية موقف واضح عن رفض تمويل الدولة من الإحتياطي الإلزامي، أما الباقي، فإن منصوري يسير على خطى سلامة خصوصًا مع رفض السلطة السياسية إقرار القوانين التي طالب بها منصوري والتي هي مطالب صندوق النقد الدولي.
دعوة برّي للحوار
دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه برّي إلى سبعة أيام حوار يليها جلسات مفتوحة لإنتخاب رئيس للجمهورية، تُشكّل مخرجًا مُشرّفًا لكل الأفرقاء سواء كانوا من المعارضة أو الممانعة حيث أن الأوائل يُريدون الجلسات المفتوحة والأخرين الحوار وهو ما يجعل من طرح الرئيس برّي حلّا وسطا في ظل إنقسام عمودي في البلد.
وتُشير التحاليل إلى أن طرح رئيس المجلس النيابي، مهّد الطريق أمام عودة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان الذي من المتوقّع عودته إلى بيروت في الأسبوعين القادمين. وإذا إعتبرت مصادر عين التينة أن لا تنسيق بين برّي ولودريان على طرح الأول، يعتقد بعض المُحلّلين أن الرئيس برّي قد رمى الطابة في ملعب المعارضة التي أصبحت مشرذمّة.
وبالتحديد إنقسمت مواقف القوى السياسية بين مؤيّد لهذه الدعوة ورافض لها. فالقوات اللبنانية سارعت إلى رفض الحوار بكل أشكاله وطالبت بجلسات مفتوحة لإنتخاب رئيس، كذلك فعلت الكتائب اللبنانية وبعض نواب المعارضة.
في المقابل رحّب تكتل الإعتدال الوطني الذي يعرّف عن نفسه بأنه قريب من المعارضة، بمبادرة برّي وهو ما أزعج قسما من فريق المعارضة الذي إعتبر أن التكتل أصبح محسوبًا بشكل أو بأخر على الرئيس برّي. أيضًا، رحّب الثنائي الشيعي بهذه المبادرة وكذلك الإشتراكي وبعض نواب المعارضة والتيار الوطني الحر.
مصادر سياسية مُعارضة أشارت إلى أنه حتى لو تمّ الحوار ومن بعده جلسات مفتوحة لإنتخاب رئيس للجمهورية، لن يكون هناك إنتخاب لرئيس نظرًا إلى أن التيار الوطني الحرّ أعطى كلمة لحزب الله بعدم التصويت لجهاد أزعور في أي جلسة إنتخاب مُستقبلية وهو ما عبّر عنه النائب آلان عون الذي قال أن تأييد أزعور كان لتمرير الوقت.
أضف إلى ذلك أن الرئيس برّي يعمل على حثّ الحزب الإشتراكي على تغيير موقفه من إنتخاب أزعور (من دون تأييد فرنجية بالضرورة) وهو ما يعني إستحالة أي من الأفرقاء إيصال مرشّحهم إلى سدّة الرئاسة.
وتُشير المعلومات أن رفض المعارضة للحوار نابع من مخاوف من إلتزامات قد يكون أعطاها التيار الوطني الحرّ لحزب الله فيما يخصّ إنتخاب رئيس للجمهورية وبالتحديد عدم التصويت لجهاد أزعور. وبالتالي، فإن الحوار سيُضعف جبهة المعارضة القائمة حاليًا حيث سيتمّ شرذمة المعارضة.
إلى هذا، تتجه الأنظار إلى الخطاب الذي سيلقيه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في ذكرى شهداء القوات والذي من المفروض أن يكون عالي السقف تجاه مبادرة الرئيس برّي وهو ما يعني حكمًا ضرب المبادرة من قبل المعارضة.
النزوح السوري
على صعيد أخر، بدأت المخاوف الجدّية من موجة كبيرة من النزوح السوري بإتجاه لبنان خصوصاً مع تفاقم الأزمة الإقتصادية في سوريا مما يعني أن موجة النزوح يُمكن وصفها بموجة نزوح إقتصادية بإمتياز.
هذا الرأي الذي يتشاركه العديد من المراقبين، يواجه نظرية أخرى تتبنّى مبدأ دور مرسوم لهؤلاء النازحين حيث أن بعض المحلّلين السياسيين يعتبرون أن للنازحين السوريين دورا في الأزمة في لبنان سواء كان على صعيد ملف ترسيم الحدود مع فلسطين المحتلّة – من باب الضغط الإقتصادي والأمني، أو من ناحية إحتمال مشاركتهم في أي مواجهة مذهبية كمّا عبّر عن ذلك وزير سابق أبدى تخوّفه في مجلس خاص من دخول الشباب السوريين إلى لبنان دون حسيب أو رقيب.
هوكشتاين وترسيم الحدود
تقول مصادر مواكبة لزيارة المبعوث الأميركي إلى لبنان آموس هوكشتاين، أن زيارة هذا الأخير هي من باب الضغط لتحريك ملف ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة.
وإذا كان لبنان لا يعترف بما يُسمّى بترسيم الحدود نظرًا إلى أن هذه الأخيرة متوافق عليها بإستثناء 13 نقطة خلافية منها 7 تمّ حلّها، تأتي زيارة هوكشتاين إلى لبنان بإطار الضغط على لبنان لحل النقاط المتبقية.
وتقول المصادر أن هوكشتاين مارس ضغطًا على المسؤولين من ثلاثة إتجاهات: ملف الإستكشاف البحري مع التركيز على الفوائد الإقتصادية والتنموية بالنسبة للبنان، وملف الكهرباء من باب التوسط لدى البنك الدولي لتمويل إستجرار الكهرباء والغاز من الأردن ومصر، والثالث غير مباشر من خلال ملف النازحين السوريين الذي يستحيل إعادتهم إلى بلدهم من دون موافقة المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المُتحدة الأميركية.
لذا ترى المصادر أن إستفادة لبنان من ثروته النفطية (إحتمال وجودها بكمّيات تجارية، هو إحتمال مرتفع جدًا) مشروط بملف ترسيم الحدود مع فلسطين المُحتلة ولكن أيضًا مع إقرار إصلاحات صندوق النقد الدولي وإنشاء صندوق سيادي ستذهب إليه أموال هذه الثروة. وتُضيف المصادر أن الشركات المنقبة عن الغاز، لن تدفع قرشًا واحدًا للبنان إذا لم يستوف هذه الشروط عملًا بمطالب المجتمع الدولي الذي من الظاهر أن قطع «بطاقة ذهاب دون عودة» للعديد من المسؤولين في لبنان.