
تعيش الساحة اللبنانية على كثير من التمنيات التي تعكسها تيارات سياسية وشخصيات حزبية وإعلامية عبر مواقف وتحليلات وتسريبات بعيدة كل البعد عن الواقع والحقيقة، وعلى قليل من المعلومات التي لا يدركها سوى نذر يسير من المسؤولين الذين يحتفظون بها ويبنون عليها إستراتيجيات المواجهة مع العدو الاسرائيلي الذي يتوحش بالاعتداءات ويتغطرس بالشروط ويتمادى بالتهديدات.
منذ أيام والبلاد تبدو على صفيح ساخن، حيث يفرض سؤال نفسه: متى الحرب؟، لتأتي الأجوبة على الشكل التالي: خلال ساعات وقد حمل وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي رسالتها، بعد زيارة البابا لاوون الرابع عشر، في العشر الأوائل من شهر كانون الأول، بعد عيديّ الميلاد ورأس السنة، وكأن إسرائيل تضرب مواعيدها حسب الروزنامة اللبنانية.
واللافت وأن وسائل الإعلام تمعن في إعتماد هذه الأجوبة والبناء عليها والزيادة عليها تهويلا وتهديدا بناء على “معلومات خاصة أو مصادر مطلعة”، ما يجعل اللبنانيين يعيشون الحرب قولا وفعلا خصوصا مع الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة بشكل يومي والتي يمكن توصيفها بالحرب التي لم تتوقف نتيجة عدم إلتزام إسرائيل بإتفاق وقف إطلاق.
تشير المعلومات المؤكدة الى أن التهديد والتهويل بالحرب نابعين من تطلعات تيارات سياسية لا تخفي رغبتها بأن تشن إسرائيل حربا جديدة على المقاومة وبيئتها، وهي لا تتوانى عن تهديد السلطة اللبنانية بأنه “إذا لم تقم بحصر سلاح المقاومة فإن إسرائيل ستتولى هذه المهمة”، وبالتالي فإن قسما من هؤلاء يعوّل على إحتياح إسرائيلي لإستعادة أجواء عام 1982 في الاستقواء على الرئاسات وعلى سائر التيارات السياسية الأخرى، وكأن هؤلاء لم يتعملوا من تجارب الماضي التي ما تزال ماثلة للعيان.
تقول المعلومات أن أحدا من المبعوثين الدوليين لم يهدد بالحرب ولم ينقل رسائل عن موعدها أو حتى التهويل بها، وخصوصا وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي الذي إتخذ حديثه مع الرؤساء الثلاثة شكلا من أشكال التحليل السياسي الذي يجعل الحرب أحد الخيارات التي يمكن أن تلجأ إليها إسرائيل وهذا كلام طبيعي كان الموفدون يتحدثون فيه حتى قبل معركة طوفان الأقصى.
أما عن المبادرات الخارجية فثمة مبادرة مصرية وحيدة هي تلك التي حملها مدير المخابرات اللواء حسن رشاد وتتضمن “حصرية السلاح جنوب الليطاني وإنتشار الجيش وتجميد السلاح شمال الليطاني مقابل توقف الإعتداءات”، فضلا عن المبادرة التي أطلقها رئيس الجمهورية جوزاف عون في رسالة الإستقلال والتي تدور حول وقف الاعتداءات والإنسحاب الاسرائيلي مقابل بسط سلطة الدولة على جنوب الليطاني وحصرية السلاح وإنتشار الجيش تحت إشراف لجنة الميكانيزم والتفاوض وإيجاد آلية دولية لدعم الجيش اللبناني.
ولا شك في أن المبادرة المصرية قد جرى تسويقها دوليا وعربيا، في حين أن الشرعية الوطنية التي حظيت بها مبادرة الرئيس عون من شأنها أن تجعلها مقبولة دوليا وعربيا، خصوصا أن اليونيفل والميكانيزم وأميركا وفرنسا وسائر المجتمعيّن العربي والدولي يؤكدون أن الجيش يقوم بواجباته كاملة وينفذ خطة حصرية السلاح وفق الإمكانات المتاحة له.
في غضون ذلك تلتزم إسرائيل الصمت حيال تلك المبادرات، ولا تقيم لها وزنا، فضلا عن تجاهلها موافقة لبنان على الطلب الأميركي بالتفاوض، ورفضها المطلق للتقدم خطوة واحدة مقابل الخطوات الايجابية الكثيرة التي قام بها لبنان، ما يؤكد أن العدو الصهيوني مستمر في حربه على لبنان والتي قد تتصاعد حينا وتخفت أحيانا بحسب مصلحة بنيامين نتيناهو الذي يستخدم الحرب للهروب من المحاكمات القضائية التي تلاحقه، وهو كلما يكون لديه جلسة في المحكمة يصعد في لبنان في أو في غزة وتصله ورقة الى قاعة المحكمة تبلغه بضرورة الخروج ومتابعة شأن أمني، ما يعني أن الإعتداءات ستستمر لحين تحقيق مطلب إسرائيل الأساسي وهو التفاوض المباشر والحصول على صك إستسلام من لبنان، أو حصول تغييرات إقليمية أو دولية تفضي الى تسوية ما تنعكس إيجابا على الوضع الداخلي.
غسان ريفي
المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع "صدى الضاحية" بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و"الموقع" غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.



