مقالات
من وزارة المهجّرين إلى وزارة الذكاء الاصطناعي!

قرار الوزير كمال شحادة إقفال وزارة المهجّرين والتوجّه إلى وزارة الذكاء الاصطناعي يبدو خطوة حديثة تواكب العصر الرقمي، لكنّها في الحقيقة تفتح جرحاً لم يلتئم بعد.
فملف التهجير في لبنان لم يُقفل، والآلاف من العائلات لا تزال تعيش مرارة النزوح منذ خمسين عاماً.
من النبعة والكرنتينا والمسلخ وخطوط التماس، إلى قرى الشريط الحدودي التي اجتاحها الاحتلال الإسرائيلي قبل عام 1978 وبعده، هجّرت آلاف العائلات قسراً من بيوتها.
كثيرون لم يعودوا، ولم تُنصِفهم التعويضات، ولم تُعِد الدولة إليهم حقوقهم.
يكفي المرور في الغبيري وبرج البراجنة ليدرك أي زائر أنّ الأزمة لم تنتهِ.
نحو 30% من المساحة السكنية في الغبيري وبرج البراجنة مأهولة بمهجّرين من تلك الحقبة، وهي مناطق تستنزف البلديات يومياً بالخدمات في ظل غياب الحلول الاستراتيجية.
أحياء كاملة في الأوزاعي والجناح وصبرا وحرش القتيل والرمل العالي ومحيط المخيمات الفلسطينية شاهدة على عشوائيات فرضتها ظروف التهجير وغياب الدولة.
هنا يكمن التناقض: كيف يمكن إقفال وزارة المهجّرين فيما بقايا الحرب لا تزال حاضرة في قلب العاصمة وضواحيها؟ وكيف يُستبدل ملف إنساني ووطني بملف رقمي هدفه السباق بين الوزراء لوضع اليد على التمويل الخارجي والقروض تحت شعار «التحوّل الرقمي»؟
نعم، لبنان يحتاج إلى الذكاء الاصطناعي وإلى التحوّل الرقمي، لكن قبل ذلك يحتاج إلى ذكاء طبيعي سياسي يُنصف مئات الآلاف من مواطنيه الذين هُجّروا من أراضيهم وقراهم.
فالمستقبل لا يُبنى على أنقاض الماضي غير المعالج.
المطلوب اليوم موقف واضح من مجلس النواب: لا لطيّ ملف المهجّرين بقرار إداري، ونعم لتحمّل الدولة مسؤولياتها بالتعويض والإنصاف. فمعالجة جروح الغبيري وبرج البراجنة وأحيائهما ليست قضية محلية أو خدماتية، بل قضية كرامة وطنية.
إن لم تُحلّ قضايا التهجير، فإن أي وزارة للذكاء الاصطناعي ستبقى واجهة براقة فوق أرضية مهترئة وموحلة.
معن خليل- الاخبار
المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع "صدى الضاحية" بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و"الموقع" غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.



