«حدث صعب جداً في الشمال. صلّوا لأجلهم». لم تكن الصرخة التي أطلقتها مواقع المستوطنين هذه المرّة بسبب سقوط مُسيّرة على قاعدة للجيش أو على خلفية معركة في المناطق التي زعم جيش الاحتلال مراراً أنه «انتهى من تطهير البنى التحتيّة فيها»، ولا مواجهة من مسافة صفر بين الجنود الإسرائيليين ومقاتلي حزب الله.
الواقعة هذه المرّة مختلفة كليّاً، مع تسلّل المستوطن زئيف إيرليخ (71 عاماً)، للبحث عن «دليل» يرتبط بأسطورة «سبطي آشر وبنيامين» التوراتيّة التي تزعم أن «حدود المملكة اليهودية امتدّت إلى صيدا».
وهي الأسطورة ذاتها التي ترتكز عليها أوهام التيار المسياني الصهيوني بالاستيطان في لبنان. غير أن «باحث أرض إسرائيل»، ومؤسس مدرسة «سديه عوفراه»، ومؤلّف سلسلة كتب «شومرون وبنيامين»، و«أبحاث يهودا والسامرة»، قتله حرّاس الجنوب، ليعود ويُقبر مع أحلامه في مستوطنة «عوفراه» في الضفة الغربية المحتلة.
قُتل إيرليخ مع الرقيب غور كَهتي فيما أصيب رئيس هيئة لواء «غولاني» المُقدّم في الاحتياط يوآف يورام بجروح متوسطة، بعد تسلّلهم إلى أحد المواقع في الجنوب بحثاً عن آثار تاريخية يُزعم ارتباطها بـ«المملكة اليهودية»، وهو ما سيكون محور تحقيق يجريه جيش العدو، ويتوقّع أن يحمّل يورام مسؤولية تسلل إيرليخ كـ«مدني» لم يكن ينبغي السماح له بدخول منطقة عمليات حربيّة.
وفيما فتحت الشرطة العسكرية تحقيقاً حول دخول «الباحث» إلى المنطقة على أن ترفع النتائج إلى النيابة العسكرية، عيّن رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي فريق خبراء لـ«فحص وتعزيز الثقافة العسكرية» والتأكد من «الحفاظ على الانضباط العملياتي، وقواعد السلوك والمعايير في وحدات الجيش». ويعمل الفريق بالتوازي مع تحقيق يجريه قائد القيادة الشمالية اللواء أوري غوردين الذي سيقدّم توصياته إلى هليفي خلال أسبوعين.
الحادثة وقعت وفقاً لموقع «واينت» بعد ظهر الأربعاء في نقطة «عميقة نسبياً» من العملية البرية التي يشنّها جيش الاحتلال. فقد «وصل ياروم إلى النقطة التي قُتل فيها عنصر من لواء غولاني بداية الأسبوع، والتي تُعتبر تحت سيطرة الجيش منذ ذلك الحين، وكان برفقته إيرليخ المسلّح بسلاح شخصي، ويرتدي زياً عسكرياً ودرعاً». وبدأ الاثنان يرافقهما كَهتي بمسح حصنٍ قديم قرب مسجد (لم يُذكر في أي قرية) فوق إحدى التلال حيث كان مقاتلان من المقاومة بانتظارهم، وأطلقا النار عليهم من مسافة قريبة.
ورغم أن الجيش يدّعي أن إيرليخ دخل كـ«مدني»، لفت شقيق القتيل إلى أنه «خلافاً لادّعاءات المتحدث باسم الجيش، قبل دخوله إلى لبنان تمّ تجنيده ومعاملته كجندي في الجيش. بدليل أن من نقل إلينا خبر مقتله هو الدائرة المسؤولة عن التبليغ في الجيش».
أمّا بالنسبة إلى قائد غولاني، ياروم، فهو الآن في صلب تحقيق عسكري ومن المحتمل أن يُحمّل المسؤولية ويُعزل من منصبه بسبب «التداعيات الخطيرة للحادث». وهكذا عملياً، تكون المقاومة قد ختمت مسيرته العسكرية بـ«الشمع الأحمر»، بعدما قاد قبل «غولاني»، ألوية «شومرون» و«ألكسندروني» وشغل منصب نائب قائد «الفرقة 36» في الجيش.
وبالعودة إلى إيرليخ فقد وُلد في عام 1953، والده يسرائيل إيرليخ من «حسيدي سوختشوف»، وهو تيار ديني أسّسه حاخامات يهود عام 1870. تتلمذ إيرليخ الابن في مؤسسات الصهيونية الدينية، ونشأ في «يشيفاة هكوتيل» في القدس.
تخرّج من الجامعة العبرية في القدس، ويحمل درجات أكاديمية مختلفة في «تاريخ شعب إسرائيل». خدم في الجيش ضابطاً في المشاة، وأصيب في حرب «يوم الغفران». وبين عامي 1988 و1991 تجنّد للخدمة الدائمة بصفة ضابط مخابرات في ساحة الضفة، خلال الانتفاضة الأولى، وفي عام 1989 أصيب بنيران مقاومين فلسطينيين. وقد كتب عشرات المقالات خصوصاً في صحيفة «ماكور ريشونة»- لسان حال التيار الصهيوني الديني. وعمل مُرشداً في موضوع «يهودا والسامرة» (الاسم التوراتي للضفة الغربية) في «معهد لندر»، ومحاضراً في كليّة «مورشيت يعكوف – أوروت إسرائيل». أقام علاقات وطيدة بضباط في الجيش أتاحوا له زيارة مواقع أثرية وتاريخية في الضفة الغربية التي يُعد الوصول إليها صعباً، بعضها في مناطق «أ» التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية.
إلى ذلك، اعتبر وزير الثقافة محمد وسام المرتضى أن مقتل ايرليخ «في اليوم التالي لصدور قرار منظمة اليونسكو بمنح قلعة شمع الحماية المعزّزة ضد العدوان الإسرائيلي بناءً على طلب وزارة الثقافة اللبنانية، يُمثّل انتهاكًا صارخًا لقرار اليونسكو، ويُعبّر عن العنجهية الإسرائيلية التي لا تقيم وزنًا للمجتمع الدولي ومنظّماته ومواثيقه وقوانينه». ولفت إلى أن «الغاية المعلنة من دخول هذا الجندي المزوّر إلى مقام النبي شمعون في بلدة شمع، وهي البحث عن أدلة تاريخية مرتبطة بأرض إسرائيل، تؤكّدُ مرة أخرى الطبيعة التوسّعية العدوانية لهذا الكيان الذي لن يكتفي باحتلال فلسطين أرضًا وتاريخًا وتراثًا، بل يسعى أيضًا إلى احتلال لبنان أرضًا وتاريخًا وتراثًا».