كتبت صحيفة “النهار”: بدت التحركات والمشاورات ومشاريع المعالجات المطروحة في شأن انتقال المسؤولية في حاكمية مصرف لبنان بعد 31 تموز الحالي اشبه بـ”القتال التأخيري” في هزيمة عسكرية غالبا ما ينتهي بالتسليم بالقدر المحتوم!
ذلك ان بدء العد العكسي للايام الأخيرة من ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لم يقو على سائر المعنيين لدفعهم الى انجاز وإعلان الخيار الحاسم النهائي امام اللبنانيين بما يفترض، بل يوجب، ان يشكل عامل طمأنة الحد الأدنى من ان البلاد لن تنزلق الى متاهة قد تكون الأخطر في فصول الازمات المالية التي يتقلب اللبنانيون فوق جمرها اللاهب.
وإذ ارجئ علنا وشكلا أي اجراء حاسم عقب اجتماع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي والنواب الأربعة لحاكم مصرف لبنان ضمن مهلة تنتهي الخميس ستفضي الى رمي الكرة الملتهبة في ملعب الحكومة مجتمعة، اتخذت الازمة بعدا غير مسبوق في دقتها وخطورتها مع التلويح للمرة الأولى باللجوء الى قانون العقوبات في وجه نواب الحاكم الأربعة ان استقالوا وتخلفوا عن تحمل مسؤولياتهم .
هذا العامل المفاجئ لم يرد علنا ورسميا في أي من المداولات المعلنة الحكومية ولا في التصريحات الوزارية، ولكن ما ان انفضت جلسة مجلس الوزراء الأولى المخصصة لبدء مناقشة الموازنة، اتضح ان ازمة الحاكمية طغت بشكل ساحق على المداولات الوزارية وسط جدل كثيف بين الوزراء ثم موجة حملة واسعة من التعليقات على واتساب مجلس الوزراء، وكان لافتا استحضار المواد التي يتضمنها قانون العقوبات ومن بينها المادة 340 التي تنص على عقوبة “التجريد المدني للموظفين الذين يربطهم بالدولة عقد عام اذا اقدموا متفقين على وقف أعمالهم او اتفقوا على وقفها او على تقديم استقالتهم في أحوال يتعرقل معها سير احدى المصالح العامة”.
عكست هذه المؤشرات البلبلة التي تطبع الإدارة السياسية والمالية سواء بسواء لهذه الازمة، اذ ان ارجاء الحل لفترة 48 ساعة فقط، بدا بمثابة ارجاء انفجار يتهدد البلاد بتداعيات وخيمة في حال عدم التوصل الى مخرج لا يستقيل فيه نواب الحاكم ولا يصبحون وحدهم في مواجهة الواقع الصعب بما يوجب تحمل الحكومة ومجلس النواب التبعات اللازمة للمرحلة المقبلة بعد نهاية ولاية الحاكم الحالي. وكان رئيس الحكومة اجتمع صباحا في حضور نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي ووزير المال يوسف خليل، مع نواب الحاكم ولم يصدر أي بيان عن الاجتماع .
وبعد جلسة مجلس الوزرا ء عصرا استبعد وزير المال يوسف الخليل استقالة نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة، لكنّه أكّد ألا معلومات أكيدة حول ذلك. ولفت إلى أن الموضوع يُحل من خلال “حوار هادئ وعلمي”، مشيراً إلى أن “لنواب الحاكم خطةً اقتصادية قريبة من خطة الدولة”.
من جهته، اعلن وزير الاقتصاد أمين سلام ان استقالة نواب الحاكم “يجب أن يقبلها مجلس الوزراء واجتماعهم مع ميقاتي كان ايجابيا وتم إعطاؤهم مهلة 48 ساعة لان يعودوا مع أجوبة وعلى أثر ذلك سيدعو ميقاتي إلى جلسة حكومية بين الخميس والجمعة لتفادي أي خضة”.
ووفق المعلومات فان ميقاتي ابلغ الوزراء ان نواب الحاكم طلبوا من الحكومة توفير الغطاء القانوني الذي يسمح لهم باقراض الحكومة من مصرف لبنان كما التدخل في سوق القطع لاستقرار سعر الصرف.
ولذا قرر مجلس الوزراء استطلاع رأي الجهات القضائية المختصة ليصار في ضوئه الى الاجتماع مجددا مع نواب الحاكم لتقييم الوضع. وكرر ميقاتي ان الخيار الأمثل هو تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان.
وفي المواقف السياسية اعتبر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب تيمور جنبلاط ان “الحد الأدنى من منطق حماية ما تبقى من مؤسسات يقتضي تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان علّنا نتفادى مخاطر نقدية ومالية تزيد معاناة المواطن اللبناني، ومن واجب الحكومة إتمام ذلك، وعلى القوى السياسية تسهيل الأمر بعيدا من منطق المحاصصة والفيتوات المتبادلة”.
يشار الى أن توتراً حصل بين الوزيرين عبدالله بوحبيب وعصام شرف الدين على مجموعة “واتسآب” الحكومة، اذ نعت شرف الدين بوحبيب بـ”المرتهن للمجتمع الدولي” بعدما “تراجع وهُزم” أمام قرار البرلمان الأوروبي الرافض لعودة النازحين السوريين إلى بلادهم، وذلك بعدما وصفه بوحبيب بـ”الحشور”. وقال شرف الدين: “التاريخ سوف يُحاسبه”.
لودريان في بيروت
وإذ طغت ازمة حاكمية مصرف لبنان على مجمل المشهد الداخلي تترقب الأوساط الرسمية والسياسية الفصل الثاني من مهمة الممثل الشخصي للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لشؤون لبنان جان ايف لودريان وما سيحمله من اقتراحات وتوجهات جديدة في ظل المتغيرات الملموسة والمؤثرة التي طرأت علِى المبادرة الفرنسية عقب اجتماع المجموعة الخماسية في شأن لبنان في الدوحة .
وعشية وصول لودريان الى بيروت أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية أن الممثل الشخصي للرئيس الفرنسي لشؤون لبنان جان إيف لودريان سيزور بيروت في الفترة من 25 إلى 27 تموز. واشار في بيان، إلى أن هذه الزيارة الثانية إلى لبنان “تأتي في إطار مهمته في التسهيل والوساطة، بهدف خلق الظروف المؤاتية للوصول إلى حل توافقي لجميع الأطراف المعنية بانتخاب رئيس الجمهورية”.
وشدد على أن “هذه خطوة أساسية لإعادة تفعيل المؤسسات الدستورية التي يحتاجها لبنان بشكل عاجل للمضي قدما نحو الانتعاش”.
ولفت المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية إلى أن لودريان، وفي زيارته الأولى من 21 إلى 24 حزيران الماضي، التقى بممثلي جميع التشكيلات السياسية الممثلة في البرلمان اللبناني، كما أجرى مباحثات مع السلطات السياسية والدينية والعسكرية.ثم زار الممثل الشخصي للرئيس الفرنسي لشؤون لبنان المملكة العربية السعودية من 10 إلى 12 تموز، ثم قطر حيث شارك في اجتماع حول لبنان مع السعودية وقطر والولايات المتحدة الأميركية ومصر في 17 تموز، قبل أن يعود إلى المملكة العربية السعودية مرة أخرى في 18 تموز.
وقبيل عودة لو دريان، التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة السفيرة الفرنسية آن غريو.
كما استقبل ميقاتي غريو التي أعلنت بعد اللقاء “انها زيارة وداعية قمنا خلالها بجولة افق حول السنوات الثلاث الأخيرة، والتعاون الفرنسي اللبناني، وتناولنا أيضا الأوضاع في لبنان عشية زيارة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان، وكان لقاء بناء”.
وردا على سؤال قالت “سأتولى منصب مديرة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في الخارجية الفرنسية وسأستمر في وظيفتي الجديدة بالاهتمام أيضا بلبنان”.
وبدا لافتا ما كشفه عضو “تكتل الجمهورية القوية” النائب فادي كرم من معلومات تفيد بأن الموفد الفرنسي يحمل جديدا رئاسيا سيطرحه في زيارته بالاستناد الى مجريات اجتماع الدوحة.
وعن الكلام عن بحث “التيار الوطني الحر” عن مرشح ثالث بعد طيّ صفحة الوزير السابق جهاد أزعور قال كرم “الأجواء التي تصلنا من التيار تفيد بانه مستمر بالتقاطع على ازعور”.